اليمن... الحرب تضيّع عاماً آخر دون جدوى تعليمية
يشعر الطفل حسين درهم (12 عاماً) بالفرحة لقدوم الإجازة السنوية، بعد إنهائه امتحان الصف التاسع الأساسي في محافظة ذمار (وسط اليمن) كونه تخلص من مجرد التزام يومي لم يشعر بأنه كان يستفيد منه شيئاً.
يقول حسين "لم نكن نتعلم خلال معظم العام الدراسي بسبب تغيب المدرسين أو حضورهم دون أن يلقوا دروساً بسبب انعدام مرتباتهم منذ نهاية شهر سبتمبر/ أيلول وهو أول شهر بدأ فيه العام الدراسي. وفي البيت لم أتمكن من المذاكرة بسبب ذهابي لتدبير مياه لأسرتي من حي مجاور ولضعف الإنارة ليلاً".
انقضى إبريل/ نيسان الماضي منهيا العام الدراسي لتلاميذ فصول النقل في المدارس اليمنية بعد أدائهم امتحاناتهم النهائية، غير أنهم يشعرون بأن العام الدراسي الحالي ضاع دون جدوى تعليمية للعام الثاني على التوالي، بسبب ظروف الحرب التي سلطت ظلالاً قاتمة متعددة على وضع تعليم الأطفال في المدرسة لتلاحقهم حتى المنزل. ودفعت تداعيات الحرب جميع أطراف التعليم في المجتمع اليمني إلى الشعور الواضح بعدم رضاهم عن أداء العملية التعليمية في كافة مناطق اليمن خلال العام الدراسي.
لم تنفق الحكومة الشرعية في عدن والجماعة الانقلابية في صنعاء كثيراً من الأموال على التعليم خلال العام الدراسي الجاري، لا سيما أن جماعة الحوثي المسيطرة على ديوان وزارة التربية والتعليم في صنعاء لم تنفق شيئاً، بعد أن حولت كل موازنة التعليم كبقية الخدمات الأساسية نحو الحرب منذ مارس 2015. يقول تقرير حديث أصدرته مجموعة منظمات التعليم التي تقودها منظمة اليونيسف إن المدرسين وطاقم الإدارة المدرسية في كافة المحافظات التي تسيطر عليها الجماعات المسلحة التابعة للحوثيين وحلفائها لم يتلقوا رواتبهم منذ بداية العام الدراسي.
يقول التربوي أحمد الحميدي في إحدى المدارس في محافظة صنعاء إن التعليم بات بنداً من الخدمات الرفاهية غير الضرورية بالنسبة للحكومة وأفقر الأسر اليمنية، بعد أن انقطعت الكثير من الخدمات الأساسية والمنقذة للأرواح مثل الدخل والمياه والصرف الصحي والرعاية الصحية والكهرباء طوال العامين الماضيين. وأضاف الحميدي "المدرسون أصبحوا من أفقر اليمنيين بعد أن تميزوا بمرتباتهم الأفضل نسبياً دون غيرهم من موظفي الحكومة.
كثيرون منهم تركوا التدريس ليحترفوا مهنا أخرى مثل العمل على التاكسيات أو تأجير الدراجات البخارية أو فتح محلات صغيرة، من أجل سد رمق أسرهم على حساب تلاميذهم". مشيرا إلى أن إدارات المدارس "تضطر للتعويض عن بدلاء للمدرسين بوعدهم بتسلم مستحقات المعلمين المتغيبين في حالة وصولها، وأغلبهم لم يصبروا معنا سوى شهرين أو ثلاثة ليتركونا مجدداً، بعد إدراكهم أن حكومة الأمر الواقع أصبحت عاجزة عن دفع الرواتب".
وقد عملت أزمة الرواتب على انتهاج الكثير من المدارس طرقا مختلفة للتعامل مع الضغوط المتزايدة من المعلمين كان منها إعلان بعض المدارس إغلاق أبوابها أمام طلابها حتى يتم إطلاق الرواتب بينما خفضت بعضها وقت اليوم الدراسي، ووقف مدراء بعض المدارس صامتين أمام المعلمين الذي يجلسون طوال اليوم داخل الفصول ويرفضون إلقاء الدروس.
