[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]
تقارير ووثائق

عطلة طلاب اليمن... لا وقت للعب

واظب الطالب عبدالله مفتاح (16 عاما) على بيع الخضروات في عربته الصغيرة المتجولة في أسواق وشوارع العاصمة صنعاء منذ اليوم الأول التي انتهى فيه العام الدراسي. علامات التعب تظهر واضحة في وجه مفتاح، يدفع العربة بيديه الصغيرتين لتتجاوز الحفر والمطبات التي تعيق سيرها، يقول: "أحتفظ بهذه العربة طوال العام الدراسي في المنزل، وعندما تبدأ العطلة الصيفية، أنطلق إلى الشارع للبحث عن رزقي". مشيرا إلى أنه يعمل طوال ساعات النهار ليكسب ربحا بسيطا أحيانا لا يتجاوز الـ400 ريال يمني (دولارا ونصف دولار أميركي).

يؤكد عبدالله أنه ينتظر إجازة الصيف بفارغ الصبر، ليس من أجل الحصول على مزيد من الوقت للعب أو المرح أو حتى النوم، بل من أجل العمل لتوفير ما يساعد تلبية احتياجات أسرته المكونة من خمسة أشخاص. يضيف: "كان والدي يعمل حارس أمن في شركة تجارية، لكن الشركة أفلست وتخلت عن العاملين معها، وكان لا بد أن أقوم بواجبي في مساعدة والدي". لافتا إلى أنه انتقل للصف الأول الثانوي، وأنه يدخر جزءا مما يربحه لأيام الدراسة وشراء المستلزمات المدرسية. "أشتري الزي المدرسي والكتب والكراسات والأقلام وكافة مستلزمات المدرسة مما أكسبه كل عام، فالعمل يساعدني على توفير أموال لشرائها".

أما الطالب خالد داؤود، فهو يعمل في العطل الصيفية منذ صغره، وليس كنتيجة لتصاعد الحرب مؤخرا في اليمن. يقول: "منذ الصف الأول الابتدائي بدأت العمل في بيع مناديل الجيب أو أزهار الفل العطرية أو إكسسوارات السيارات لسائقي السيارات في الطرقات". مشيرا إلى أنه تجاوز هذا العام المرحلة الإعدادية وهو مستمر على العمل خلال عطلته الصيفية.

العمل مدرسة أخرى 
ويحرص حميد عبدالله على الدفع بأبنائه الأربعة إلى سوق العمل ليمارسوا مهنا مختلفة في العطلة الصيفية. فهو يرى بأن ممارسة الأعمال والاحتكاك بالناس يكسبهم مهارات لا يستطيعون الحصول عليها في المدارس أو في المنزل. يقول: "لا أحتاج للمال الذي يحصلون عليه، لكن العمل في الصغر مدرسة أيضا، ولذا أحرص على أن يعمل أبنائي في أعمال مختلفة كي يكتسبوا مهارات مختلفة تساعدهم على مواجهة صعوبات الحياة مستقبلا". مشيرا إلى أنهم يحتفظون بكل ما يحصلون عليه من مال وأن أحدهم استطاع أن ينجز مشروعا صغيرا خاصا به يدر عليه المال.

يضيف: "أحد أبنائي يدرس في الصف الثالث الثانوي، وهو اليوم يملك دراجة نارية يعمل بها لنقل الناس من مكان إلى آخر. وهذا العمل يدر عليه أموالا بشكل يومي قد لا يحصل عليها رجال متزوجون لديهم أسر وأولاد". ويتساءل: "هل من الأفضل أن يبقى أبنائي في المنزل يقتلهم الفراغ بلا عمل؟ هذا ليس لصالحهم على الإطلاق".

وحول ما إذا كان العمل في العطلة الصيفية يقلل من فرص إمكانية حصول أبنائه على تحصيل علمي أفضل، يقول عبدالله: "لم يتعثر أحد من أبنائي في المدرسة من قبل، لكن أحد الأشياء التي كنت أنصحهم بها هو أن يخصصوا وقتا مستقطعا من عطلتهم الصيفية لأخذ دروس إضافية في تعليم اللغة الإنكليزية لكي تفيدهم في المستقبل".

