تقارير ووثائق

الخوف يحكم أعراس اليمن

تتأجل الأعراس في اليمن. الحرب وما يرافقها تفرض ذلك، وتضغط على طرفي الزواج أو أحدهما في اتجاه تأجيل ليلة العمر، أو حتى إلغاء الزواج بالكامل. الشاب محمد الجعدي اتخذ قراراً بتأجيل عرسه إلى ما بعد الحرب بعدما ظلّ يؤجله منذ أكثر من عامين في انتظار تحسن وضعه المالي وازدياد دخله من محل صيانة الهواتف المحمولة الذي يملكه في وسط العاصمة صنعاء.
يقول الجعدي إنّه كان قد بدأ بادخار بعض المال لعرسه وينتظر بضعة أشهر فقط حتى يصل إلى مبلغ يغطي التكاليف البسيطة لولا نشوب الحرب التي أربكت كلّ خططه. يتابع: "كانت مناسبة خطبتي على إحدى قريباتي قد مرت عليها أربع سنوات في وقت كنت أنتظر ستة أشهر فقط لأحصل من عملي على ما يكفي لشراء بعض مستلزمات العروس، والاحتفال بعرس متواضع، إلاّ أنّ تداعيات الحرب قلصت دخلي وأكلت مدخراتي ورفعت أسعار كلّ شيء لتدمر كلّ ما أعددت له". يضيف الجعدي: "تلاشى معظم المبلغ الذي ادخرت وهو 1.3 مليون ريال (نحو 5000 دولار) خلال الفترة السابقة بسبب اضطراري لدفع إيجارات محلي والإنفاق على معيشة أسرتي الصغيرة، مع ضعف مردود المحل حالياً بسبب قلة إقبال الزبائن".
آلاف الأسر لم تعد تجد قيمة غذائها اليومي حتى تقيم عرساً أو تستضيف فرداً جديداً عليها قد يكلفها ما لا تحتمله. كان هذا حال عادل الحيمي الذي وعده والده بمساعدته في دفع معظم تكاليف زواجه، لكنّ الوالد تهرّب من ذلك بعدما رفعت الحرب الأسعار وقطعت الرواتب طوال ستة أشهر. يقول الحيمي: "خاف والدي من هول القصص حول إفلاس الكثير من الناس وعجزهم عن تأمين الغذاء لأسرهم، ليقرر تأجيل عرسي وإنفاق المال على الغذاء والاحتفاظ ببقيته للقاسي من الأيام لتجنب وقوع كارثة غذائية في أسرتنا بسبب انقطاع راتبه منذ ستة أشهر".
شقة الزوجية في كثير من الأحيان ليست من الشروط المطلوبة من العريس والعروس في كثير من مناطق اليمن كما في معظم الدول العربية، إذ يمكن لهما الإقامة في منزل أسرة العريس الكبيرة، لكنّها شرط أساسي لدى بعض الأسر الأفضل حالاً في بعض المدن الكبيرة مثل عدن وتعز وحضرموت. وهذه إحدى المشكلات التي تؤخر أفراح كثير من الشباب في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة.
كذلك، واجهت الفتيات مواقف أخرى أدت إلى التأجيل أو الإلغاء، منها انضمام العريس المستقبلي إلى جبهة القتال مع أحد أطراف الصراع. بعض الفتيات تزوجن أشخاصاً آخرين تحت ضغط الأسرة خصوصاً إذا كان اتجاه العريس السياسي مخالفاً للأسرة. لكنّ كثيرات ينتظرن ويفكرن في مصيرهن في حال طالت الحرب، أو قتل العريس في جولات القتال.
تهاني أحمد، خريجة جامعية، خطبها ابن عمها منذ ثلاث سنوات، وكانت لهما ميول سياسية مشتركة مع أحد أطراف الحرب. لم يتصور خطيبها ناصر أنّ ذلك سيجعلها ترفض قراره بالانضمام إلى الجبهة بالقرب من العاصمة صنعاء. تقول تهاني: "رفضت تجنيد ناصر في الجبهة وكان انسحابه منها شرطي للقبول بالزواج الذي كان مقرراً قبل بضعة أشهر".

تعلل تهاني ذلك الشرط بكونها لا تقبل باحتمال، ولو بسيطاً، في أن تكون أرملة وهي شابة في مقتبل العمر. ولذلك "قررت رفض الزواج من ابن عمي وانتظار زوج آخر بعدما أصرّ كلّ منا على رأيه بعد تفكير طويل. ما زلت شابة ويحق لي الاستمتاع بالحياة الزوجية مع زوج يقدّر هذه الحياة، ولا يدمرها بمأساة منذ بدايتها". تتابع تهاني: "الأرملة لا تحظى بفرصة كبيرة للزواج مجدداً، بل قد يجبرها وضعها على الزواج من شخص لا تتوفر فيه أدنى المعايير التي تحلم بها. كذلك، فإنّ احتمال إعاقة الزوج المقاتل يجعلها أسيرة له تكرس حياتها لخدمته فقط" خصوصاً مع انعدام حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في البلاد في ظلّ الحرب وخارجها.

زيادة نسبة العنوسة
تقول الخبيرة في علم الاجتماع هند ناصر: "الحرب زادت من نسبة العازبين والعازبات في اليمن عمّا كانت عليه قبلها". تتابع: "كشفت آخر إحصائية حكومية تعود إلى عام 2009 أنّ عدد الفتيات العازبات ممن تجاوزن سنّ الثلاثين كان يبلغ في ذلك الحين نصف مليون فتاة يمنية. لكنّني أتوقع أن يتضاعف العدد الآن بعد دخولنا السنة الثالثة من الحرب".

زر الذهاب إلى الأعلى