مفاوضات السلام اليمنية: بين الجمود الأممي وتسريبات المبادرة الروسية
على الرغم من اقتراب ذكرى انطلاق عمليات "التحالف العربي" في اليمن قبل عامين، والتي كان من المتوقع أن تتصاعد بالتزامن معها وتيرة جهود إحياء المفاوضات السياسية بين الأطراف اليمنية، إلا أن الجمود لا يزال يحيط بجهود السلام التي ترعاها الأمم المتحدة، وسط تسريبات غير مؤكدة عن وجود مبادرة روسية تسعى لتحريك المسار السياسي، فيما تتواصل المواجهات الميدانية مع تراجع محدود لها في بعض الجبهات اليمنية.
وأكدت مصادر في العاصمة اليمنية صنعاء، أن جماعة أنصارالله (الحوثيين) وحزب المؤتمر الذي يترأسه علي عبدالله صالح، يستعدان لتنظيم مهرجان حاشد في 26 مارس/ آذار الحالي، لإحياء الذكرى الثانية لانطلاق عمليات "التحالف العربي" العسكرية الجوية ضد الانقلابيين، بطلب من الرئيس عبدربه منصور هادي، والتي يعتبرها الحوثيون وحلفاؤهم ذكرى لانطلاق "العدوان"، بحسب وصفهم.
وفيما توجه المبعوث الأممي إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، إلى المنطقة، وقام بزيارة معلنة منذ أيام إلى العاصمة الإماراتية أبوظبي، لم تظهر حتى اليوم مؤشرات إلى تقدم الجهود الأممية لإحياء المفاوضات، والتي وصلت إلى ما يعتبره البعض "طريقاً مسدوداً"، بعد رفض الحكومة اليمنية لخارطة الطريق الأممية، ومطالبة الحوثيين وحلفائهم بتغيير المبعوث الأممي. وفشل اجتماع خماسي منتصف الشهر الحالي عُقد في لندن، بحضور سفراء أميركا وبريطانيا والسعودية والإمارات وعُمان، بإقرار تعديلات كان من المقرر أن تجري على الخطة الأممية، وفقاً لتسريبات سبقت الاجتماع. وأقر المبعوث الأممي في تصريحات صحافية متفرقة، بأن المقترحات الأممية لم يطرأ عليها تغيّر من شأنه تحريك الجمود الحاصل في المفاوضات.
وعلى هامش هذا الجمود، ظهرت تسريبات عن وجود مبادرة مقدمة من روسيا، تسعى لإحياء العملية التفاوضية في اليمن. ونشرت وكالة "سبوتنيك" الروسية أخيراً، خبراً بعنوان "مبادرة روسية في اليمن"، وتضمن تصريحين أحدهما لقيادي في حزب "المؤتمر" الذي يترأسه صالح، والآخر لمسؤول في جماعة الحوثيين. وكلاهما أبديا ترحيباً بأي مبادرة روسية تُطرح لوقف الحرب في البلاد، وفق الوكالة الروسية، التي لم تشر إلى أي تفاصيل حول هذه المبادرة بقدر ما تناولت مواقف يفترض أنها تندرج في خانة ردود الفعل.
وشهدت كل من الرياض وصنعاء خلال الأسبوعين الماضيين، لقاءات متفرقة جمعت دبلوماسيين روسيين مع مسؤولين من الأطراف اليمنية. اللقاء الأول، عقد في الرياض أخيراً بين الرئيس هادي والسفير الروسي في اليمن، فلاديمير ديدوشكن. وفي صنعاء، عقد القائم بأعمال السفير الروسي، أندريه تشرنوفول، السبت الماضي، لقاءً مع صالح. ونقلت وسائل إعلام روسية عن الدبلوماسي إعلانه أنه أكد خلال لقائه مع صالح على "موقف روسيا الداعم للحل السياسي للأزمة اليمنية وتسوية المشاكل والصراعات بالطرق السلمية، بعيداً عن الحل العسكري"، من دون الإشارة إلى مزيد من التفاصيل.
وكانت روسيا كثفت خلال شهر مارس/ آذار الحالي، تحركاتها السياسية في اليمن، من خلال إعلان صدر عن وزارة الخارجية، يحذر من تدهور الوضع الإنساني ويعرب عن القلق من الخطط لاقتحام ميناء الحديدة. كما عقد مجلس الأمن الدولي أخيراً جلسة خاصة حول اليمن، بطلب من روسيا، التي تعد سفارتها في صنعاء الوحيدة بين سفارات الدول الكبرى التي بقيت أبوابها مفتوحة حتى اليوم. غير أنه في المقابل، ليست هذه المرة الأولى التي يتم الحديث فيها عن مبادرة روسية بشأن اليمن. وتربط بعض الأوساط التحركات الروسية التي تزداد بين حين وآخر حول الملف اليمني، بتحركات ورسائل متعلقة بالوضع في سورية.
