تقارير ووثائق

عام على هدنة الحوثيين مع السعودية: فشل بسرعة قياسية

يصادف اليوم الثامن من مارس/آذار الذكرى الأولى للإعلان عن أكبر اختراق سياسي مفاجئ، تحقق في اليمن، العام الماضي، متمثل بالتفاهمات السعودية المباشرة مع جماعة أنصار الله (الحوثيين)، لكنها، وعلى الرغم من التقدم الذي حققته على مدى ما يقارب ثلاثة أشهر، انتهت إلى الفشل، وعاد التصعيد في المناطق الحدودية التي يسيطر عليها الحوثيون، ولا يزال حتى اليوم، ما يعكس فشل تلك التفاهمات والعراقيل التي تقف أمام العودة إليها.

وكانت التفاهمات قد بدأت باتصالات أُحيطت بالسرية، ونتج عنها إقرار هدنة غير معلنة على الشريط الحدودي في المناطق الشمالية الغربية بالنسبة لليمن، بعد أن كانت من أكثر الجبهات الساخنة منذ الأشهر الأولى لبدء عمليات التحالف العربي بقيادة السعودية في اليمن. وكانت المناطق الحدودية الساحة التي وجد الحوثيون وحلفاؤهم الموالون للرئيس السابق علي عبدالله أنها المكان الأنسب للردّ وتصوير الحرب بأنها ليست بين حكومة شرعية وانقلابيين، بقدر ما هي حرب بينهم وبين السعودية.

وعلى الرغم من أن حرب الحدود، بنظر متابعين، لم تكن ذات جدوى عسكرية للانقلابيين، بسبب غياب فارق موازين القوة، زج الحوثيون وحلفاؤهم بالآلاف من مقاتليهم لتحقيق نصر معنوي وإيصال رسائل سياسية. وبعد سقوط الآلاف من القتلى والجرحى من جانب الحوثيين وعشرات إلى مئات القتلى والجرحى من الجانب السعودي، بدأ الطرفان اتصالات سرية، أسفرت عن هدنة الحدود.

وفي يوم الثامن من مارس/آذار 2016، ذكر قيادي حوثي توجه وفد من الجماعة للمرة الأولى إلى السعودية، لإجراء تفاهمات من شأنها أن تؤدي إلى إيقاف الحرب، فيما أعلن التحالف من جهته في التاسع من الشهر نفسه أن شخصيات قبلية يمنية سعت بجهود مع السعودية إلى إقرار تهدئة إنسانية في المناطق الحدودية. وفي اليوم الأول لوصول الوفد الذي توجه عبر منفذ علب، بمحافظة صعدة إلى ظهران الجنوب السعودية، سلّم الحوثيون جندياً سعودياً أسروه خلال المواجهات في الحدود.
وبالنظر إلى ما مثله هذا التطور في تلك الأثناء، فقد كان اختراقاً غير مسبوق، في مسار الحرب التي تصاعدت في اليمن منذ ما يقرب من عامين، فبعد عام (حتى مارس/آذار 2016)، من العمليات العسكرية للتحالف ضد الانقلابيين، جلس حوثيون مع سعوديين على طاولة واحدة، للمرة الأولى، منذ تصاعد نشاط جماعة الحوثيين المتهمة بتلقي الدعم من إيران لإقلاق السعودية، والتي خاضت بين عامي 2004 و2010 ست حروب مع الحكومة اليمنية، شارك الجيش السعودي في الحرب الأخيرة منها (أواخر 2009)، بعمليات ضد الحوثيين.
استمرت التفاهمات السعودية مع الحوثيين أشهراً، في ظل تهدئة شبه تامة، في المناطق الحدودية، وتخللت تلك الفترة عمليات تبادل أسرى، وأطلق الحوثيون سراح عدد من الجنود السعوديين في مقابل إطلاق الجانب السعودي العشرات من اليمنيين المقاتلين مع الحوثيين. كما تخللت هذه الفترة التي استمرت منذ مطلع مارس/آذار وحتى يوليو/تموز الماضي زيارات عدة لممثلين عن الحوثيين إلى السعودية، وفي مقدمتهم رئيس وفد الجماعة المفاوض، محمد عبدالسلام.

كانت مدينة ظهران الجنوب السعودية الحدودية مقراً للجنة تنسيق مشتركة بين الحوثيين والسعوديين، وقد أشرفت اللجنة على نزع ألغام زرعها الحوثيون وحلفاؤهم في المناطق الحدودية. وفي أبريل/نيسان تطورت تفاهمات ظهران الجنوب لتصل إلى اتفاقات على تشكيل لجان محلية من ممثلين عن الحوثيين وآخرين عن الحكومة الشرعية. تولت هذه اللجان الإشراف على تطبيق الهدنة التي أعلنت الأمم المتحدة في العاشر من الشهر نفسه دخولها حيز التنفيذ، وكانت ما تزال أطول هدنة حتى اليوم.

في 21 أبريل/نيسان الماضي انطلقت جولة مشاورات يمنية برعاية الأمم المتحدة في الكويت، كانت أغلب المؤشرات تعزز احتمالات نجاحها، خصوصاً أنها جاءت في ظل التفاهمات الحدودية بين السعودية والحوثيين. لكن المشاورات التي استمرت أكثر من ثلاثة أشهر، انتهت إلى طريق مسدود، لتكون نهايتها بمثابة فشل المشاورات السياسية في الكويت ومعها فشل التفاهمات المباشرة للحوثيين مع السعودية.

 

في 30 يونيو/حزيران الماضي، أعلن المبعوث الأممي إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، عن انتهاء الجولة الأولى من مشاورات الكويت. وكشف عن اتفاق بين وفدي الحكومة والانقلابيين، على توجّه "لجنة التنسيق والتهدئة"، المعنية بالإشراف على الهدنة، والتي تألفت بإشراف الأمم المتحدة في الكويت، إلى ظهران الجنوب السعودية، والتي استضافت تفاهمات الحوثيين المباشرة مع السعودية. إلا أن الانقلابيين، وبعد أن غادر ممثلوهم الكويت إلى صنعاء، رفضوا توجههم إلى السعودية، ما أدى إلى عودة التصعيد العسكري مجدداً في مختلف الجبهات الداخلية والحدودية في اليمن.

بعد عام، من الاختراق الذي تحقق ب"وفد حوثي"، توجه إلى السعودية عبر منفذ علب، تشهد المنطقة الحدودية حول المنفذ مواجهات عنيفة بين قوات يمنية موالية للشرعية تقدمت منذ أشهر من جهة السعودية، وبين الحوثيين الذين تعتبر صعدة معقلهم الأول ومساحة نفوذهم الأساسية حتى اليوم. وتفاوتت قراءات المتابعين والسياسيين اليمنيين، لأسباب فشل تفاهمات ظهران الجنوب السعودية، ورأى البعض أن السبب في الأساس هو التعقيدات الشاملة المرتبطة بالأزمة اليمنية وحالة عدم الثقة بين الحوثيين والجانب السعودي، فيما رأى آخرون أن غياب حزب صالح المتحالف مع الحوثيين عن تلك التفاهمات جعله يحاربها. وكانت التفاهمات قد وجدت معارضة واضحة من قيادات داخل الجماعة اتهمت الوفد المفاوض بتقديم تنازلات غير مقبولة، على غرار التوقيع على اتفاقات مع ممثلين عن الحكومة اليمنية، دخلت السعودية فيها كراعٍ للاتفاق، وليس كخصم كما يعتبرها بعض الحوثيين.

 

زر الذهاب إلى الأعلى