الشباب صيد ثمين لتنظيمَي داعش والقاعدة في تعز
تتنوع نشاطات الجماعات المرتبطة بتنظيمي "القاعدة" و"الدولة الإسلامية" (داعش) في مدينة تعز اليمنية بين الانتشار والاستقطابات وتنفيذ بعضالاغتيالات والعمليات الانتحارية وتفجير الأضرحة. وقد تم تفجير عدد من الأضرحة التاريخية، وأبرز العمليات تمثلت بتفجير مقام نبي الله شعيب في أغسطس/آب 2015 بمنطقة جبل صبر، جنوبي تعز، وتفجير مقام الولي عبدالله الطفيل في نفس الشهر، بمنطقة ثعبات شرقي المدينة، كما تم تحطيم ضريح الشيخ مدافع الخولاني نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2015، في منطقة صينة غربي المدينة.
كما قامت التنظيمات الإرهابية بتفجير وسرقة ونهب قبة القطب العلامة "عبد الهادي السودي" نهاية شهر يوليو/تموز 2016 في المدينة القديمة بتعز، والتي تعد واحدة من أكبر القباب الأثرية في اليمن، ويعود عمرها لحوالي 500 عام، وذلك بعدما قامت بنبش القبر وسرقة بعض محتوياته قبل فترة من تفجيره.
وقد نفى تنظيم "أنصار الشريعة" في تعز، في بيان منسوب له صادر بتاريخ 31 يوليو/تموز 2016، علاقته بالعملية، مؤكداً عدم وجود أي صلة لهم بهذا العمل "من قريب أو من بعيد"، ومشيراً إلى أن موقفه هذا "يأتي من منطلق مراعاة المصالح الشرعية والقواعد الأصولية بأن تغيير المنكر إذا كان سيؤدي إلى منكر أكبر منه فالأولى تركه"، وفق تعبيره. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل إن تنظيم "أنصار الشريعة" قام بتوزيع منشورات على المواطنين بشوارع المدينة تحرم الالتحاق بالجيش اليمني وتحذر الملتحقين به. وهذا الرأي يتبناه البرلماني اليمني عن "التجمع اليمني للإصلاح"، الذي أكد الحزب مغادرته صفوفه، الشيخ عبدالله أحمد علي، حين أطلق فتوى "بحرمة التجنيد وحرمة القبول بالدستور وبمخرجات الحوار الوطني" من منبر جامع النور الذي يرتاده الكثيرون من أعضاء "القاعدة" و"داعش".
وتقوم هذه التنظيمات باستقطاب الشباب إلى صفوفها، كما أفاد بذلك الشاب اليمني عمر الشرعبي، والذي أكد أن تنظيم "داعش" بدأ باستقطاب العديد من الشباب، لا سيما الجامعيين وتجنيدهم للالتحاق بصفوفه، على غرار ما حدث مع طالب جامعي يدعى "أيمن م.م."، والذي قاتل في صفوف المقاومة الشعبية ضد الحوثيين ثم تعرف في الجبهات على مقاتلين من تيارات مختلفة، وتم استقطابه واستدراجه للالتحاق بالمعسكرات التدريبية لتنظيم "الدولة الإسلامية" في محافظة شبوة عن طريق مجموعات متخصصة باستقطاب الشباب وتجنيدهم. وفي هذا الصدد، تقوم هذه المجموعات بتقديم عروض مغرية واستخدام الفتاوى الدينية والمحاضرات والفيديوهات والأناشيد الخاصة ب"داعش"، مستغلين غياب الدولة اليمنية ومؤسساتها، وفق قول الشرعبي.
