آراء

محنة اليمنيين في الحصول على الخدمات

في الخارج تصل درجة الحرارة لأكثر من 45 درجة مئوية وأنا استمع إلى إمرأه حامل تدعى سميرة تعيش في مدينة عبس في محافظة حجة شمال اليمن والتي إجتاحها بشدة وباء الكوليرا المتفشي حديثاً في البلاد وهي تخبرني عن تجربتها عندما أصيب زوجها بالكوليرا فمنذُ أسابيع قليلة مضت بدأ زوجها بالتقيؤ وعانى من الإسهال بعد ان أخذ قريبه المصاب بالكوليرا إلى مستشفى عام لتلقي العلاج. تناول عندها محلول الإرواء والذي يعد أساسيا لمنع حدوث الجفاف ولكن حالته أزددات سوءً وتكمل سميرة حديثها "لقد كنت قلقة ولا أعلم كيف أقي نفسي من وباء الكوليرا في حين أني اعتني بزوجي المصاب بها ولحسن الحظ كان هناك متطوعين من منظمة أوكسفام الذين قدموا لي النصائح للوقاية من الكوليرا"، سميرة وزوجها لم يثقا بالعلاج المتوفر في المستشفى العام وقررا الذهاب إلى عيادة خاصة وبعدها بأيام قليلة تحسنت حاله زوج سميرة ولكن تكلفة العلاج المكلفة جعلت حالتهم المالية غير المستقرة أكثر سوءً وقبل نزوح سميرة إ إلى عبس كانت تعمل مدرسة في محافظة تعز ولكنها لم تستلم راتبها منذُ عده أشهر أما زوجها فهو حالياً بدون أي مصدر دخل. وتعد مسألة الوثوق في خيارات العلاج المتوفر أمر بمنتهى الحساسية بالنسبة للعائلات عندما تضطر إلى أخذ القرار إما إرسال الفرد المريض من العائلة إلى المستشفى أو لا – حفاظاً على أنفسهم من الكوليرا المتفشية. فالعادات و التقاليد و العلاج تحتفظ بنفس القدر من الأهمية. فعلى سبيل المثال بعدها ببضعة أيام وأنا برفقه فريق الصحة العام في محافظة عمران والتي بها أكثر من ثمانية وأربعون ألف حاله تُشتبه إصابتهم بوباء الكوليرا حتى الآن كما شهدت المحافظة وفاه مائه وخمسون حاله ونحاول جاهدين تشجيع المواطنين على إعطاء محلول الإرواء لذويهم المصابين بالكوليرا والرجوع إلى مركز العلاج في حال لم تتحسن حالاتهم – وهما عاملان هامان جدا للتقليل من و منع إنتشارهذا الوباء. وقد علمنا مؤخرا أنه في بعض المناطق يعتمد الأشخاص أولا العلاج بالأعشاب الطبيعية – وقد ساعد ذلك المرضى في حالات قليلة؛ لكنها في حالات أخرى أخرت عملية إستعادة سوائل الجسم و أزدادت الحالات سوءً. ويعد العلاج الطبيعي أمراً يعتمد عليه الناس كثيراً في حل مشاكل صحية أقل خطورة: كالحمى وآلم المعدة والإسهال أو الصداع، لكن و منذُ تفشي الكوليرا أصبح عدد متزايد من السكان المتضررين يدركون أهمية محلول الإرواء ، ويخبرني ضابط تعزيز الصحة العامة في منظمة أوكسفام انه كان هناك أربع حالات مصابة بالكوليرا في هذه القرية وقد توفت حالة واحدة منهم. وقالت "لذلك فإن الأشخاص هنا يخافون من الإصابة بوباء الكوليرا ويعملون ما بوسعهم للوقاية منها"، لكنه وفي بعض الحالات لا يكون المحلول متوفراً في السوق المحلية أو أن الأشخاص لا يملكون المال للتنقل والذهاب إلى السوق في المقام الأول.

ولقد علمنا أنه كان بالأمكان إنقاذ حياه الكثيرين ممن هم في محافظتي عمران وحجه إذا كان قد تم جلب العلاج للمناطق القريبة من تلك التي تفشت فيها الكوليرا. فعلى سبيل المثال في قرية الوادي القريبة من مديريه خمر في محافظه عمران يخبرني الأشخاص هناك أنهم يضطرون إلى بيع مدخراتهم القليلة المتبقية كالمجوهرات والخناجر التراثية من أجل أخذ ذويهم المصابين بالكوليرا إلى مركز العلاج والبعض يستدين لأجل ذلك. وفي تقرير لمنظمة أطباء بلا حدود في وقت سابق من شهر يونيو الماضي 2017 يشير إلى انه كان يتم تشخيص أكثر من أربع مائة حالة مصابة بالكوليرا كل يوم في مركز العلاج في مدينه عبس وقد أخبرني أحد موظفي المنظمة أن هناك حاجة ملحة للدعم للقيام بإنشاء نقاط إماهه (محلول الإرواء) حيث يمكن للناس الوصول والحصول على المحلول بسرعة والرجوع إلى تلقي المزيد من العلاج إذا تطلب الأمر. ولكن الإستجابة لهذا الأمر أعيقت بسبب التخليص الجمركي للمواد القادمة من خارج البلاد وعدم توفر المواد اللازمة في الأسواق المحلية والحصول على موافقات متضاربة من أجل وصول المواد إلى جميع أنحاء البلاد. بالإضافة إلى أن الوصول إلى المناطق التي يتفشى فيها وباء الكوليرا بصورة كبيرة يشكل تحدياً حقيقياً.

