[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]
تقارير ووثائق

أولياء الأمور... يغيبون عن المدارس في اليمن

لا يكترث معظم أولياء الأمور في اليمن بعملية التواصل مع إدارة مدارس أبنائهم ومتابعة سلوكهم ومستوى احتياجاتهم أو إيصال صوتهم للإدارة. تعتقد أسماء أحمد (17 عاماً) أن عدم حضور والدها إلى المدرسة، خلال سنوات دراستها الطويلة، كان أحد أسباب عدم اهتمامها بالتعليم في الصفوف الأولى من دراستها، ما جعلها تحصل على درجات متدنية.

تقول: "لا أتذكر أن والدي زارني في المدرسة منذ بدأت الدراسة حتى اليوم كما يفعل بعض أولياء أمور زميلاتي الذين يحضرون إلى المدرسة دائما، ولهذا كنت أخسر كثيرا من الفرص التي تساعدني على تحسين مستواي والحصول على أعلى الدرجات". مشيرة إلى أن تواصل أولياء أمور زميلاتها كان يساعدهن على تلافي الأخطاء وأوجه التقصير في عملية المذاكرة وحل الواجبات والتحضير وتنظيم علاقتها بالمدرسة والمدرسين، وحتى زميلاتها.

تضيف: "دخلت مرارا في خلافات مع زميلاتي، وكنت أشعر بحاجة أن يكون والدي بجانبي في تلك المراحل للوقوف معي، لكنني لم أجده". لافتة إلى أن والدتها كانت تحضر إلى المدرسة أحيانا، لكن لا يمكن أن تكون بديلة عن حضور الأب وشخصيته أمام زميلاتها. تواصل: "أنا على أبواب التخرج من الثانوية العامة، وبتّ اليوم أكثر قوة وأتفهم انشغاله المستمر من أجلي أنا وإخوتي، ولا أعتب عليه إطلاقا".

‏إلى ذلك، يؤكد عبدالله العمراني أنه ورغم إيمانه بأهمية التواصل المستمر بينه وبين إدارة المدرسة التي تدرس فيها بناته، إلا أنه يشعر بالاطمئنان عندما يتابع مستواهن العلمي المتقدم كلما تسلّم التقارير الشهرية.

يقول: "لدي 3 بنات دارسات، وقد تخرجت ابنتي الكبرى من الثانوية العامة ولم تطلبني المدرسة للحضور ‏لمناقشة أي قضية في أي يوم، وليس لديّ أدنى فكرة عن وجود مجلس آباء في المدرسة". وتبدو لهجة العمراني محبطة وهو يشير إلى أن لديه انطباعا بتدهور التعليم في ‏السنوات الماضية بشكل كبير، خلق أمام الإدارة المدرسية تراكمات ضخمة من التحديات في عدة مجالات، إلى درجة أفضت إلى إحباط الإدارة، ولم تعد هي أو الآباء قادرين على السيطرة على معظم القضايا، خاصةً خلال العامين الماضيين، حيث انخفضت الرقابة الحكومية تماما على سير التعليم في المدارس.

وأوضح العمراني أنه، في مرات ‏قليلة، قام بزيارة المدرسة لجلب بناته إلى المنزل، وكان ينتهز فرصة وجوده هناك ليسأل المعلمات عن مستوى بناته أو سلوكهن، لكنه لم يفكر يوماً في التعريج على الإدارة لإثارة قضية ما. "أتذكر أن إحدى بناتي كانت تشتكي مرارا من عنف زميلتها ضدها ومعظم زميلاتها، وعجز المعلمات عن ردعها. ‏تحمست كثيراً لزيارة الإدارة لإثارة حالتها، لكن سرعان ما فترت همتي وألغيت خطتي بعد أن أخبرتني بمجيء والد ‏إحدى زميلاتها وتقديم نفس الشكوى". لافتا إلى أن ثقته زادت بعدم جدوى التواصل مع الإدارة بعد استمرار المشكلة وتداول ‏الطالبات معلومة بأن الفتاة هي ابنة أحد الشركاء في رأسمال المدرسة.