في السياق، يقول المعلم عادل أبو علي ل "العربي الجديد" إن طول فترة انقطاع الرواتب "وضع الجميع وبينهم التلاميذ أمام الأمر الواقع بحيث صار أكثر المعلمين التزاماً يستمر في عمله، لكنه صار مضغوطاً نفسياً وذا سلوك منفعل مع طلابه أو غير مبالٍ لجودة عمله في كثير من الأحوال.
وصار المعلمون يتبادلون مع طلابهم وخصوصاً في صفوف الثانوية قصصهم حول غياب الراتب، لتظهر مبادرات ذاتية في بعض المدارس دعت أولياء أمور الطلاب إلى دفع مبالغ بسيطة وتقديمها إلى المعلمين مقابل استمرارهم في العملية التعليمية".
وهنا يؤكد أبو علي بأن معظم المعلمين أصبحوا على قناعة بتأثر تلاميذهم بمحيطهم المحبِط وإهمال المعلمين والسلطات لقطاع التعليم، لتكون قرارات قليل منهم نهاية العام الدراسي بمنح معظم طلابهم إن لم يكن جميعهم علامات النجاح بغض النظر عن حقيقة مستوياتهم التعليمية أو أدائهم خلال الامتحانات.
وكان معظم الطلاب ممن تسربوا من التعليم أو تراجعت مستوياتهم التعليمية بشكل لافت أولئك القاطنين في مناطق الحرب المباشرة، لا سيما في محافظتي تعز (وسط) وصعدة (شمال) أشد المحافظات تأثراً بتراجع التعليم بسبب استمرار القصف والاشتباكات البرية طوال العامين الماضيين. وتختص المحافظتان بأنهما أكثر من يحتضن المدارس المتضررة بسبب الحرب.
وكشف تقرير حديث لمجموعة منظمات التعليم بأن الحرب دمرت 234 مدرسة كلياً و1,265 مدرسة جزئياً. من ذلك اشتملت محافظة صعدة على 75 مدرسة مدمرة كلياً و165 مدمرة جزئياً، بينما احتضنت تعز 51 مدرسة مدمرة كلياً و124 مدمرة جزئياً.
إلى ذلك، يقول الخبير في التنمية والحماية الاجتماعية خالد محيي الدين إن الصراع القائم يحتم على السلطات المحلية والمجتمع الدولي معالجة قضية التعليم عبر المساعدة في إنشاء برامج تعليمية أثناء الطوارئ على المدى القصير، تهدف إلى تقوية العملية التعليمية عبر دعم صرف رواتب المدرسين وتغطية مصاريف التشغيل للمدارس، من أجل ضمان تهيئة البيئة الملائمة للتعليم.
يضيف محيي الدين بضرورة "دعم طباعة الكتب المدرسية ودعم المدارس بالتجهيزات الأساسية وتسريع جهود إعادة تأهيل المدارس المتضررة جزئياً لإعادة تشغيلها سريعاً، مع إعادة إنعاش وحدات الطوارئ المسؤولة على إدارة التعليم أثناء الطوارئ الحالية وبأفضل السبل المتاحة بالاستفادة من أفضل التجارب العالمية المشابهة".
وينصح محيي الدين من أجل الدفع بالتعليم قدماً أن تتجاوب السلطات المختلفة لاستخدام المباني الحكومية غير المستخدمة كفصول دراسية وانطلاق مبادرات ذاتية لايجاد فصول دراسية مؤقتة من قماش الخيام". ويضيف محيي الدين أن اليمن يحتاج إلى تطوير آليات ومناهج دراسية أكثر مرونة ومراعاة لأوضاع المتضررين من تداعيات الحرب والنازحين".
حتى العام 2013، صرح البنك الدولي بأن التعليم في اليمن شهد تحسناً ملموساً، بعد أن قفزت معدلات التحاق الأطفال بالتعليم من 71 بالمائة في 2009 إلى 97 بالمائة خلال أربع سنوات، إثر التحاق أكثر من 5.1 ملايين طالب وطالبة في التعليم ضمن حوالي 16 ألف مدرسة تضم أكثر من 135 ألف فصل دراسي.