كمنطقة حرض التي هرب منها العديد من الأشخاص بسبب الصراع الدائر هناك ولكن ما يزال هناك أكثر من خمسين ألفاً ممن هم في حاجة إلى مساعدة عاجلة. ولكن خطر استهداف حملات توزيع المعونات والمساعدات الأخرى من قبل الضربات الجوية قائم ولن نكون قادرين على تقديم الدعم مما يجعل الحصول على تصريح أمني أو تصريح سفر أمراً بالغ الصعوبة.

وهناك مناطق أخرى يمكن الوصول إليها بعد مفاوضات طويلة مع أصحاب المصلحة ولكنها لا تكون مضمونه في بعض الأحيان. من جانب أخر يحاول فريقنا تطوير حلول ابداعية ويقدم المساعدة بأفضل طريقة ممكنة. فهم مثلاً يعملون مع وزارة الصحة في اختيار من سيعملون في مجال الصحة المجتمعية والذين سينخرطون في مجال الاستجابة لوباء الكوليرا. ويتم تدريب هؤلاءِ الأشخاص في أماكن يسهل الوصول إليها لتعزيز التدابير الوقائية في مجتمعاتهم. ويتم تزويدهم بالمزيد من أكياس الكلور لجعل الماء صالحاً للشرب بالإضافة إلى معدات الفحص لضمان جودة المياه المعالجة. وتعتبر اليمن من الدول التي تعاني من شحة المياه وعدم توفر المياه الآمنة يعد السبب الرئيسي في تفشي الإصابة بوباء الكوليرا الذي يجتاح البلاد.

وفي منطقة حجة في بني حسن تحديداً في أحد مخيمات النازحين تقابلت مع محمد أحد المتطوعين من منظمة أوكسفام. وأخبرني أنه كان يعمل متطوعا مع أوكسفام في حرض قبل خمس سنوات ولكنه اضطر إلى الهروب بسبب الصراع ومنذ تفشي الكوليرا أصبح فحص جودة المياه واحدة من مهماته الرئيسية.ويضيف محمد " كل يوم أقوم بمتابعة المياه التي تصل عن طريق الشبكة لأعرف إذا ما كانت صالحه للشرب وأقوم

بفحص جودة المياه في الخزانات المشتركة و المنزلية أيضاً". وسألته إذا ما كان الناس يسمحون له بالقدوم إلى خيامهم والقيام بفحص المياه فأجابني أن "الناس هنا يعرفونني جيداً ويثقون بي".

أما في المناطق التي يصعب الوصول إليها فالأشخاص يمتلكون هواتف محمولة وهناك شبكة انترنت أيضا ولقد قام فريق الصحة العامة في المنظمة بإنشاء مجموعة واتس اب تضم مجموعة كبيرة من المتطوعين. ويقوم هؤلاءِ المتطوعين في كثير من الأحيان بإرسال صور لتوثيق نشاطاتهم أو الإبلاغ عن حالات جديدة. ومن جهته يقوم فريقنا بالتواصل مع المتطوعين بشكل يومي والرد على الاستفسارات المختلفة وابلاغ وحدة التعامل مع الأوبئة في المديرية عن الحالات الجديدة ويقومون بتزويدهم بالنصائح الفنية والمخاطر الصحية التي تعزز انتشار الوباء.

هذه هي المرة الثالثة التي أسافر فيها إلى اليمن من أجل دعم البرنامج الإنساني لمنظمة أوكسفام ففي العام 2011 كان برنامج الصحة العامة لدينا ينظر في مسألة زيادة الاصابة بسوء التغذية الناجمة عن الأزمة الاقتصادية والسياسية وزيادة مستوى الفقر. وعدت في العام 2015 بعد أشهر قليلة من اندلاع الصراع للعمل على توصيل المياه والنظافة والصرف الصحي في محافظة تعز والتي تأثرت بشدة من الصراع الدائر في البلاد حيث قطعتٍ المعونات الضرورية عن أكثر من مائه ألف شخص هناك. وبعد عامين ازداد الوضع سوءً بتفشي وباء الكوليرا مع تفاقم حده الحرب التي مزقت البلاد وعلى الرغم من أننا نشهد انخفاضاً واضحاً في عدد حالات الإصابة بالكوليرا إلا ان الحالات المشتبه بإصابتها بالكوليرا وصلت لأكثر من نصف مليون حاله ، 503000 حالة اعتباراً من 13 أغسطس.

ايفا نيدربيرجر مستشار تعزيز الصحة العامة ، عادت من اليمن بعد زيارة دامت ثلاثة أسابيع

زر الذهاب إلى الأعلى