تقارير ووثائق

عامان على اجتياح الحوثيين عدن: قوات الشرعية تتقدم شمالاً

بعد عامين على اجتياح تحالف جماعة أنصار الله (الحوثيين) والموالين لعلي عبد الله صالح، مدينة عدن جنوبي البلاد، بات اليمن منهكاً من الحرب التي تصاعدت مع هذا الاجتياح، والذي أدى إلى وضع مغاير في الجنوب، فيما تنحصر غالبية المعارك، بين قوات الشرعية والانقلابيين، في المحافظات الشمالية، وصولاً إلى الأطراف الشرقية للعاصمة صنعاء.

وتزخر عدن، والتي حشد الحوثيون وأتباع صالح قواتهم نحوها قبل عامين، بالتطورات السياسية والأمنية، إذ استقرت الحكومة الشرعية، برئاسة أحمد عبيد بن دغر، فيها منذ أشهر. لكن وعلى الرغم من الاستقرار النسبي، فإنها لا تزال تعيش أزمة صراع على النفوذ وتحديات أمنية وسياسية. لكن عدن، ومحيطها من المحافظات الجنوبية، تمكنت من طي صفحة الحوثيين منذ شهور طويلة، عدا اشتباكات ومواجهات متقطعة في مناطق حدودية.

ووفقاً لمصادر مطلعة، فقد اعترف قياديون حوثيون ومن حزب صالح، على هامش أحد النقاشات أخيراً، بأن اجتياح عدن كان خطأ لم يحسبوا حسابه، وأنهم دفعوا ثمناً كبيراً جراء تلك الخطوة، والتي بدأوا التحضير لها، بعد تمكن الرئيس اليمني، عبدربه منصور هادي، من كسر الإقامة الجبرية المفروضة عليه في صنعاء، والانتقال إلى عدن، في 21 فبراير/شباط 2015، معلناً العدول عن الاستقالة، وأن عدن أصبحت "عاصمة مؤقتة" لليمن.

وبالعودة إلى الأحداث المتسارعة في النصف الثاني من مارس/آذار 2015، فقد بدأ التصعيد بعد أن نجحت القوات الموالية لهادي في عدن، بالسيطرة على معسكر قوات الأمن المركزي في 19 مارس/آذار، والتي كان قائدها مدعوماً من الانقلابيين، ورفض تطبيق قرار هادي بتغييره. وعقب سيطرة القوات الموالية للشرعية على المعسكر، حرك الانقلابيون القوات الجوية لقصف القصر الرئاسي الذي يقيم فيه هادي في منطقة معاشيق، ودفعوا بتعزيزات من تعز إلى عدن. واعتباراً من 21 مارس/آذار من العام ذاته، أعلنت "اللجنة الثورية العليا"، التابعة للحوثيين، ما سمته "التعبئة العامة"، بالتزامن مع زحف القوات الموالية للانقلابيين نحو عدن.

وبالفعل، تمكن الانقلابيون، خلال أيام، من الوصول إلى عدن، وسيطروا على المعسكرات في طريقهم، والتي كانت تضم أساساً قوات موالية لهم. ومع اقترابهم من عدن في 24 مارس/آذار، وجه هادي رسالة إلى قادة مجلس التعاون الخليجي، طالب فيها ب"التدخل العسكري"، و"ردع الهجوم المتوقع حدوثه في أي ساعة على مدينة عدن وبقية مناطق الجنوب، ومساعدة اليمن في مواجهة القاعدة وداعش". وفي اليوم التالي، وصل الانقلابيون إلى أطراف مدينة عدن، وغادر الرئيس، ليبدأ التدخل العسكري للتحالف، بقيادة السعودية، فجر 26 مارس/آذار 2015. وكان المطلب الأول للتحالف والحكومة الشرعية، في الأشهر الأولى من الحرب، هو انسحاب الانقلابيين من عدن ومحيطها (أبين، لحج، الضالع)، والتي تحولت إلى ساحة حرب. وأجبرت آلاف الضربات الجوية الانقلابيين في يوليو/تموز وأغسطس/آب على ترك عدن ومحيطها، بعد أن تسببت الحرب بدمار واسع وسقوط آلاف القتلى، فضلاً عن اشتعال الحرب في المحافظات الشمالية.

ويتشكل الآن وضع جديد في جنوب اليمن، إذ تظهر في بعض الأحيان دعوات تتمسك بمطلب الانفصال، بالإضافة إلى صراع بين مجموعات محلية، بخلفيات سياسية وأمنية. وبغض النظر عن مدى التقدم في إعادة بناء المؤسسات في هذه المحافظات، إلا أن الحوثيين وأتباعهم باتوا فيها من الماضي. وخلافاً لما كان قبل عامين، فقد باتت القوات، والتي تتألف من جنود وضباط يتحدرون من المحافظات الجنوبية، تتوسع شمالاً، ليجد الحوثيون أن سيطرتهم تتقلص يوماً بعد يوم. وتجسد هذا الأمر في معارك الساحل الغربي، إذ تمكنت قوات، غالبيتها من الجنوبيين، من السيطرة على أجزاء واسعة من مديريتي المخا وذوباب الساحليتين التابعتين لمحافظة تعز، الجنوبية جغرافياً، والشمالية سياسياً وفقاً للتقسيم الجغرافي الذي كان قبل توحيد البلاد في عام 1990.

وعززت "مغامرات" الحوثيين ومعركتهم التوسعية نحو الجنوب قبل عامين، وما تبعها من حرب لا تزال رحاها تدور حتى اليوم في أكثر من محافظة شمالاً، من احتمالات توجه البلاد نحو التقسيم، إذ اجتمعت عوامل التاريخ ومظالم الماضي (آثار التشطير وحرب صيف 1994)، مع آثار الحرب التي سيطرت فيها المليشيات على مركز الدولة في صنعاء، بالإضافة إلى ما يصفه بعض بأنه "ضوء أخضر"، أو دعم مباشر، بنسبة أو أخرى، من أطراف إقليمية، ما يعزز توجه اليمن نحو التقسيم إلى شمال وجنوب على الأقل. لكن هذه المؤشرات قد تتغيّر، مع أي تحوّلات مستقبلية، ومع المعوقات الذاتية التي لا تسمح بنشوء نظامي دولتين في اليمن، بقدر ما تعزز التوجه نحو الحكم الذاتي.

ومثلما كان الحوثيون وحلفاؤهم قبل عامين، على مشارف مدينة عدن، يبدو الوضع مختلف حالياً، فقوات الشرعية تحاول من خلال عملياتها المكثفة التقدم أكثر نحو العاصمة، مركز سيطرة الحوثيين وحلفائهم، غير أن المعارك على مشارف صنعاء، وتحديداً في مديرية نِهم، لا تبدو من السهولة بمكان، إذ إنها باتت منطقة حرب مشتعلة منذ أكثر من عام، فيما تتقدم فيها الشرعية ببطء.

زر الذهاب إلى الأعلى