[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]
تقارير ووثائق

التعيينات التنظيمية للمجلس الجنوبي: خطوة تمهيدية للانفصال

تُنبئ القرارات التي أعلنها ما يسمى ب"المجلس الانتقالي الجنوبي" في اليمن، والتي تضمنت تشكيل العديد من الدوائر التنظيمية التابعة له، عن توجه المجلس الذي تأسس حديثاً بدعم من دولة الإمارات، إلى تأطير ذاته مؤسساتياً على نحو أقرب إلى حزب أو تنظيم سياسي. لكن في نفس الوقت سيواصل هذا المجلس سعيه لفرض نفسه كسلطة، يهيئ لها، على الرغم من العقبات غير القليلة التي تقف أمامه.

وكان "المجلس الانتقالي الجنوبي" أعلن الأحد الماضي، مجموعة قرارات خلُص إليها في نتائج اجتماعات استمرت أياماً، وتأتي إجمالاً في إطار البناء التنظيمي. وفي مقدمة القرارات التي تعكس توجهه ليكون تنظيماً سياسياً، الموافقة على وثائق منظمة لعمل المجلس "بشكل مؤقت لحين إقرارها بشكل قانوني عند اكتمال إنشاء المجلس". والوثائق هي "مشروع النظام الأساسي"، و"مشروع البرنامج السياسي"، و"مشروع الأسس والمبادئ".

وهذه عناوين تشير بشكل واضح إلى أن "المجلس" يرتب أوراقه الداخلية كحزب أو تنظيم سياسي، بغض النظر عن كونه من حيث المبدأ، مخالفاً للأسس التي تقوم عليها الأحزاب، أي أن يكون هناك أساس وطني يستقطب المواطنين في جميع المحافظات، وهو الشرط الذي يعدّ البحث عنه أمراً مفروغاً منه، في مكوّن يطالب بالانفصال ويعتبر أن "الوطن" هو الجنوب "المنفصل" عن الشمال، وفقاً لما كان سائداً قبل 1990، وليس اليمن.

وفي حالة من الخلط بين كون "المجلس" يقدم نفسه من خلال القرارات كمشروع تنظيم سياسي لم يكتمل، وبين تقديم نفسه في سياقات أخرى ك"سلطة انقلابية"، جدد "المجلس" في بيانه المتضمن للقرارات التنظيمية، الإعلان عن حظر أنشطة تنظيمات وجماعات بينها "الإخوان المسلمين" و"داعش" و"القاعدة"، وجماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، على نحو يمكن تفسيره بأمرين؛ الأول، أن "المجلس" من حيث ملابسات التأسيس في 11 مايو/أيار الماضي، قدم نفسه ك"سلطة" تتولى "إدارة وتمثيل الجنوب"، وفقاً لما تضمنه بيان تسمية أعضاء "المجلس" وقبل ذلك ما سُمي ب"إعلان عدن التاريخي"؛ والثاني، أن "المجلس الانقلابي"، وأمام العقبات التي وجدها بعد الإعلان عن نفسه قبل شهرين، وأمام الحرج الذي وقع على "التحالف العربي" بقيادة الإمارات والسعودية، واللتين بدا كما لو أنهما تدعمان انقلاباً في عدن على خطى انقلاب الحوثيين والرئيس السابق علي عبدالله صالح، في صنعاء، بدأ يأخذ بنصائح التحول إلى تنظيم، ويثبت وجوده على الأرض، استعداداً للتحول ربما إلى سلطة في عدن ومحيطها، والمشاركة في مفاوضات سياسية سواء أخذت صفة تعدد القوى السياسية أو كشمال وجنوب.
إلى ذلك، بدا واضحاً من خلال مضامين القرارات ونص البيان الختامي، وكذلك بعض تعليقات السياسيين التي رصدتها، أن "المجلس الانتقالي الجنوبي" الذي أسسه حلفاء أبوظبي والذي ينفذ أجندتها، يجد عوائق غير سهلة في الداخل الجنوبي. وفي هذا الصدد، أكد "المجلس" أنه يعمل "على استيعاب كافة القوى والشخصيات الوطنية الجنوبية، بمختلف انتماءاتها الفكرية والثقافية والاجتماعية، واستكمال تشكيل الهيئات في كل محافظات الجنوب".

ومن ناحية عملية أخرى، تزداد حضرموت وقواها ابتعاداً عن المجلس، منذ صدور قرار إقالة محافظها العضو في المجلس، أحمد بن بريك، وبعد ترحيب أبرز المكونات الحضرمية بتعيين اللواء فرج سالمين البحسني محافظاً بديلاً. ولم تظهر الإمارات، المحرك أو المؤثر الأول على "المجلس الجنوبي" والأوضاع في جنوب وشرق اليمن، عموماً، اعتراضاًً كافياً على القرارات، الأمر الذي من شأنه أن يركز عمل "المجلس" في عدن ومحيطها، خلال الفترة المقبلة، سواءء تحول إلى سلطة أو اقتصر على مكون سياسي فاعل في تلك المناطق.

