الذكرى الـ27 للوحدة اليمنية: منع تفكك البلاد المهمة الأصعب
في الذكرى الـ27 لإعادة توحيد اليمن، واليوم الوطني للجمهورية اليمنية، يبدو البلد على أبواب التقسيم مرة أخرى، كون الدولتين اللتين اتحدتا في 22 مايو/أيار 1990، غير موجودتين على أرض الواقع، بما يجعل التقسيم، إذا ما مضى إلى الأمام، رحلة أخرى من الشتات والتمزق، في حين أن فرص بقاء اليمن الموحد بصيغة جديدة تعتمد الفيدرالية، هي الأخرى تواجه العديد من العراقيل لكنها الرؤية المدعومة حكومياً ودولياً.
بدءاً من خلافات شريكي اتفاق الوحدة (الحزب الاشتراكي اليمني وحزب المؤتمر الشعبي)، مروراً بالشرخ المفصلي الذي تعرضت له وحدة اليمن مع الحرب الأهلية، ولاحقاً سنوات الحراك المطالب بالانفصال والذي انطلق عام 2007، وحتى الثورة عام 2011 وما ارتبط معها من إرهاصات نقل السلطة وصولاً إلى انقلاب الحوثيين وحلفائهم الموالين للرئيس السابق علي عبدالله صالح عام 2014، ثم التدخل الخارجي والعمليات العسكرية للتحالف العربي بقيادة السعودية عام 2015، وما يزيد عن عامين من الحرب الشاملة في البلاد، كل ذلك جعل الوحدة هي الحلقة الأضعف من نواحٍ عدة، اليوم، بعد 27 عاماً على قيامها.
على أرض الواقع، بات اليمن في العام الثالث للحرب، منقسماً إلى حد كبير، فالجنوب الذي صار مستقلاً ذاتياً في الواقع، وبات خالياً من الوجود العسكري لقوات دولة الوحدة أو ما يحمل طابعاً "شمالياً"، اتجه نحو تأطير الواقع بحامل سياسي، مدعوم إقليمياً من الإمارات، وربما من دول أخرى لا تصرح بذلك علناً. وتمثل ذلك بإعلان "المجلس الانتقالي الجنوبي"، منذ أكثر من أسبوعين، كخطوة نحو تأسيس سلطة انفصالية في عدن، تعترف بالحكومة الشرعية قولاً، ولا تعترف بوحدة البلاد، كما تقول بياناتها.
العاصمة اليمنية صنعاء، هي الأخرى، باتت في قبضة انقلاب الحوثيين وصالح، منذ أكثر من عامين، لكنها ووفقاً لمصادر محلية، ستشهد احتفاءً روتينياً بذكرى توحيد البلاد، على الرغم من القناعة السائدة في أوساط يمنية عدة بأن خطوات الانفصال هي الأسرع، وأن صنعاء سبقت عدن، بتشكيل سلطة أمر واقع منفصلة عن الشرعية، تمثلت بتأليف ما سُمي "المجلس السياسي الأعلى"، مناصفة بين الحوثيين وحزب صالح، وصولاً إلى تأليف حكومة برئاسة عبدالعزيز بن حبتور في نوفمبر/تشرين الثاني العام الماضي. بما ساهم بإيجاد حكومتين، وإن كانت حكومة صنعاء غير معترف بها إقليمياً ودولياً.
خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، انهارت مؤسسات دولة الوحدة تدريجياً، بعد كل ما شابها من أزمات وإخفاقات سابقة، إذ إنه ومنذ أشهر طويلة تسيطر الحكومة على جنوب وشرق وأجزاء من وسط البلاد، فيما يسيطر الانقلابيون على أغلب مناطق الشمال. فيما القوات العسكرية والأمنية في الجنوب باتت جميعها وفقاً لمصادر مطلعة لـ"العربي الجديد"، جنوبية الانتماء والهوى، وأغلبها تأسس برعاية وإشراف الإمارات، التي تحولت إلى صاحب القرار الأول في جنوب اليمن وشرقه، باعتبارها عضواً في التحالف العربي الذي تقوده السعودية، إذ شاركت الإمارات وقوات أخرى من التحالف بعمليات عسكرية برية إلى جانب الجوية في محافظات الجنوب. كما دخلت الشرق، على هامش مواجهة مسلحي تنظيم "القاعدة"، قبل أن تدعم أخيراً خطوات تأسيس سلطة سياسية جنوبية، هي ترجمة لما صار واقعاً في حقيقة الأمر، تكرس مع انقلاب الحوثيين وحلفائهم عام 2014، ثم الحرب التي تلتها.
