تقارير ووثائق

يمنيون عالقون وآلاف غيرهم قد يفقدون التذكرة الذهبية إلى أمريكا

يلح اليمن على الحكومة الأمريكية لقبول عشرات من اليمنيين الذين سافروا إلى ماليزيا في الشهور الأخيرة متوقعين الهجرة إلى الولايات المتحدة لكنهم أصبحوا عالقين بسبب حظر السفر المؤقت الذي فرضه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

ويحظر الأمر الرئاسي، الذي أوقفت محاكم العمل به قبل أن توافق المحكمة العليا في يونيو حزيران على إعادة العمل به جزئيا، سفر مواطني اليمن وخمس دول أخرى غالبية سكانها من المسلمين إلى أمريكا إذا لم يكن لهم معارف تربطهم بهم صلات وثيقة في الولايات المتحدة.

وتسبب قرار المحكمة العليا في تقليص عدد الناس الذين يشملهم الحظر بشدة. ولم تتحدث الصحافة كثيرا عن مصير مجموعة من هذه المجموعات تتمثل في آلاف من مواطني الدول الست الذين فازوا في قرعة عشوائية أجرتها الحكومة الأمريكية العام الماضي مكنتهم من التقدم بطلبات للحصول على البطاقة الخضراء التي تتيح لهم الإقامة الدائمة في الولايات المتحدة.

ومن سوء الطالع للفائزين في القرعة أن حظر السفر الساري لمدة 90 يوما سينتهي العمل به في 27 سبتمبر أيلول أي قبل ثلاثة أيام فقط من انقضاء الفترة التي تؤهلهم للحصول على البطاقات الخضراء.

وفي ضوء بطء وتيرة إجراءات الهجرة فمن المرجح أن تواجه وزارة الخارجية الأمريكية صعوبات في إصدار تأشيرات لهم في الفترة المحددة.

وقد حذرت رسالة أرسلتها الحكومة الأمريكية مؤخرا بالبريد الإلكتروني من احتمال عدم إصدار التأشيرات بسبب حظر السفر.

ويتقدم للمشاركة في هذه القرعة نحو 14 مليون شخص كل عام يرى كثيرون منهم فيها فرصة لتحقيق "الحلم الأمريكي". وتمثل هذه القرعة رمزا قويا للانفتاح الأمريكي في الخارج رغم أن فرصة النجاح ضئيلة تبلغ نحو 0.3 في المئة إذ حصل أقل قليلا من 50 ألفا من المتقدمين على البطاقة الخضراء في عام 2015.

وقال جوني كارسون مساعد وزير الخارجية الأمريكي السابق للشؤون الأفريقية في عهد إدارة الرئيس السابق باراك أوباما إن هذا البرنامج يسهم في تعزيز صورة أمريكا "باعتبارها بلدا يرحب بالمهاجرين والهجرة من مختلف أنحاء العالم وبصفة خاصة من أفريقيا."

ويخشى بعض الدبلوماسيين السابقين من أن يلطخ تأثير حظر السفر على القرعة تلك الصورة.

قال ستيفن باتيسون المسؤول القنصلي السابق في وزارة الخارجية "تجريد الناس الذي فازوا من الفوز هو أقسى ما يمكن أن تفعله هذه الإدارة. وهذا يجعلنا نبدو كمجتمع تافه وقاس".

وقد أجرت رويترز حوارات مع عشرات من الفائزين في القرعة من اليمن وإيران وسوريا ومن بينهم حوالي 20 شخصا ينتظرون إصدار تأشيرات لهم. وطلب كثيرون منهم عدم نشر أسمائهم حتى لا تتعرض طلباتهم للخطر لكنهم قدموا رسائل بالبريد الإلكتروني ووثائق أخرى لتأكيد صحة رواياتهم.

ووصف هؤلاء كيف أنفقوا آلاف الدولارات على عملية تقديم الطلبات وقال كثيرون إنهم أرجأوا الإنجاب أو باعوا ممتلكات أو رفضوا عروض عمل مغرية في بلادهم لأنهم افترضوا أنهم سينتقلون قريبا إلى الولايات المتحدة.

* رحلة مضنية

الوضع صعب بصفة خاصة بالنسبة لليمنيين. فلأن الولايات المتحدة ليست لها بعثة دبلوماسية في اليمن يتعين على اليمنيين التوجه إلى دول أخرى محددة لاستخراج التأشيرات وقد سافر كثيرون منهم إلى كوالالمبور عاصمة ماليزيا.

ولكثير من اليمنيين كانت الرحلة إلى بلد يبعد 6400 كيلومتر عن بلادهم باهظة التكلفة ومرهقة. ويعد اليمن أفقر دول الشرق الأوسط كما أنه في غمار حرب مستمرة منذ عامين.

ويلجأ أغلب اليمنيين الذين يجيئون إلى ماليزيا في البداية إلى الإقامة في العمارات السكنية العالية على أطراف العاصمة حيث كونوا جالية صغيرة.

