محسن وصالح.. وحكاية "الرقم الصعب"!
قضيت وقتاً طويلاً في تأمّل العلاقة بين علي عبدالله صالح وعلي محسن الأحمر كرجلين من قرية واحدة ارتبطت بهما تحولات اليمن لعقود، كانا زميلي "مِعلامة"، ثم شريكي سلطة، ثم خصمين أدى اختلافهما إلى انشطار نظام كانا ركنيه البارزين.
حاولتُ عبثاً أن أقف على مسافة واحدة من الرجلين رغم تعرفي أكثر على الفريق الأحمر، وأيّدت معه الثورة ضد صالح حينما أيقنت أن بقاء النظام صعب وقد صار أحدهما في معرض إزاحة الآخر.. بعد ذلك حاولت من تلقاء نفسي القيام بوساطة بينهما بعد أن بدأ حصاد إزاحة صالح يصب في خانة قوى الإمامة. زرت صالح في بيته بمنطقة "الثَّنيّة" في سبتمبر 2013، مذكّراً إياه أن ما يجمعه بمحسن لايزال أكبر مما يفرق بينهما رغم كل الذي حدث، لكن صالح بدا عازماً على الانتقام وقد أجابني بالقول إن محسن ليس رقما صعبا حتى يتحالف معه، وأنه مجرد جنرال صنعته أحداث المناطق الوسطى وما بعدها..
في اليوم التالي بدا محسن متلهفاً لمعرفة نتائج لقائي بصالح بعد أن نشرت معظم المواقع خبر لقائي بصالح، وما إن أخبرته برد صالح ورأيه في محسن حتى قال لي هذا هو رأيه من زمان.
أحد المقربين من محسن قال لي بعد اللقاء ليتك لم تخبره بما قال صالح حتى لا تنقطع فرص التوفيق بين رجلين يقفان على نفس الثوابت ويختلفان في السياسات والمصالح. وللأمانة فقد ألفيت محسن أكثر حرصا على تقديم التنازلات في سبيل تجنيب البلاد ما هو أسوأ.
بعدها جاءت محاولة السعودية للتوفيق بين الرجلين في جامع الصالح ومعروف يومها حماس محسن لمصالحة صالح وإعراض الأخير عن مصافحته..
المهم أنني بعد الاستماع للرجلين عن قرب بدأت أقرأ سيرورة الأحداث وعناوين الأخبار بشكل مختلف بعد أن تيقنت أن روح القبيلي البسيط تسكن كليهما وأن أعراف التزاحم الشخصي تتحكم فيهما مثلما تتحكم بأي صديقين اجتمعا ثم افترقا ويريد كل منهما الإثبات للآخر أنه ليس ذلك الضعيف الذي في ذهن صاحبه.. عناوين ومانشتات صحيفة "اليمن اليوم" كان يضعها صالح بنفسه بعد كل جولة انتقام ليوصل رسالة لمحسن أني أنا الرقم الصعب.. ومنها جاء على سبيل المثال، عنوان "الصعب يحتفل بعيد ميلاده"، ذلك المانشيت الذي قوبل حينها بسخرية واسعة جراء احتماله معاني عكسية لمبتغى صالح.
أثبت صالح طيلة 2013 والعام الذي يليه أنه صعب المراس وأنه منتقم محترف وتوارى علي محسن في مثل هذا الأسبوع قبل 3 سنوات بعد اقتحام الحوثيين صنعاء بمساعدة صالح، وظل متوارياً إلى الحد الذي ظن فيه العديد من الناس أن التاريخ السياسي لمحسن انتهى عند ذلك الحد.
جاءت عاصفة الحزم لتحمل أقداراً جديدة للرجلين معاً، وانصرم العام الأول ومحسن لا تأثير له على الأحداث ولا منصب يستطيع من خلاله فعل شيء، في حين أجاد صالح استظهار عضلاته السياسية والعسكرية، وما إن قام الرئيس عبدربه منصور هادي بتعيين محسن نائبا له وترقيته إلى رتبة فريق حتى بدأ العد العكسي لصالح وأخذ نجم محسن في الصعود الواثق مجدداً، إلى الحد الذي صارت أخباره تملأ الفضائيات وتحركاته اليومية لا تنقطع في حين يضيق خناق الحوثيين على صالح بشكل يثير الشفقة.
بالكاد يظهر صالح اليوم في قناة تابعة له ويستجدي الحوثيين مجرد ظهور على القنوات الرسمية التابعة لانقلاب هو شريك أساسي فيه، بينما تنقل نحو 8 فضائيات يمنية وأخرى عربية، الأخبار الاعتيادية لمحسن الذي يبدو مجال الحركة أمامه مفتوحا في الداخل والخارج بصك شرعي ناصع الوضوح، بينما ينزوي صالح في أضيق الأماكن وتحركاته المحدودة أقرب للمجازفات.
لقد قامر صالح بالثوابت في معرض انتقامه ممن أزاحوه من هرم السلطة، وهو يحاول الآن استعادتها في الدقائق الأخيرة من الوقت بدل الضائع.. لقد أدخل صالح البلاد في أتون محرقة كبيرة ضمن برنامج انتقامه الذي تقول المؤشرات أنه سيكون ضحيته الأبرز. بينما بدا محسن على المستوى الشخصي والسياسي أنه أبعد الضحايا عن انتقامات صديقه لأنه حسب ظني، لم يدر اللعبة وفقا لحساباته الشخصية وثاراته الخاصة، بل كان يراجع قائمة المكاسب والخسائر الوطنية في أي خطوة يخطوها، ولايزال أمامه الكثير ليفعله في سبيل انتشال البلاد من تبعات المقامرة التي أدخلت الجميع هذا النفق الطويل.
طال الزمن أو قصر، سيغادر الرجلان وغيرهما مشهد السياسة، ولن يتذكر التاريخ إلا الرجال الذين كانوا أكثر نكراناً للذات وأكثر حرصا على اليمن. والمهم اليوم بالتأكيد، ليس رصيد هذا أو ذاك من جولات التفوق أو الانكسار بقدر أن المهم اليوم هو كيف يستجمع اليمنيون كل قواهم لإزاحة الكابوس الأكبر الذي جثم على البلاد وصعد على عاتق كل تلك الأخطاء. ومصير هذا الكابوس أن ينقشع، وحريٌّ بنا في سبيل ذلك أن نقرأ مقدماته بإمعان، وأن نتجنب الأخطاء "الصغيرة" التي حملته من الكهف إلى القصر.