إلى ذلك، اتسعت ظاهرة عمالة الأطفال بشكل كبير جراء الحرب والأوضاع الاقتصادية السيئة التي تمر بها البلاد. وتأخذ عمالة الأطفال في اليمن أشكالا عديدة، على رأسها تشغيلهم وتسخيرهم في أعمال غير مؤهلين جسدياً ونفسياً لها. ويعتبر كثير من أولياء الأمور، خصوصاً في الريف، أن تشغيل الأطفال شكل من أشكال التعليم الذي يجعلهم يتأقلمون في وقت مبكر مع مهام الحياة الصعبة رغم ما يتعرضون له من أضرار بسبب ذلك مثل البتر والكسر والحرق، خصوصاً مع استخدامهم أدوات حادة في النجارة وميكانيك السيارات وصيانة الكهرباء وغيرها.

ويعمل معظم أطفال اليمن في الزراعة بنسبة 65.1 في المائة في المناطق الريفية. ويجد أولياء أمور الطلاب في الأرياف العطل الصيفية فرصة حقيقية للاستفادة من أبنائهم في فلاحة الأرض ورعي الأغنام.

مراكز صيفية مغلقة 
من جانبه، يرى وكيل مدرسة قتيبة بن مسلم الحكومية بصنعاء، فائز الغزالي، بوجود أسباب كثيرة تدفع الطلاب إلى ممارسة أعمال مجهدة لا تتناسب مع أعمارهم أو قضاء عطلتهم الصيفية في ممارسة أنشطة وسلوكيات غير مناسبة. لكنه يؤكد أن أهم هذه الأسباب هو الفقر وانعدام الأنشطة الصيفية المناسبة والتي كانت تتلقف الطلاب في ساعات الفراغ الطويلة في العطلة الصيفية.

وقال الغزالي ل "العربي الجديد" بأن المراكز الصيفية متوقفة منذ ثلاثة أعوام بسبب عدم رصد ميزانية لها من قبل وزارة التربية والتعليم، مشيرا إلى استحالة عودتها في الوقت الراهن في ظل استمرار الحرب. ويتساءل: "كيف سيتم فتح المراكز الصيفية للطلاب وهم لم يكملوا العام الدراسي على النحو المطلوب في الأصل بسبب قلة الإمكانات؟!". لافتا إلى أن المراكز الصيفية تأتي تكملة للعام الدراسي، حيث تقدم أنشطة متنوعة هادفة تشغل أوقات فراغ الطلاب أثناء الإجازة الطويلة، بالنفع والفائدة واكتشاف مواهبهم وإكسابهم مهارات جديدة بدلا من التحاقهم بالجماعات المتطرفة أو المتقاتلة في البلاد أو التحاقهم بسوق العمل بما لا يتناسب مع أعمارهم.

وكانت الحرب التي زادت وتيرتها منذ مارس/آذار 2015، قد أدت إلى توقف كثير من الأنشطة التي كانت تستهدف دعم الطفل العامل. فقد كان البرنامج الدولي للقضاء على عمل الأطفال التابع لمنظمة العمل الدولية على وشك الانتهاء من تحديث خطة العمل الوطنية لمكافحة عمالة الأطفال في اليمن بأنشطة توعوية وتدريبية واقتصادية لأسر الأطفال العاملين للتقليل من عمالة الأطفال.

ويبلغ عدد الأطفال في سن التعليم (بين 5 و17 عاماً) 7.7 ملايين طفل يمثلون 34 في المائة من إجمالي عدد السكان. وكانت دراسة عن عمالة الأطفال في الدول العربية تعود إلى عام 2015 قد أشارت إلى أن اليمن تصدرت القائمة بتسرب 1.8 مليون طفل من التعليم، والتحاق 1.6 مليون طفل بسوق العمل.

وأكدت الدراسة الصادرة عن منظمة العمل الدولية التابعة للأمم المتحدة، بأن معظم هؤلاء الأطفال يجمعون ما بين الدراسة والعمل. مشيرة إلى أن معظم الأطفال الذين يجمعون ما بين التعليم والعمل يحصلون على درجات متدنية، بعكس أقرانهم غير العاملين. الجدير بالذكر أن اليمن وقّع على اتفاقية حقوق الطفل، التي تجرم عمالة الأطفال في الأول من سبتمبر/ أيلول 1990.

زر الذهاب إلى الأعلى