وفي تطور يعكس تصميماً لدى "التحالف العربي" وقوات الشرعية اليمنية لاستمرار الضغط العسكري على الانقلابيين، أكد المتحدث باسم "التحالف"، مستشار وزير الدفاع السعودي، أحمد العسيري، في مقابلة مع وكالة "سبوتنيك"، نشرها أمس الخميس موقع "روسيا اليوم"، أن "التحالف العربي" مستعد لشن عملية تهدف للسيطرة على ميناء الحديدة الخاضع لسيطرة الحوثيين، في حال لم تتم إدارته من قبل الأمم المتحدة ومراقبين.
وقال "إما أن يكون تحت إشراف الأمم المتحدة، والمراقبون يتأكدون كيف يدار هذا الميناء، أو أن الحكومة الشرعية ستستعيد السيطرة عليه، اليوم أو غداً سيعود تحت سيطرة الحكومة الشرعية من ضمن العمليات العسكرية من دون شك"، وفق قوله.
وتابع أنه "بالنسبة لنا ميناء الحديدة هو أحد الموانئ للجمهورية اليمنية، ومن الطبيعي أن يكون تحت تصرف الحكومة اليمنية الشرعية، أو على أقل تقدير تحت تصرف الأمم المتحدة والمؤسسات الإغاثية التي تمثل البرامج، لا يمكنك عمل مشروع لا تشرف عليه"، بحسب تعبيره. كذلك، كشف العسيري عن أن "التحالف العربي" يقوم، في الوقت نفسه، بتأهيل ميناء المخا ليكون بديلاً عن ميناء الحديدة في استقبال المعونات الغذائية والطبية.
وفي ظل هذا الغموض المحيط بمصير الجهود السياسية والتسريبات المتعددة وأحياناً المتناقضة، تتواصل وتيرة المعارك الميدانية بصورة يومية على أغلب الجبهات المشتعلة بالمواجهات، من المخا، غرب محافظة تعز، مروراً بأطراف صنعاء ومناطق متفرقة بأطراف مأرب والجوف وحتى الضالع، وصولاً إلى المناطق الحدودية الشمالية الغربية مع السعودية، والتي يسيطر عليها الحوثيون وحلفاؤهم، وتتعرض بدورها لغارات جوية بوتيرة شبه يومية، فيما تتضارب المعلومات حول الخسائر.
وفي هذا السياق، أعلنت قوات الجيش اليمني الموالية للشرعية عن التصدي لهجوم نفذه الانقلابيون، مساء أول من أمس الأربعاء، استهدف منطقة قرن نِهم بشرق صنعاء، مشيرة إلى أن الانقلابيين تكبدوا خسائر "فادحة" في الأرواح والمعدات. وتشهد مديرية نِهم، شرق صنعاء، معارك ترتفع وتيرتها من حين لآخر، منذ ما يزيد عن عام. وكانت قوات الشرعية أعلنت أخيراً أنها تقدمت إلى محاذاة مديرية أرحب المجاورة لنِهم.
إلى ذلك، أعلنت منظمة "أوكسفام" الدولية الإنسانية، أمس الخميس، أن الحرب المستمرة في اليمن منذ أكثر من عامين، أسفرت عن مقتل أكثر من سبعة آلاف شخص، وإجبار أكثر من 3 ملايين على مغادرة منازلهم، بحسب ما أوردت وكالة "الأناضول". وتسببت الحرب بدفع 7 ملايين شخص إلى حافة "المجاعة"، وفق تقرير للمنظمة نشرته على موقعها الإلكتروني، وأكدت فيه أن "المتحاربين في اليمن وداعميهم الدوليين يدفعون البلاد إلى حافة المجاعة".
وأضاف التقرير أن "70 في المائة من السكان (من إجمالي 27 مليون نسمة) هم في حاجة إلى المعونات الإنسانية". ودعت المنظمة إلى الاستئناف "الفوري" لعمليات السلام في اليمن، وتوفير المبالغ المالية المحددة والمطلوبة للاستجابة للتحديات الإنسانية في هذا البلد. ونقل تقرير منظمة "أوكسفام" عن مديرها المحلي في اليمن، سجاد محمد ساجد، قوله إنه "إذا استمرت أطراف الصراع، وتلك التي تغذيها بالأسلحة في تجاهل أزمة الغذاء بالبلاد، فستكون مسؤولة عن المجاعة" التي تحذر من وقوعها أكثر من جهة دولية.
وتابع ساجد أن "التمويل الكامل للاستجابة الإنسانية هو أمر حيوي لمنع عدد لا يحصى من الناس من الموت، لكن ما يحتاجه الناس في نهاية المطاف هو إنهاء الحرب"، على حد تعبيره. وشدد على ضرورة أن تفهم جميع أطراف الصراع اليمني أن "المجاعة هي العدو الحقيقي لليمن"، وفق وصفه. وأعرب عن أسفه لكون الحرب المستمرة أدت إلى مقتل "أكثر من 7600 شخص، بينهم أكثر من 4600 مدني، وإجبار أكثر من 3 ملايين شخص على مغادرة منازلهم"، على حد قوله.