وفي سياق التفاعل الدولي، وردود الفعل حول ما يشهده اليمن، أطلق السفير البريطاني في اليمن، سيمون شيركليف، أخيراً تصريحاً هو الأول من نوعه، على صعيد السلك الدبلوماسي للدول الكبرى، مشيراً إلى أن "انفصال الجنوب في نهاية المطاف، شأن يمني، وعليهم (أي اليمنيين) حله من خلال حوارٍ سلمي". وهو ما يحمل أكثر من تفسير منها ما مفاده أن المجتمع الدولي، أو لندن على الأقل، باتت لا ترى مانعاً من إعادة تقسيم اليمن إلى شمال وجنوب، إذا ما ارتضى اليمنيون ذلك. ولموقف بريطانيا أهمية كبرى، كونها مقرر الملف اليمني في مجلس الأمن الدولي.
فقد حكمت بريطانيا جنوبي اليمن 128 عاماً انتهت في عام 1967، باستقلال الجنوب وإقامة دولة الشطر الجنوبي، والتي كانت تُعرف قبل الوحدة ب"جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية"، لكن انفصاليي اليوم، لا يريدون إلا العودة إلى ما قبل 1990، بل يستدعون مسمى الدولة الذي ساد لسنوات قبل رحيل الاستعمار البريطاني، وهو "الجنوب العربي"، في محاولة للتنصل من الهوية اليمنية وليس الانفصال عن دولة الوحدة، فحسب؛ بل عن الهوية اليمنية.
وبرر نائب رئيس "المجلس الانتقالي"، هاني بن بريك، ذلك في تصريح حديث له، بالقول إن "بلاد (الجنوب العربي) لم يطلق عليها اسم يمن بالمفهوم السياسي؛ إلا مع خروج بريطانيا ولا يجب استنكار المسمى فهناك دولة عربية باسم (المغرب العربي)".
حدد المجلس الانتقالي الجنوبي، في البيان الصادر عن أول اجتماع عقده، في 13 من مايو/أيار الحالي، هدفه بالانفصال بوضوح، وشدد المجلس في ظل وجود رئيسه عيدروس الزبيدي ونائبه بن بريك في الرياض، على التزامه بما سماها "أهداف شعب الجنوب العربي وثورته ومقاومته الوطنية المتمثلة في استكمال التحرير وتحقيق الاستقلال وبناء الدولة الجنوبية الفيدرالية الجديدة كاملة السيادة على كامل الأراضي الجنوبية وفق حدودها المعروفة دولياً"، في إشارة إلى الحدود التي كانت سائدة قبل إعادة توحيد البلاد 1990.
وإزاء التطورات الأخيرة، تباينت آراء السياسيين اليمنيين بين من يرى تقبل الانفصال كأمر واقع بعد أن وصلت البلاد إلى ما وصلت إليه، وبين من يفضل الصمت، بانتظار ما سيصير إليه الوضع، وفي السياق قال السفير اليمني السابق في سورية، عبد الوهاب طواف، إن" الوحدة منجز تاريخي تمت صياغته بأمنيات ومطالب شعبية".
وعبّر طواف المتحدر من الشمال عن تأييده لانفصال الجنوب، لافتاً إلى أنه "بعد سنوات من حالة الانقسامات والتنافس على السلطة والثروة والسيطرة بين أقطاب الشمال والجنوب وسوء إدارة البلد؛ ظهر جيل في الجنوب متشرب الكراهية على الشمال، وأن الفرصة جاءت لقيادات الجنوب (في إشارة للرئيس عبد ربه منصور هادي وفريقه) لإدارة اليمن بكامل ترابه إلا أنهم أضاعوا تلك الفرصة فتخطف اليمن المليشيات والفقر والتشرذم".
وأشار في حديثٍ، إلى أن "اليمن يُحكم بقيادات جنوبية، في حين أننا نرى مطالب جنوبية بحق تقرير المصير، لذا فالعقل والمنطق يقول إن الشمال (عليه أن) يساعد الجنوب في حق تقرير مصيره سواء بانفصال أو أقاليم؛ لأن بقاء الوضع كما هو اليوم ما هو إلا تفتيت لليمن وليس تقسيمه". ورأى أنه "هناك فرصة وحيدة أراها في الأفق؛ متمثلة بترك الجنوب يمضي بطريقه والشمال يتحد لإستعادة الدولة من مليشيات الحوثي بالسلم والحوار".
يُذكر أن الحكومة اليمنية الشرعية برئاسة هادي، تتبنى منذ سنوات رؤية وسطية، بين الرؤيتين، تتمثل بتحويل البلاد من صيغة الدولة الموحدة، إلى الصيغة الاتحادية الفيدرالية. وهي الرؤية التي تلقى تأييداً من العديد من الأحزاب وأغلب الشخصيات بالإضافة إلى المجتمع الدولي، لكنها ليست الأوفر حظاً بالضرورة على أرض الواقع.