تقارير ووثائق

هكذا يعيش الموظفون الأجانب في اليمن

يجد عمال الإغاثة الأجانب الكثير من المعاناة وهم يعملون في بلد حرب ذي مخاطر أمنية عالية مثل اليمن. معظم منظمات ‏الإغاثة الدولية تضع الكثير من القيود على تحرّكات موظفيها الأجانب خوفاً عليهم من حوادث الاختطاف أو الاغتيال، ‏لذا فكثير من الموظفين لا يعلمون شيئاً عن المدن التي يعملون فيها سوى الطريق بين مقر إقامتهم ومبنى المنظمة ‏وطريق المطار.

معظم الموظفين الأجانب ممن كانوا يعملون في مناطق ريفية أو مدن اقتربت منها الحرب رجعوا ‏للعمل في مقر منظماتهم بمدينة صنعاء. واستجابة لحالات نفسية وحالات قلق بدأت تنتاب بعضهم، قامت المنظمات الدولية بتخفيض المخاطر الأمنية لعمالها الأجانب عبر عدد من الإجراءات الإدارية والأمنية. وكان من تلك الإجراءات تقليص فترات عملهم في اليمن لتتخلّلها فترات إجازة يعودون خلالها إلى أهاليهم لمدة أسبوع إلى أسبوعين مقابل 60 يوماً لبقائهم في البلاد. كذلك قامت بعض المنظمات بتوظيف أجانب جدد بعقود مؤقتة تلزمهم بالعمل عامين أو أكثر، فيما ترسل بعض موظفيها الأساسيين للعمل في اليمن في مهام قصيرة تصل إلى شهرين على الأكثر.

جيمس (اسم مستعار) موظف دولي يعمل في منظمة إغاثية بريطانية في مدينة صنعاء. يقول جيمس ل "العربي الجديد" إنه لا يعتبر أنه رأى اليمن أو صنعاء لأنه بعد أن وصل إلى مطار صنعاء أوصلته سيارة المنظمة التي يعمل فيها، ترافقها سيارة الأمن، على عجل، إلى مقر سكن الموظفين. وفي الصباح تنقله سيارة وزملاءه إلى مقر العمل الذي يقع في نفس الحي. يضيف جيمس أن إدارة الأمن في المنظمة قيّدت حركة جميع موظفيها خارج المبنى ومنعته من المشاركة في بعض الاجتماعات المشتركة لموظفي المنظمات إلا بعد الحصول على موافقة الإدارة. وترفض الإدارة مشاركتهم في بعض تلك الاجتماعات من دون الإفصاح عن سبب الرفض.

يشير جيمس إلى أنه لا يزال لديه وزملاءه انطباع سلبي عن طبيعة اليمنيين بسبب عدم احتكاكهم بهم ومعرفة ثقافتهم ومواقفهم حيال مفاهيم كثيرة. يقول: "لذلك ألجأ أوقات فراغي إلى محاولة التعرف بهم عن بعد، عبر مشاهدة كاميرات المراقبة حول المبنى في محاولة لفهمهم أو متابعة بعض الأعمال الفنية عنهم". يصف احتكاكه بالموظفين المحليين ب"الإيجابي" لكنه غير كافٍ بالنسبة إليه. ويتمنى السماح له بالتسوق في السوق القديم والتعرّف على أكثر مناطق صنعاء أصالة وثقافة.

وفي لحظة إصرار نادرة على كسر حصار إحدى المنظمات قرارها، تقول مسؤولة البرامج في منظمة أممية بصنعاء، بأنها رفعت صوتها على المسؤول الأمني ومدير المنظمة بسبب رفضهما خروجها للمشاركة في حفل زفاف زميلتها اليمنية في صالة أعراس مخصصة للنساء في صنعاء. وانتهى الأمر بمنحها التصريح مقابل توقيعها على تنازل عن مسؤولية المنظمة عن أية تداعيات سلبية لخيارها هذا.

أمام تلك المخاطرة، تقول الموظفة: "لبست نفس ملابس اليمنيات، من نقاب وعباءة سوداء، ورافقت إحدى زميلاتي بسيارتها. في الصالة وجدت ما لم أتوقعه. نساء جميلات يستمتعن بوقتهن بمضغ نبتة القات المنبهة والاستماع لأغاني الزفاف اليمنية والعربية، بالإضافة إلى الرقص الجماعي المنسق والمبهر، وهو ما غيّر انطباعي عما سمعته ماضياً عن انعزال اليمنيات وتشددهن الثقافي". تشير إلى أنها قوبلت باهتمام واسع من قبل كل من قابلتهن وبعبارات المجاملة والابتسامات من قبل نساء لا يعرفن الإنكليزية.

وكان اليمن قد واجه أكبر موجة إخلاء جماعي لمئات الموظفين الأجانب خلال فبراير/ شباط 2015 عقب فرض جماعة أنصار الله (الحوثيين) الإقامة الجبرية على الرئيس اليمني وأعضاء حكومته. فقد أغلقت كافة مقرات ومكاتب كل البعثات الدبلوماسية والممولين ومؤسسات التنمية، احتجاجاً ضد إجراءات الحوثيين التي أشارت إلى احتمال حدوث أعمال عنف واسعة في البلاد. كذلك أغلقت كافة الشركات الاستثمارية والنفطية الأجنبية في جميع مناطق البلاد لتتسبب بتسريح عشرات آلاف العمال المحليين. ولم تعد تعمل في البلاد سوى نحو 30 منظمة دولية وإغاثية على الأكثر.

وتبرز أهمية التشديد الأمني على الموظفين الأجانب، خاصة بعد أن تعرّض عدد منهم لعمليات اختطاف أو اقتحام لمقرات سكنهم وطرد من قبل مجهولين وسلطات محلية. وجرى إطلاق سراح بعض منهم بعد فترات طويلة من الاحتجاز أو الكشف عن هوية محتجزيهم. كذلك حصلت عمليات تسليم لبعضهم، لا سيما الأميركيين، عقب مفاوضات سلطات الحوثيين مع الحكومة الأميركية بوساطة سلطنة عُمان.

زر الذهاب إلى الأعلى