استفتاء إقليم كردستان العراق يلقي بظلاله على جنوب اليمن: الشبه والاختلاف
ألقت تطورات استفتاء إقليم كردستان العراق بظلالها على نقاشات اليمنيين حول الوحدة والانفصال، في ظل الوضع الذي آل إليه اليمن في السنوات الأخيرة، إذ بات انفصال الجنوب والشرق هو الأقرب إلى الواقع، بدعم، أو بضوء أخضر على الأقل، من التحالف، الذي تتولى الإمارات واجهته في جنوب اليمن، مع بروز مقارنات بين الحالتين اليمنية والعراقية، والآثار المتوقع أن يتركها استفتاء كردستان على مشروع انفصال جنوب اليمن.
وشهدت الأيام القليلة الماضية نقاشات يمنية ساخنة، تفاعلاً مع استفتاء كردستان رصدها "العربي الجديد". وتباينت الآراء فيها، أولاً بالموقف من الاستفتاء ذاته، بين من دافع عن الخطوة واعتبرها حقاً لشعب كردستان، وبين من رأى أنها تأتي في سياق يستهدف إعادة تقسيم المنطقة، وأن الأكراد أنفسهم قد يتضررون من الخطوة، بالنظر للظروف والعوامل المحيطة بهم، وصولاً إلى الانقسامات الداخلية. على صعيد الربط بما يشهده اليمن، رأى العديد من اليمنيين أن استفتاء كردستان قد لا يكون من فراغ، وأنه الخطوة الأولى في سياق التقسيم الذي يستهدف، في ما يستهدف اليمن، مشيرين إلى ما يتردد عن دور إماراتي في كردستان، مع وجود أبو ظبي على رأس الداعمين الإقليميين، على نحو فعال، للتيارات المطالبة بانفصال جنوب اليمن عن شماله، وإن كان الموقف الرسمي المعلن إماراتياً، يؤكد على دعم وحدة اليمن واستقراره.
في غضون ذلك، برزت المقارنات بين الحالتين اليمنية والعراقية، إذ نظر بعض الجنوبيين المطالبين بالانفصال إلى استفتاء كردستان على أنه "خطوة إيجابية"، تستدعي التحرك لجنوب اليمن في ذات الاتجاه، فيما تحفظ آخرون إزاء المقارنة، بما في ذلك، نائب رئيس ما يُسمى ب"المجلس الانتقالي الجنوبي"، القيادي السلفي المدعوم من أبوظبي، هاني بن بريك، والذي قال في تصريح إن "الاستفتاء خيار الأكراد، أما نحن فخيارنا كان التحرير، لأن أرضنا اجتيحت عنوة، مع إعجابنا بإرادة الأكراد، لكن الأمر يختلف معنا، فالشعب قرر التحرير". وأبدى بن بريك، الذي يعتبر الرجل الثاني في "المجلس الانتقالي" الذي تأسس في مايو/أيار الماضي بدعم إماراتي في عدن، رفضه لفكرة الانفصال عبر الاستفتاء. وقال، على صفحته على موقع "تويتر"، "تسعى جهات مشبوهة لإقناعنا (أي في جنوب اليمن) بصلاحية الاستفتاء وتروج له لنتنازل عن دولتنا، واستحسنه بعض الطيبين ثقة منهم بالشعب، ولكنها لعبة القوم التي يجيدونها".
ومن زوايا المقارنة الأساسية، فإن القضية بالنسبة للأكراد، بنظر العديد من اليمنيين، قضية شعب له لغته وهويته وخصوصياته، التي حافظت عليه كنسيج وهوية، على الرغم من عدم وجود إطار دولة معترف بها يحويه خلال العقود الماضية. وبالتالي، ومن هذه الزوايا، فإن التوجه نحو الانفصال بالنسبة للأكراد يبدو أمراً منطقياً إلى حد ما. وفي المقابل، فإنه بالنسبة لجنوب اليمن وشرقه، فإن المجتمع يعتبر موحداً إلى حد كبير، هوية ولغة وتاريخاً، رغم التباينات والفوارق المتعددة، التي خلقتها إما عوامل الجغرافيا، بين طبيعة الجبل والساحل والصحراء، أو العوامل السياسية المرتبطة بمرحلة الاستعمار جنوباً و"الإمامة" شمالاً، قبل 1962، وبوجود نظامي دولتين قبل توحيد البلاد في العام 1990.
