[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]
تقارير ووثائق

صيادو اليمن... حلقة يستهدفها أطراف الحرب

يبدو صيادو اليمن وكأنهم فئة منسية في هذه الحرب، يغرقون في البطالة والمعاناة والقليل منهم رغم الحرب وانعدام الوقود يغامر ويذهب للصيد في ظل المخاطر، حيث يواجهون خيارات صعبة وينتهي بهم المطاف قتلى أو في سجون السعودية وإريتريا.
وهاجمت بحرية التحالف الذي تقوده السعودية، قبل يومين، قارباً لصيادين يمنيين قرب جزيرة زقر بالبحر الأحمر فقتلت ثمانية بينما نجا اثنان، بعد أن قطعوا تسعة أميال سباحة للوصول إلى اليابسة، وهي حادثة تجسد حال فئة الصيادين الذين يتعرضون لحرب أخرى من قبل أطراف الحرب، إذ مُنعوا من الصيد وتحولت حياتهم إلى مأساة حقيقية بعد توقف مصادر عيشهم، فالبحر ساحة معارك وهم بلا شباك.

وعلى طول الساحل الغربي يعاني الصيادون ضمن مناطق الحوثيين من توقف أعمالهم بسبب قوات التحالف الذي تقوده السعودية، فيما منعت القوات الإماراتية مئات الصيادين في مدينة المخا المحررة من النزول إلى البحر، وحولت ميناء الاصطياد السمكي لثكنة عسكرية، فيما أعلن الصيادون بمدينة الشحر في محافظة حضرموت (جنوب شرق البلاد) عن إضرابهم عدة مرات منذ مطلع العام الجاري بسبب إجراءات القوات الموالية للإمارات ضدهم.
ويشتهر اليمن الذي تمتد سواحله على مسافة 2500 كيلومتر مربع بإنتاج قرابة 450 نوعاً من الأسماك.
وتفيد التقديرات أن هناك أكثر من 150 ألف شخص يعملون في الصيد ويعيلون نحو مليون شخص و350 ألف أسرة تعتمد في معيشتها على صيد السمك في اليمن، وسجلت أوضاعها المعيشية تدهوراً وفق الجمعيات العاملة في المجال.

ولم تقتصر أضرار الحرب على الصيادين فحسب بل طاولت نحو 650 ألفا من العمال العاملين في مجال التعبئة والتخزين والنقل في قطاع الأسماك، إذ فقدوا هم الآخرون أعمالهم.
وأكد مسؤولون نقابيون في جمعيات الاصطياد السمكي اليمنية ل "العربي الجديد"، أن عشرات الصيادين كانوا ضحايا لقصف طيران التحالف العربي الذي تقوده السعودية، فيما يقبع عشرات آخرون في السجون السعودية بتهمة نزولهم البحر.
وأوضح علي زهير، صياد بمحافظة الحديدة، أن الصيادين مُنعوا من نزول البحر وتوقفت مصادر عيشهم، فضلا عن ذلك يتعرضون للاعتقال من قوات التحالف الذي تقوده السعودية.
وقال زهير إن شقيقه حسن زهير، الذي يعيل أسرة من ثمانية أفراد، لا يزال معتقلا منذ شهرين ونصف في سجن بمدينة نجران، حيث اعتقلته قوات سعودية مع 12 آخرين بعد أن دمرت قاربهم خلال نزولهم إلى البحر للبحث عن رزقهم.

وأكد زهير، أن الصيادين في الساحل الغربي يتعرضون لحرب حقيقية حرمتهم من رزقهم خلال موسم الصيد الحالي في فترة الصيف، وأنهم ينظرون إلى البحر بحسرة، بينما أفضل فترات للحصول على الرزق تفوتهم.
ويسيطر الحوثيون على الحديدة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2014، وهي واحدة من المحافظات اليمنية المهمة، خاصة في مجال الثروة السمكية كونها تطل على البحر الأحمر، وفيها يقع أهم مراكز الإنزال السمكي وتصديره.
ومنذ بداية الحرب نهاية مارس/آذار 2015، عانى الصيادون من انعدام الوقود لتشغيل قواربهم بالإضافة إلى رسوم جبائية فرضت عليهم من قبل جماعة الحوثيين.
وقد تسبب ذلك في توقف آلاف منهم، فيما ظل آخرون يغامرون بحياتهم بحثا عن الرزق، وقد أدى استهدافهم من قبل طيران وبحرية التحالف إلى توقفهم.

