تقارير ووثائق

بعد عام من فشل مشاورات الكويت: الجهود الأممية تركز على الحديدة

بعد مرور عام على اختتام مشاورات السلام اليمنية في الكويت، ما تزال العملية السياسية، التي ترعاها الأمم المتحدة، تراوح بين المبادرات والمقترحات التي لا تجد صدى يعيد الأطراف إلى طاولة التفاوض، بعد أن كانت الكويت المحطة الأبرز لاختبار جهود السلام الدولية، وقدرة الأطراف اليمنية على تقديم التنازلات لإنهاء المأساة التي تمر بها البلاد، منذ ما يقرب من عامين ونصف العام.

وأكدت مصادر قريبة من الأمم المتحدة، أخيراً، أن المبعوث الأممي إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، كثف من اتصالاته وجهوده الهادفة إلى إحياء مسار المفاوضات اليمنية، من خلال عقد لقاءات في عواصم متفرقة، بما فيها العاصمة العُمانية مسقط، والتي كانت منذ الشهور الأولى للحرب في البلاد، بمثابة نقطة الوصل/الوساطة بين الأمم المتحدة وجماعة أنصار الله (الحوثيين) وحلفائها من حزب المؤتمر، الذي يترأسه علي عبدالله صالح. ومن مسقط أعلن ولد الشيخ عن لقاءات مكثفة تشهدها المنطقة بدأت الأسبوع الماضي وتستمر خلال الأسبوع الحالي، لتنشيط عملية السلام.

وجاءت تحركات الأمم المتحدة الأخيرة، بدعم أميركي واضح، إذ تزامنت مع تصريحات للسفير الأميركي في اليمن، ماثيو تولر، هي الأولى منذ تسلم الرئيس الأميركي، دونالد ترامب الحكم في بلاده، وتحدث فيها عن دعم بلاده القوي للجهود التي تتولاها الأمم المتحدة، بما فيها المقترح المقدم من ولد الشيخ أحمد، حول إيجاد آلية للإشراف والرقابة على ميناء الحديدة، الواقع تحت سيطرة الحوثيين، والذي يعد المرفأ الأول في البلاد. وعلى الرغم من الدعم الدولي القوي الذي تتمتع به هذه التحركات الأممية، إلا أنها لا تلقى تجاوباً واضحاً من قبل الأطراف المعنية، خصوصاً من قبل الحوثيين وحلفائهم في حزب صالح، بما يخص مقترحات "ميناء الحديدة".

ويعود ذلك إلى جملة من الأسباب، أبرزها في واقع الأمر، مسيرة أكثر من عامين من الجهود السياسية التي تقودها الأمم المتحدة، لإنهاء الحرب في البلاد، من دون أن تصل إلى نتيجة. وفي السياق، تأتي هذه التحركات، بعد عام كامل، على اختتام مشاورات السلام في الكويت، والتي كانت أبرز محطة لمفاوضات الحل السياسي في اليمن منذ بدء الحرب، وتوفرت لها من عوامل النجاح ما جعل أغلب التصريحات للمسؤولين اليمنيين والإقليميين والدوليين تذهب إلى أن الفشل ليس خياراً مطروحاً لهذه الجولة من المشاورات، وإنما نسبية النجاح.

ومن أبرز العوامل التي جعلت مشاورات الكويت أهم محطة سياسية خلال أكثر من عامين من الحرب الدائرة في البلاد، أنها جاءت مسبوقة بتفاهمات حوثية - سعودية على هدنة حدودية، بالإضافة إلى اتفاق على وقف إطلاق النار سبق انطلاق المفاوضات بأكثر من أسبوع، سبقه تشكيل "لجنة التنسيق والتهدئة"، وتتألف من ممثلين عن الطرفين ومن مشرفين أمميين، ومهمتها الإشراف على وقف إطلاق النار. وفيما كانت الأمم المتحدة رعت قبل ذلك جولتي مفاوضات، الأولى في جنيف في يونيو/حزيران 2015 والثانية في بيل السويسرية في ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه، جاء انطلاق مشاورات في إبريل/نيسان 2016 في الكويت العضو في التحالف الذي تقوده السعودية.