من جانب آخر، وبالنسبة لعامل الثروة، يتمتع إقليم كردستان بثروة نفطية، في الوقت الذي تتركز فيها الثروات في اليمن في الجزء الشرقي، المصنف سياسياً كجزء من الجنوب وتحديداً في حضرموت وشبوة، بالإضافة إلى تمتع جنوب اليمن وشرقه بميزات أخرى، إذ إن المساحة تساوي تقريباً ثلثي مساحة البلاد (أكثر من 300 ألف كيلومتر مربع)، أي أنها أكبر بكثير من إقليم كردستان، وتتمتع بشريط ساحلي يطل على البحر العربي، وحدود برية مع كل من السعودية وسلطنة عُمان، وهي ميزات من شأنها أن تجعل الجنوب اليمني، محل مطامع أكبر بالنسبة للقوى الإقليمية والدولية، مقارنة بالوضع الكردي. وبالنسبة للعوامل السياسية، فإن أبرز ما تقوم عليه دعوات الانفصال في جنوب اليمن أنه كان دولة بين عامي 1967 و1990، على الرغم من أن عمر الجنوب اليمني، ضمن دولة الوحدة منذ العام 1990، بات أكبر عملياً، لكن ما سبقه يمثل قاعدة الدعوة للانفصال، مقارنة بإقليم كردستان، الذي وإن كان يمثل هوية والعديد من الخصائص، فإنه لم يكن دولة في الماضي القريب.
وهناك عامل آخر، قد يكون الأهم في دعم الانفصال من عدمه. فبالنسبة إلى كردستان، فإن أبرز عائق يواجه انفصاله عن العراق هو الجوار المحيط به، من تركيا إلى إيران وسورية، بدءاً من العراق نفسه، وبالتالي يفتقد الأكراد لمجال حدودي داعم لاستقلالهم، وهو السبب الذي أعاق هذا التوجه منذ سنوات. في المقابل، وبالنسبة لليمن، فإن مسألة الجوار مختلفة، فعلى مستوى السعودية، التي ترتبط بأكبر شريط حدودي بري مع اليمن، فإنها وقفت في مراحل سابقة، بكل قوة، مع الانفصال، وتتهم من قبل خصومها في اليمن، بأن لها مطامع في تقسيم البلاد أو جعلها في حدود تحت إشرافها. والدولة الحدودية الأخرى هي سلطنة عمان، التي قد يثير الانفصال مخاوفها، ولكن ليس إلى الحد الذي يضعها في مقارنة مع الدول الحدودية مع العراق ودوافع رفضها لانفصال إقليم كردستان، الذي لا يتمتع بحدود بحرية وموانئ كما هو الحال بالنسبة إلى جنوب اليمن.
إلى ذلك، ومن زاوية أخرى، فإن الانفصال بات هو الأمر الواقع في اليمن إلى حد كبير، إثر الحرب الدائرة في البلاد منذ ما يزيد عن عامين ونصف العام، إذ تبني سياسات التحالف، بواجهة إماراتية، بطريقة أقرب ما تكون داعمة للانفصال، من خلال دعم إنشاء قوات عسكرية جنوبية ومحلية في المناطق الجنوبية، وغيرها من الخطوات التي قد لا تجعل من الانفصال، إذا ما حصل، ينال الرضى الإقليمي والدولي الكافي، إلا مسألة وقت. ومع ذلك، فإن أحد أكبر التحديات أمام مشروع الانفصال في جنوب اليمن، هو وحدة الجنوب. فالمناطق الشرقية، حيث الثروة والعديد من الخصائص الاستراتيجية (حضرموت ومحيطها)، تميل للاستقلال الذاتي عن الجنوب والشمال معاً، سواء في إطار الدولة الاتحادية، التي اقترحها مؤتمر الحوار الوطني وتتبناها الحكومة الشرعية، أو في حال التوجه نحو الانفصال، (وقد يكون الخوف من حضرموت أحد دوافع تحفظ بعض الانفصاليين على مسألة الاستفتاء). وفي المحصلة، فإن الانفصال يفتقد للمبررات الخاصة بالهوية واللغة وغيرها مما يتعلق بإقليم كردستان، في مقابل تمتع الجنوب اليمني بخصائص سياسية تعتبر منطلقاً للمطالبة بالانفصال، ويتمتع بمحيط قد لا يرفض فكرة تقسيم اليمن كما هو حال محيط العراق، الذي ينطلق رفضه أو تحفظه من المخاوف من الأكراد، وليس بالضرورة من حرص على وحدة العراق. ويلتقي الشبه في أن البلدين، العراق واليمن، باتا في تقسيم عملي، وربما في سياق مرحلة قد تشجع الانفصال، لكنه وبالنظر إلى ما قطعه الأكراد على مدى سنوات طويلة، فإن الوضع في اليمن لا يزال مختلفاً بدرجة أو بأخرى.