وبسبب قيود الهجرة لا تسمح السلطات لهم بالعمل وشيئا فشيئا تبدأ أموالهم في النفاد. ويعيش أغلبهم على تبرعات يمنيين آخرين أو على ما يرسله لهم الأهل من أموال من الوطن.

قال جوشوا جولدستاين محامي الهجرة الأمريكي الذي يقدم المشورة للفائزين في القرعة "تخيل أن يتم إخطارك بأنك فزت بالتذكرة الذهبية ثم تسحب منك".

وكان الكونجرس الأمريكي أقر هذا البرنامج الذي يطلق عليه اسم "تأشيرة التنوع" في شكله الحالي عام 1990 لفتح الباب أمام مواطني عدد من الدول التي لها معدلات منخفضة في الهجرة إلى الولايات المتحدة للحصول على الإقامة الأمريكية.

ولقلة الشروط التعليمية والمهنية نسبيا في هذا البرنامج فهو يجتذب في العادة الناس من الدول الأفقر. ففي كل من غانا وسيراليون على سبيل المثال تقدم أكثر من ستة في المئة من السكان للمشاركة في القرعة عام 2015.

وقال السفير اليمني لدى الولايات المتحدة أحمد بن مبارك إن مسؤولين يمنيين بدأوا هذا الشهر في واشنطن محادثات مع وزارة الخارجية ترمي إلى إيجاد وسيلة لنقل عشرات من الفائزين اليمنيين في القرعة إلى الولايات المتحدة رغم حظر السفر.

وقال بن مبارك "هم في ماليزيا منذ أكثر من ستة أشهر وباعوا كل شيء في اليمن. ونحن نبذل كل ما في وسعنا".

وقال محمد الحضرمي الدبلوماسي بالسفارة اليمنية في واشنطن إن المسؤولين الأمريكيين قالوا إنهم سيعملون مع الحكومة الأمريكية لمساعدة من يتأهل للحصول على إعفاء من حظر السفر وذلك على أساس كل حالة على حدة.

وامتنع متحدث باسم وزارة الخارجية عن التعليق على سير التعاون الأمريكي مع اليمن في هذه المسألة.

* انتظار

ليس من الواضح بالضبط كم عدد الفائزين في القرعة الذين أصبحوا عالقين الآن بسبب حظر السفر الذي يشمل مواطني إيران وليبيا والصومال والسودان وسوريا إلى جانب اليمن غير أن عدد مواطني الدول الست الذين فازوا في القرعة عام 2015 يفوق 10000 حصل 4000 منهم في نهاية الأمر على التأشيرات.

وقدم مسؤولون يمنيون لرويترز قائمة بأسماء اليمنيين الفائزين في القرعة وأغلبهم في ماليزيا كما قدموا تلك القائمة لوزارة الخارجية. وأوضحت القائمة أن 58 يمنيا ما زالوا ينتظرون ردا على طلباتهم وبعضهم ما زال يخضع لفحوص أمنية منذ أكثر من ثمانية أشهر.

وامتنعت وزارة الخارجية عن التعليق على الأرقام لكن بيانات الوزارة توضح أن 206 يمنيين حصلوا على تأشيرات في إطار البرنامج في الفترة بين مارس آذار ويونيو حزيران.

وفي أعقاب صدور قرار المحكمة العليا في 26 يونيو حزيران قال مسؤولون بوزارة الخارجية للفائزين في القرعة من الدول الست إن تأشيراتهم لن تصدر خلال فترة سريان الحظر التي تستمر 90 يوما ما لم يستطيعوا إثبات وجود أقارب أو صلات وثيقة بأفراد أو مؤسسات في الولايات المتحدة وذلك وفقا لرسالة بالبريد الإلكتروني اطلعت عليها رويترز.

ويعمل المسؤولون اليمنيون على مساعدة الفائزين في القرعة من مواطنيهم في إثبات تأهلهم للحصول على إعفاء من الحظر وقال الحضرمي إنهم يسعون أيضا للحصول على إعفاء لمن ليس لهم أقارب.

ومن اليمنيين العالقين في ماليزيا رفيق أحمد السناني المزارع البالغ من العمر 22 عاما الحاصل على شهادة التعليم الثانوي. وقد سافر إلى ماليزيا في ديسمبر كانون الأول في رحلة كان من مراحلها سفر بالحافلة لمدة 22 ساعة ثم السفر جوا إلى مصر ومنها إلى قطر ثم إلى ماليزيا.

قال السناني وهو أحد تسعة إخوة وأخوات لأسرة من محافظة إب في شمال اليمن "كنت أول واحد في عائلتي يتقدم للقرعة. وأريد أن أسافر إلى الولايات المتحدة لأتعلم اللغة الانجليزية وأواصل دراستي".

وأضاف السناني أنه اضطر لاقتراض عشرة آلاف دولار لسداد نفقات الرحلة إلى ماليزيا ونفقات المعيشة. وقد استسلم لمصيره وهو ينتظر سماع نتيجة الطلب الذي تقدم به قائلا "ما الذي يمكن أن أفعله؟ سأتقبل الواقع".

زر الذهاب إلى الأعلى