وأعلنت الكويت تقديمها كامل الدعم لإنجاح هذه المفاوضات، لتستمر حتى 30 يونيو من العام ذاته. وبعد عودة الأطراف من إجازة العيد، والتي استمرت لمدة أسبوعين، كان واضحاً أن الآمال بالنجاح قد تراجعت إلى حد كبير، ما جعل الكويت تمنح مهلة أسبوعين لاستكمال المفاوضات، ثم مددت أسبوعاً، بطلب من المبعوث الأممي، انتهى في الأسبوع الأول من أغسطس/آب.

وبعد مفاوضات لأكثر من 90 يوماً، انتهت رحلة مشاورات الكويت، دون تحقيق أي تقدم بالوصول إلى حل، إذ ظل كل طرف يتمسك برؤيته، بين مطلب الشرعية الذي يتضمن انسحاب الحوثيين وحلفائهم من صنعاء ومدن أخرى وتسليم السلاح قبل أي ترتيبات سياسية، وبين مطلب الأخيرين الذي يتضمن التمسك بالوصول إلى اتفاق يتضمن ترتيبات سياسية وتشكيل حكومة تتولى الإشراف على الانسحابات وغيرها من الخطوات، التي لم يصل الطرفان حولها إلى اتفاق. ومع انتهاء مشاورات الكويت، كان التصعيد العسكري قد بدأ يعود إلى فترة سابقة لاختتامها، وظل الأمر كذلك، في أغلب المراحل اللاحقة، التي وصلت معها الأزمة الإنسانية إلى مرحلة غير مسبوقة، ظهرت معها المجاعة التي تهدد الملايين، وخصوصاً مع قرار الحكومة الشرعية، في سبتمبر/أيلول العام الماضي، نقل مقر البنك المركزي اليمني من صنعاء إلى عدن، وعجز سلطات الأمر الواقع التابعة للحوثيين عن دفع مرتبات ما يزيد عن مليون موظف حكومي. وعلى الرغم من أن التصعيد العسكري، كان سيد الموقف، إلا أن ذلك، لم يعدم المحطات السياسية. ففي 25 أغسطس 2016، أطلق وزير الخارجية الأميركي السابق، جون كيري، مبادرته الشهيرة من جدة السعودية. وبعد أخذ ورد، جرى استيعاب أبرز مضامينها فيما سُمي "خارطة الطريق"، التي أعدها المبعوث الأممي إلى اليمن، وأعلنها في أكتوبر/تشرين الأول العام الماضي، ولاقت ترحيباً مبدئياً أو جزئياً من قبل الحوثيين وحلفائهم، فيما رفضتها الحكومة الشرعية، وأطلقت عليها مختلف أوصاف الرفض.

منذ بدء العام الحالي، وبعد صعود إدارة أميركية جديدة، كانت جهود الأمم المتحدة قد تراجعت إلى حد كبير، وفقدت جزءاً من بريقها بعد سلسلة الجولات والمحطات الفاشلة خلال العام الماضي. ورفض الانقلابيون في صنعاء، منذ فبراير/شباط الماضي، التجاوب مع المقترحات الأممية، واتهموا المبعوث الأممي بالانحياز إلى التحالف أو ما يصفونه ب"العدوان"، بعد أن كان نقل البنك إلى عدن، وعدم معارضة الأمم المتحدة لعملية نقله، أحد الاختبارات التي جعلت الحوثيين وحلفاءهم يعارضون مقترحاتها الأخيرة. وفي الشهور الأخيرة، توصلت الجهود الأممية إلى وضع مقترحات حول "ميناء الحديدة"، الذي يعد الوحيد الواقع تحت سيطرة الحوثيين وكان التحالف والحكومة الشرعية أعلناه هدفاً عسكرياً لعملياتهما في الساحل الغربي، إلا أن الأمم المتحدة عارضت ذلك وقدمت مقترحاً يتضمن آلية للإشراف والرقابة على الميناء وتحصيل إيراداته إلى جهة مستقلة، وهو الأمر الذي رفضه الحوثيون وحلفاؤهم، ليبدو واضحاً أنه لم يعد بالإمكان تكرار الفرص السابقة. وحتى الكويت ترفض استضافة أي مفاوضات مجدداً، وإنما تبدي الاستعداد لاستضافة "التوقيع"، إذا توصلت الأطراف اليمنية إلى اتفاق.

 

زر الذهاب إلى الأعلى