[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]
تقارير ووثائق

اللاجئون الأفارقة من قسوة القمع لمرارة التشرد باليمن

"كالمستجير من الرمضاء بالنار"، هذه هي حال اللاجئ الإثيوبي الشاب حسن جوبنا (25 عاما)، الذي تعكس ملامحه حالته اليائسة؛ كان يتكئ على عكازين إلى جوار خمسة مهاجرين أفارقة آخرين، يتقاسمون معه قسوة العيش ومرارة التشرد في شوارع مدينة عدن (جنوبي اليمن).
جوبنا وصل إلى عدن على متن قارب صغير مكتظ بعشرات المهاجرين، وتغلّب على مخاطر البحر وبقي على قيد الحياة، لكنه وجد في انتظاره جحيما آخر ليس أقل ألما ووجعا من قمع الحكومة الإثيوبية الذي هرب منه بمدينته في إقليم أوروميا الإثيوبي، وخلف له إعاقة جسدية دائمة.
ومنذ وصوله قبل ستة أشهر اتخذ مع أقرانه من مساحة صغيرة يغطيها العشب الأخضر على قارعة الطريق مأوى لهم يفترشونه للنوم خلال ساعات الليل، وعند بزوغ شمس كل صباح يجوبون شوارع المدينة بحثا عن لقمة عيش تسد رمقهم، تأتيهم يوما وتتلاشى أياما.
ورغم الحرب اليمنية، فلا يزال يقصدها نحو ستة آلاف مهاجر كل شهر، وفق مفوضية الأمم المتحدة، وينطلق هؤلاء غالبا من إثيوبيا أو الصومال على أمل أن يجدوا فرصة لجوء أو سفر إلى بلدان مجاورة، لكنهم لا يلبثون أن يقعوا في قبضة الحياة شديدة البؤس باليمن.

وبصوت يعكس قسوة الواقع، يقول جوبنا للجزيرة نت "هربنا من الموت، بعت كل ما أملك للوصول إلى هنا لكن لا شيء تغير"، ويضيف بنبرات حزن "الوضع هنا ليس كما وصف لنا، بل أسوأ بكثير مما كنا نتوقع، يحاصرنا الجوع في كل مكان".
قالها جوبنا بلغة عربية مكسرة وهو يقف في أحد شوارع المدينة على مقربة من مطاعم تنبعث منها رائحة وجبات سريعة مقلية بالزيت، "ليس لدينا أي نقود، الآن وقت المغرب ولم أتذوق الأكل منذ الصباح، ونحن مهددون بالترحيل ولا نعرف إلى أين نذهب".
أما عن قصة إصابته، فيحكي أن الجيش الإثيوبي أطلق النار بكثافة لتفريق مظاهرات لقبيلة الأورومو العام الماضي، وكان من المشاركين فيها وسقط قتلى وجرحى، فأسرع هو بالهروب لينجو بنفسه، لكنه عاد لينقذ صديقه المصاب فأطلق عليه قناص عيارا ناريا في ساقه.

حملات ترحيل
و"الأورومو" كبرى القوميات الإثيوبية، ويمثل المسلمون أغلبيتها الساحقة، وتحتج منذ عشرات السنين بسبب ما يقال إنه انتهاك لحقوقها والتمييز الاقتصادي والمجتمعي الذي تمارسه الحكومة ضدها، وتناضل لإنصافها عبر مجموعة من المنظمات بعضها فصائل مسلحة.
ويغادر آلاف الأفارقة بلدانهم هربا من الفقر والحروب وعدم الاستقرار السياسي في رحلة طويلة محفوفة بالمخاطر تنتهي حياة أعداد منهم بالغرق في عرض البحر. وتقدر المفوضية السامية للأمم المتحدة أعداد اللاجئين في اليمن بنحو 280 ألف لاجئ.
ويعيش اللاجئون في حالة قلق وخوف مستمر من الترحيل بعدما صعدت سلطات الأمن بمدينة عدن منذ مطلع العام الحالي حملاتها ضد المتسللين الأفارقة، وأقامت مركز احتجاز كبيرا للاجئين والمهاجرين بمنطقة البريقة (غربي المدينة)، قبل القيام بعمليات الترحيل.

ويتم احتجازهم من قبل الأجهزة الأمنية عقب وصولهم إلى السواحل الممتدة من باب المندب إلى عدن، أو عبر عدد من الدوريات والحواجز الأمنية أثناء تنقلهم ومرورهم داخل شوارع المدينة، حيث تم ترحيل المئات من جنسيات مختلفة على دفعات خلال الأشهر الماضية وإعادتهم إلى بلدانهم.
وقال مسؤول الترحيل في وزارة الداخلية اليمنية العقيد خالد العلواني للجزيرة نت إن البلد في حالة حرب، ونحن نسعى من وراء هذه الإجراءات إلى الحد من استمرار تدفق اللاجئين بصورة غير شرعية، مشيرا إلى أن ذلك يشكل عبئا آخر في ظل الظروف الراهنة، ويهدد أمن واستقرار المنطقة.

خطف وتعذيب
وكانت المنظمة الدولية للهجرة أعلنت الأسبوع الماضي أن المهاجرين من القرن الأفريقي إلى اليمن يتعرضون غالبا للاختطاف والتعذيب على يد عصابات إجرامية تسعى للحصول على فديات.
وفي فصل آخر من المأساة، توفي العشرات من المهاجرين في أغسطس/آب الماضي، عندما أغرق مهربون عمدا ما لا يقل عن خمسين مهاجرا صوماليا وإثيوبيا على الساحل اليمني بعد أن رصدهم حرس السواحل المتمركزون على طول ساحل محافظة شبوة في بحر عمان.
وقال الإعلامي في إذاعة مدينة عتق (عاصمة محافظة شبوة) عدنان المنصوري للجزيرة نت إن عمليات تهريب الأفارقة إلى شواطئ المدينة ازدادت بشكل ملفت في الفترة الأخيرة وبشكل مأساوي.
وأضاف المنصوري "أصبحنا نرى العشرات -بينهم نساء وأطفال- يسيرون مشيا على الأقدام على طرقات محافظة شبوة بشكل شبه يومي، وهم دون زاد وبلا طعام أو شراب، وهناك حوادث غرق قبالة سواحل شبوة راح ضحيتها العشرات منهم".
وكشف عن أن هؤلاء اللاجئين ينزلون إلى سواحل البحر العربي في منطقة بئر علي (جنوبي المحافظة) ثم يقطعون مسافة تتجاوز مئتي كيلومتر سيرا على الأقدام، ومنهم من يستقر داخل المدينة، في حين يواصل آخرون السير نحو مناطق الشمال ويتهربون باتجاه دول الخليج.

زر الذهاب إلى الأعلى