وفي السياق، جاءت القرارات بتسمية عشر دوائر ورؤسائها، لتعكس محاولة المجلس الاحتفاظ بتمثيل حضرموت، إذ تم إسناد دائرتين لعضوين في المجلس من حضرموت، وهما "دائرة العمل الجماهيرية" ورئيسها عقبل محمد العطاس، وهو شخصية اجتماعية حضرمية، وكذلك "دائرة الفكر والإرشاد" التي أُسندت إلى، أحد أبرز قادة "الحراك في حضرموت"، أحمد محمد بامعلم، وهو من المحسوبين على النائب الأسبق للرئيس اليمني، علي سالم البيض. وتم تمثيل محافظة شبوة بمنصب هام، وهو المتحدث الرسمي لـ"المجلس"، سالم ثابت العولقي، أحد القياديين الشباب في "الحراك الجنوبي"، بالإضافة إلى دائرة أخرى تحت مسمى "دائرة الشهداء والجرحى" التي أُسندت إلى العميد ناصر محمد السعدي، المحسوب على محافظة شبوة.

على صعيد المحافظات الجنوبية، جرى إسناد إحدى أهم الدوائر، وهي "الدائرة التنظيمية"، إلى القيادي والعضو في "المجلس"، أمين صالح محمد، وهو قيادي في "الحراك الجنوبي" بمحافظة الضالع ووكيل سابق فيها. وتعد الضالع أبرز معاقل "الحراك"، ومنها يتحدر رئيس "المجلس"، عيدروس الزبيدي، في حين أن أهم اسم سياسي في تعيينات الدوائر، كان محافظ لحج، ناصر محمد الخبجي، الذي تم تعيينه رئيساً للدائرة السياسية، وهو من أبرز القيادات السياسية في "الحراك". والخبجي يعتبر عضواً في البرلمان عن الحزب الاشتراكي اليمني، ويمثل شخصية مهمة داخل "المجلس الجنوبي"، وترأس أول اجتماع عقده المجلس في عدن 13 مايو/أيار أثناء وجود الزبيدي وبن بريك خارج البلاد.

من جانبها، مُثلت عدن بشكل بارز في الدوائر العشر، إذ أُسندت "الدائرة الإعلامية" إلى القيادي في "الحراك الجنوبي"، لطفي شطارة، وهو إعلامي وقيادي معروف، كما أُسندت "الدائرة الاقتصادية والمالية" إلى العضو في "المجلس"، عدنان محمد عمر الكاف، وهو رجل أعمال وقيادي في "المجلس". وأُسندت "الدائرة القانونية" إلى العضوة في "المجلس الانتقالي الجنوبي"، سهير علي أحمد، ودائرة "الحقوق والحريات" إلى القيادية نيران حسن سوقي، وكلتاهما تُحسبان من أبناء مدينة عدن. وجرى إلحاق "دائرة العلاقات الخارجية" برئاسة "المجلس". وجرى تحديد اختصاصات الدوائر على النحو التالي: "اللجنة الفنية، وتتبع الدائرة التنظيمية، ولجنة الاحتفالات والتصعيد، التي تتبع دائرة العمل الجماهيري، واللجنة الإعلامية والمركز الإعلامي ويتبعان الدائرة الإعلامية، والفريق الدبلوماسي الذي يتبع دائرة العلاقات الخارجية، والمتحدث الإعلامي للمجلس ويتبع رئيس المجلس"، فيما الفريق القانوني يتبع "الدائرة القانونية"، فيما "الأمانة العامة" تتبع رئيس المجلس، من دون ذكر تفاصيل حول هذه "الأمانة".

ومن خلال التشكيلة السابقة، يبدو أن هناك ضعفاً في التمثيل للمناطق والمحافظات، إذ بدت الشخصيات المنتمية لمحافظة أبين التي يتحدر منها الرئيس عبدربه منصور هادي، غائبة تقريباً عن رئاسة الدوائر، بالإضافة إلى أن تمثيل حضرموت كان أقل مما تمثله المحافظة ومحيطها. ومع ذلك، تمثل مجموعة الشخصيات سواء في الدوائر العشرة أو أعضاء "المجلس الانتقالي" البالغ عددهم 26 عضواً، الثقل الأكبر داخل "الحراك الجنوبي"، والذي يتركز في محافظتي الضالع ولحج، وكذلك أبرز تياراته، كتيار القيادي البارز، علي سالم البيض (مدعوم من إيران سابقاً والذي يتواجد في أبوظبي حالياً). ومن المتوقع أن يعلن "المجلس" مزيداً من القرارات والتكليفات لشخصيات في الفترة المقبلة، لتحقيق توازن بالتمثيل، ونتيجة لجهود سيواصلها "المجلس" لاستقطاب المزيد من الشخصيات.

زر الذهاب إلى الأعلى