ويروي زملاء أيمن، وهو طالب في كلية الهندسة بجامعة تعز، أنه كان يتحدث لهم في قاعة الدراسة عن "الجهاد في سبيل الله وضرورة نصر دولة الخلافة الإسلامية"، لكنهم كانوا يتعاملون مع حديثه من باب الهزل، وفق تعبيرهم. وعندما بدأت اختبارات النصف الأول للعام الجامعي الحالي، تفاجأ زملاء أيمن بغيابه عن الامتحانات، وبعد التواصل مع والده اتضح أنه أصبح عنصراً في تنظيم "داعش" في محافظة شبوة هو ومجموعة من أصدقائه، وفق نفس المتحدثين. وهذا ما يؤكده أحد أقاربه في حديثه لـ"العربي الجديد"، بقوله إنه قبل مغادرة أيمن لمدينة تعز قبل أشهر، زار والدته و"طلب منها أن تبيعه لله ولم تعلم أنه قد التحق بتنظيم الدولة". ويضيف المتحدث أنه "بعد ذلك غادر تعز نحو محافظة شبوة برفقة صديقه، محمد .ع.ا.س، وهذا الأخير يعمل والده في جهاز الاستخبارات في الدولة منذ سنوات، لكن نجله محمد يصفه بالطاغوت الذي يجب قتله"، على حد وصفه. ويتابع أن "عبدالله، الشقيق الأكبر لمحمد، كان قد سبقه إلى صفوف تنظيم القاعدة في محافظة شبوة منذ ثلاث سنوات، قبل أن ينتقل إلى صفوف الدولة الإسلامية العام الماضي"، بحسب المصدر الذي أكد أن "أكثر من 11 شاباً من نفس القرية الواقعة جنوبي تعز، انخرطوا خلال فترة الحرب في صفوف تنظيم داعش، ليس أكرم ومحمد آخرهم"، وفق تعبيره.
في هذا السياق، يروي الشاب "أبو حذيفة"، حكاية استقطابه من قبل تنظيم "أنصار الشريعة" وكيف بدأت إجراءات تجنيده وتكليفه بمهمات قبل أن يعود ويغادره. يقول: "تم استقطابي من خلال بعض أعضاء التنظيم وقبل تأدية البيعة تم تكليفي بتنفيذ عملية اغتيال لشخصية سياسية واجتماعية وعسكرية، وتم منحي مسدساً كاتماً للصوت لتنفيذ المهمة، وقبل تنفيذها راودني بعض الشك فحاولت أن أستفتي بعض الشباب من المقربين لي في جواز تنفيذ المهمة، وأقنعوني بالتوقف عنها لوجود بعض الشبهات، وهذا ما جعلني أتوقف عن تنفيذها والابتعاد عن التنظيم"، وفق قوله.
حالات الاستقطاب في صفوف الشباب انتشرت بالتزامن مع بعض المظاهر المرافقة لها مثل انتشار زي التنظيم المتميز بلونه الأسود والمشابه لزي المجاهدين الأفغان، إذ يعكف بعض الخياطين في المدينة على خياطة هذا الزي وبيعه بأسعار كبيرة مقارنة بتكلفته. ويتم تجهيزه بقياسات مختلفة للكبار والصغار على حد سواء، كما أن أفراد التنظيم يرغمون أصحاب المحلات التجارية على تغطية وجوه الدمى البلاستيكية التي تستخدم لعرض الملابس النسوية.
ويقول مصدر أمني طلب عدم نشر هويته لدواع أمنية، إن تنظيم "داعش" يتشابه في أساليب التطرف مع تنظيم "القاعدة" ويختلفان بالمنهج. لكن "داعش" يعتبر في نظر المصدر "أكثر غلواً من القاعدة إذ أنه ينظر لبقية الجماعات باعتبارها مرتدة وفاسقة"، بحسب وصفه. ويضيف المصدر: "لهذا نلاحظ أن أفراد تنظيم القاعدة مثلاً يقاتلون ضد المليشيات الانقلابية لكنهم لا يرابطون في المواقع خوفاً من اغتيالهم، كما يقولون، ولهذا فهم يأتون كتعزيزات ثم ينسحبون، أما عناصر داعش فلا يشاركون في الجبهات أبداً، لأن الحرب الدائرة حالياً من وجهة نظرهم، هي حرب بين الكفار والمرتدين"، على حد قول المصدر.