وحسب رئيس الاتحاد السمكي في الساحل الغربي، عبد الله بهيدر، فقد دمرت البحرية السعودية أكثر من عشرين قارباً لصيادين واعتقلت 80 صياداً في مياه الساحل الغربي، ووضعتهم في سجن بمدينة نجران الحدودية مع اليمن.
وقال بهيدر ل "العربي الجديد": "نحو 70% من الصيادين فقدوا مصادر رزقهم، وما تبقى منهم يواجهون حرباً بلا هوادة من قبل الحوثيين بفرض الإتاوات والجبايات غير القانونية، أو من السعودية التي تمارس الإرهاب ضد الصيادين اليمنيين بالاعتقال وإطلاق النار وتدمير قواربهم ومعداتهم".

وأوضح بهيدر، أن آلاف الصيادين توقفوا عن ممارسة مهنتهم خوفاً من الغارات الجوية التي تستهدف قواربهم، وقد لجأ معظمهم إلى الأرياف ويعتمدون على مساعدات يقدمها برنامج الأغذية العالمي ومعونات تقدمها مؤسسات دولية ومحلية.
وطالب بهيدر منظمة الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية المعنية بحماية الصيادين اليمنيين من اعتداءات التحالف وحماية ودعم الصيد التقليدي باليمن وتعويض الصيادين عن مراكبهم التي دمرت ومصادر عيشهم التي توقفت.
وأصبح الساحل الغربي لليمن ساحة معارك بين القوات الحكومية المدعومة من التحالف من جهة والحوثيين من جهة أخرى. وقد أعلنت قوات الحكومة، نهاية يناير/كانون الثاني الماضي، عن تحرير مدينة المخا والشريط الساحلي الممتد إلى باب المندب، كما أكدت عزمها على تحرير مدينة الحديدة من سيطرة الحوثيين.
ولقى ثمانية صيادين مصرعهم في سواحل مديرية التحيتا بمحافظة الحديدة، في مارس/آذار الماضي، بعد أن تعرضت قواربهم لقصف الطيران، وفقا لمصادر نقابية سمكية.

ولا يزال عشرات الصيادين محتجزين في إرتيريا، عاد منهم 98 صياداً يمنياً إلى ميناء الصليف بالحديدة، بعد احتجازهم لأشهر في أحد الموانئ الإريترية.
ولدى عودتهم، قال أحد الصيادين إنه كان محتجزاً في معسكر بمنطقة جنوب مصوع قرابة ثمانية أشهر، وأن السلطات الإرتيرية أفرجت عنه بعد إصابته بأمراض وتقرحات جلدية جراء ما وصفها بالأشغال الشاقة التي يرغمهم الجنود الإرتيريون على تنفيذها.
وكشف عن وجود العشرات من الصيادين ما زالوا محتجزين، وأن 22 صياداً أُخذوا إلى مزارع للعمل فيها تعود ملكيتها لضباط كبار في البحرية الإريترية.

ويقول الصيادون في الحديدة إن مصادر العيش انهارت مع الحرب، ويشتكون من فرض الحوثيين إتاوات على مبيعاتهم، فضلا عن جبايات أخرى بأسماء متعددة منها دفع عائد مادي يُخصم من قيمة مبيعاته لصالح هيئة المصائد السمكية بواقع 1%، وعمولة تسويق 5%، وجمعية ينتمي لها الصيادون بواقع 2%.
ويعاني صيادو حضرموت أيضا، على غرار زملائهم في باقي المحافظات اليمنية، من ارتفاع تكاليف الصيد وتراجع الكميات المصطادة، وهو ما تسبب، حسب عوض جمعان، في ارتفاع أسعار الأسماك في الأسواق المحلية إلى مستويات تفوق القوة الشرائية لليمنيين.

وأظهرت بيانات أصدرتها جمعية المكلا السمكية في حضرموت تراجعا كبيرا وصل إلى 70% في كمية الأسماك المصطادة في المحافظة خلال الحرب. وأجبر هذا الوضع نسبة هامة من الصيادين على هجر البحر 14 والبحث عن سبل أخرى لتحصيل لقمة العيش.
وأكد وزير الثروة السمكية اليمني فهد كفاين، في مايو/أيار الماضي، أن الأوضاع المعيشية الصعبة التي تعيشها اليمن، انعكست على مهنة الاصطياد السمكي التي يعتمد عليها أكثر من مليوني نسمة من إجمالي السكان
وقال الوزير اليمني، في تصريحات: "إن 60% من الصيادين اليمنيين في القطاع السمكي، لا يستطيعون مزاولة عملهم نتيجة الحرب، التي تسببت في زيادة رقعة الفقر لدى شريحة الصيادين التي كانت تعتمد على الصيد في دخلها اليومي".