وفي مناسبات كثيرة، تكون علاقة الآباء بالمدرسة جيدة في المدارس الخاصة بسبب تيسير إدارة المدرسة إنشاء تلك العلاقة كنوع ‏من منح الوالدين الثقة في المدرسة ذات الرسوم المرتفعة، أو بسبب ارتفاع المستوى التعليمي للوالدين غالباً. غير أنه دائماً ‏ما يكتنف تلك العلاقة شيء من التحديات. فبعض ولاة الأمور يعتقدون أن دعوة المدرسة لولاة الأمور تنطوي، في ‏نهاية المطاف، على طلب دفع مبالغ إضافية من أجل إنشاء نشاط جديد، أو الترويج لخدمة جديدة، أو لمجرد عرض ‏شكاوى الإدارة حول أوضاع عامة يعتقد ولاة الأمور بعدم ارتباطها بأبنائهم تحديداً. وبعض الآباء لا يهتم بالذهاب إلى ‏المدرسة طالما لاحظ جودة مستوى ابنه وعدم شكواه من أي شيء.

وكان محمد عبدالصمد قد وجد ابنه بالصدفة أمام بوابة المدرسة بعدما كان قد غادر المنزل متوجها إلى المدرسة، ليكتشف أنه محروم من دخول المدرسة منذ أيام بعد تشاجره مع بعض زملائه. يقول عبدالصمد: "شعرت بالصدمة عندما عرفت بالأمر، فقد أخفى ابني عني هذه المشكلة خوفا مني، كما أن المدرسة لم تتواصل معي لتطلعني على القضية، ولهذا بقي أياما خارج المدرسة ويقضي ساعات التعليم يلهو في الشوارع المجاورة للمدرسة". مشيرا إلى أنه ومنذ تلك الفترة وهو يحرص على زيارة المدرسة والتواصل مع المدرسين.

يضيف: "أخذت أرقام هواتف المدرسين ومدير المدرسة، وأقوم بزيارة المدرسة بشكل مستمر، ما أتاح لي التعرف أكثر على وضع ابني والاحتياجات التي يريدها لتحسين مستواه العلمي". مؤكدا أنه الآن يلحظ تحسنا واضحا في الدرجات التي يحصل عليها نهاية كل شهر.

من جانبه، ترى الأخصائية الاجتماعية هند ناصر أن أولياء الأمور في اليمن يتحملون جزءا كبيرا من مسؤولية إخفاقات أبنائهم في المدرسة بسبب علاقتهم الضعيفة بإدارة المدرسة ومعلمي أبنائهم.

وقالت ناصر: "لا يعرف كثير من الآباء مدارس أبنائهم ولم يذهبوا إليها، باستثناء بداية العام الدراسي عند تسجيلهم، ومن الطبيعي جدا أن يكون مستواهم العلمي متدنيا، فالآباء والأمهات لا يعرفون ما الذي يحدث معهم في المدرسة". مضيفة أن مبرر الآباء بالانشغال يعد تخاذلا غير مجد، "لأن هذا الانشغال لا قيمة له في حال اكتسب الأبناء صفات سيئة في المدرسة أو فشلوا في دراستهم، لاسيما إذا كانت المدرسة لا تقوم بواجبها كما يجب". وتساءلت: "تربية الأبناء اليوم مسؤولية الأسرة في المنزل والمعلمين في المدرسة التي يقضي فيها الأبناء أغلب ساعات النهار، فكيف يقبل ولي الأمر أن يبقى ابنه هذا الوقت الطويل من دون أن يعرف ما الذي يفعله وهل يكتسب سلوكيات إيجابية أم سلبية"؟

وألقى ناصر جانبا من المسؤولية على إدارة المدرسة والمعلمين الذين لا يحرصون على التواصل المستمر ودعوتهم لحضور فعالياتها بهدف استعراض أوضاع أبنائهم. تقول: "قليلة هي المدارس اليمنية التي يحرص فيها الإداريون على التواصل مع أولياء الأمور، وهذا القصور تتحمل مسؤوليته وزارة التربية والتعليم التي يجب أن تقوم بجعل عملية التواصل مع أولياء الأمور واحدة من أهم مهام الإدارات المدرسية".

ولا تهتم المدارس في اليمن بتفعيل دور مجالس الآباء ليكونوا شركاء في عملية التخطيط وتنفيذ العمل التعليمي والتربوي ومعالجة المشكلات والتحديات التي تواجه المدرسة والاطلاع على مستوى أبنائهم، حيث يندر وجود هذه المجالس في المدارس اليمنية، رغم إقامة دورات تدريبية وتعريفية ب "دليل مجالس الآباء" والأمهات يتم تنظيمها بتمويل من منظمة ( C H F) الدولية في بعض المحافظات اليمنية.

زر الذهاب إلى الأعلى