ويؤكد المصدر الأمني أن تنظيم "القاعدة" في محافظة تعز مرتبط بالمسؤول العسكري لتنظيم "قاعدة الجهاد في جزيرة العرب"، قاسم الريمي، الملقب ب"أبو هريرة"، وأنه تبرأ في الفترة الأخيرة من القياديين في صفوفه، همام الصنعاني وحارث العزي، لأنهما يخالفان توجهات "القاعدة". ويبيّن أن هذا التنظيم "يمتلك عدداً من البيوت التي تسمى مأوى، في مناطق متفرقة في تعز، وفيها يتم إيواء أفرادها بشكل سري، إذ يتم تجهيز هذه البيوت بكل الاحتياجات بما فيها الأدوية وبعض الأدوات الجراحية لكي يتم إسعاف الأفراد المصابين والذين ينقلون إلى هذه البيوت لمعالجتهم، لأنه لا يتم إسعافهم في المستشفيات خوفاً من اعتقالهم"، بحسب تعبيره. ويلفت إلى أن معظم عناصر تنظيم "الدولة الإسلامية" في تعز تدفقت قبل أشهر من محافظات أبين وشبوة وعدن.
في هذا السياق، يرى الناشط السياسي عبدالستار الشميري، أن السبب في انتشار التنظيمات الجهادية بتعز يعود للخطأ الفادح الذي ارتكبته القيادة السياسية اليمنية (الشرعية) التي تكفلت بشؤون المقاومة في بداية تأسيسها. ويوضح أنه "تم قبول عناصر متشددة ثم جماعات متطرفة بقياداتها تحت ذريعة الغاية تبرر الوسيلة، وحرصاً على إقصاء اللون الذي لا ينتمي للتيار الديني عن الوجود والحضور في صفوف المقاومة بشكل كبير". ويلفت من جهة أخرى إلى أن "شكل الانقلاب الذي قام به الحوثيون، والذي اتسم بلون مذهبي وتطرف، ولّد تطرفاً مشابهاً وأعطى حججاً يطرحها البعض ومفادها أن التطرف لا يهزمه غير التطرف المقابل"، وفق قول الشميري.
ويرى مراقبون أن غياب الأجهزة الأمنية عن ممارسة مهامها، وكذلك الوضع الاقتصادي الكارثي الذي يعيشه الشباب اليمني يمثلان أهم الأسباب التي تساعد تنظيم "الدولة الإسلامية" على الانتشار والتوسع في عملية الاستقطاب. وفي هذا الصدد، يرفض نائب مدير أمن تعز، العقيد محمد المحمودي، الإدلاء بأي تصريح لـ"العربي الجديد" بشأن هذه المسألة، تحت مبرر أن جهات عليا تمنع المسؤولين الأمنيين المحليين من أي حديث صحافي دون إذن مسبق.
ويفيد مصدر أمني بأن قيادة إدارة أمن محافظة تعز قدمت خطة لقيادة "التحالف العربي" في محافظة عدن، تضمنت أن يتولى "التحالف" بقيادة السعودية، تدريب كتيبة مكونة من 400 عنصر من أبناء محافظة تعز، يتم اختيارهم وفقاً لمواصفات خاصة، على أن تتولى هذه الكتيبة مكافحة الإرهاب والجماعات المتطرفة في تعز، إلا أن قيادة "التحالف" رفضت ذلك وردّت بأن الأمن الداخلي شأن ليس ضمن خطط تدخلها في المعركة العسكرية باليمن، وفق قول المصدر.
وكانت الخارجية الأميركية أعلنت أخيراً عن تخصيص مكافأة قدرها 5 ملايين دولار لمن سيدلي بمعلومات تساعد في الكشف عن الضالعين في عملية قتل المواطن الأميركي، جويل شرم، بمدينة تعز عام 2012، تبناها "القاعدة" في جزيرة العرب، وهي الخطوة التي يرى مراقبون أنها تمهد لتكثيف التدخلات الأميركية لاستهداف مناطق يعتقد أنها تعود للتنظيم في مدن يمنية عدة عن طريق توجيه ضربات جوية تنفذها طائرات بدون طيار.