ويعاني أكثر من 17 مليون شخص في اليمن من انعدام الأمن الغذائي الحاد، ويرى برنامج الأغذية العالمي أنه لتفادي تدهور حالة الأمن الغذائي، يجب أن يكون الدعم المباشر لسبل العيش - وخاصة صيد الأسماك إلى جانب الزراعة - جزءا لا يتجزأ من الاستجابة الإنسانية، من خلال تقديم قوارب الصيد والمحركات وشباك الصيد والمعدات التشغيلية المستمرة والدعم المادي.
ووفقاً لبرنامج الأغذية العالمي، يشغل إنتاج المحاصيل وتربية الماشية وصيد الأسماك 50% من القوى العاملة في اليمن، وهي المصادر الرئيسية لسبل المعيشة بالنسبة لثلثي مجموع سكان البلاد.
وتعتبر الأسماك ثروة وضعت اليمن في قائمة مصدري الأسماك للأسواق الخليجية والعالمية، وقبل الحرب كانت صادرات اليمن من الأسماك تحتل المرتبة الثانية بعد صادراتها النفطية، حيث تصدر اليمن الأسماك إلى 50 دولة آسيوية وأفريقية وأوروبية، منها 12 دولة عربية بنسبة 58% من الصادرات.

وتكبد قطاع الصيد البحري في اليمن خسائر بسبب الحرب والصيد الجائر، بلغ 3.1 مليارات دولار، فيما بلغ عدد القتلى من الصيّادين 133، وعدد الصيّادين الذين فقدوا مصادر دخلهم حو إلى 36 ألف صيّاد.
وذكر تقرير حكومي للهيئة العامة للمصائد السمكية، صدر في أبريل/نيسان الماضي، أن عدد قوارب الصيد التي دمرتها الحرب بلغ 204 قوارب بخسارة بلغت 4.713 ملايين دولار، كما تسببت الحرب في أضرار مباشرة على مصادر العيش لأكثر من 2.5 مليون شخص.
ووفقاً للتقرير، بلغ عدد المنشآت التي توقّفت نشاطاتها نتيجة انخفاض الإنتاج السمكي أكثر من 50 منشأة متنوّعة ما بين مصنع ومعمل تحضير وغيرها، ما ترتّب عليه خسائر بقرابة 5.262 ملايين دولار.

كما تسببت الحرب في إلحاق أضرار بالغة في البيئة البحرية نتيجة الصيد الجائر، قدّرت خسائرها بـ1.050 مليار دولار، فضلاً عن تقييم الأثر البيئي الناجم عنه بنحو 840 مليون دولار، فيما بلغت الخسائر في البنية التحتية الناتجة عن الاستهداف المباشر لميناءي ميدي والحيمة (في محافظة الحديدة) إضافة إلى 22 مركز إنزال بحدود 13.032 مليون دولار.
وبلغت قيمة الصادرات السمكية عام 2013 نحو 289 مليون دولار، في حين تراجعت الصادرات عام 2014 إلى 170 مليون دولار، بحسب تقارير رسمية.
وقدرت منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) التابعة للأمم المتحدة، أن صيد الأسماك في اليمن يساهم بـ15% من إجمالي الناتج المحلي اليمني، وأن هناك 80 ألف صياد، وتساهم عائدات صادرات الأسماك بـ13% من مجموع الصادرات غير البترولية للبلاد.

ويمتلك اليمن شريطاً ساحلياً يقدر بـ2500 كيلومتر تحوي مئات الأصناف والأنواع من الأسماك والأحياء البحرية، ما يجعلها واحدة من أفضل الدول التي تمتلك ثروة بحرية هائلة وبإمكانها صيد قرابة 400 ألف طن سنوياً، وفقاً لوزارة الثروة السمكية.
وكثيراً ما وعدت الحكومة في اليمن بتعويض الصيادين عن الخسائر التي تكبدوها نتيجة تعطل نشاطهم جراء الحرب، وكذا إعادة تشغيل المنشآت السمكية التي تعرضت للتخريب على مدار العامين ونصف عام الماضية، لكن تبدو الصورة أكثر سوداوية مع طلعة كل شمس.

زر الذهاب إلى الأعلى