[esi views ttl="1"]
رئيسية

صالح وأوباما..

عادل الأحمدي

يبدو أن زيارة الرئيس اليمني علي عبدالله صالح الأخيرة لروسيا والمتزامنة مع إعلان اتفاق بين السلطة والمعارضة في اليمن حول الانتخابات قد أشعل فتيل أزمة خفية بين اليمن والولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي (كلاً على حدة) تتداعى تطوراتها على هيئة تصريحات عدم الرضا الغربي عن اليمن وتفجيرات بين الحين والآخر توجه فيها أصابع الاتهام للقاعدة.

بينما تنظيم القاعدة لا يعدو عن كونه "الحمار القصير" الذي يلقي الجميع على ظهره حمولاتهم لا أكثر..

هنالك ملامح أزمة خفية بين الغرب واليمن سببها محاولة الرئيس صالح تخفيف الضغوط الأوروبية الأمريكية عليه بالإبحار نحو الدب الروسي، الذي أظهر عضلاته الجديدة في أزمة جورجيا، ومثّل أملاً لبعض دول العالم الثالث التي تعاني من الابتزاز السياسي والأمني والاقتصادي والثقافي من قبل واشنطن، منذ سقوط التوازن بين المعسكرين وانتهاء الاتحاد السوفيتي 1991.

واليمن له موقعه المعتبر في خطة أوباما باتجاه ثروات القارة السوداء، والتعاون العسكري بين صنعاء وموسكو قد يربك خطة أوباما ويدفعه للتصرف الأرعن نحو اليمن بعديد ضغوط، أهمها، إحياء الفرقعة الإعلامية لبعض احتجاجات محافظات الجنوب، والتنسيق لتفجيرات تظهر اليمن غير جاد في محاربة الإرهاب، وكذا مواصلة التغاضي الأمريكي عن أعمال العنف التي ينفذها متمردو الحوثي في صعدة..

ويبدو واضحاً أن إحدى أوراق الضغط قد تم فواتها، وهي ورقة الخلاف السياسي مع المعارضة.. إلى ذلك فإن أوساطاً يمنية مطلعة تعبر عن قلقها إزاء ما يسمى بالقرصنة الصومالية ويصفونها بالمفتعلة من أجل زيادة التواجد الغربي المسلح في البحرين العربي والأحمر وخليج عدن، ومن هنا تأتي زيارة صالح التفقدية أمس الأول لجزيرة سقطرى لتشديد إجراءات الحيطة والحذر بعد تزايد تسريبات تتحدث عن نية غربية لنقل لاجئي الصومال إلى الجزيرة المزدانة بنادر الأشجار والطيور..

إسرائيل لا تبدو بعيدة عما يعتمل في نوايا واشنطن وبروكسل، وكان صالح أعلن عقب عيد الفطر الماضي عن القبض على خلية إرهابية مرتبطة بالموساد الإسرائيلي، وذلك بعد أقل من عشرين يوماً على هجوم إرهابي استهدف سفارة واشنطن في صنعاء وكل ضحاياه من أفراد الأمن اليمني وبعض المعاملين في السفارة..

تلا ذلك مقتل شقيق حاخام الأقلية اليهودية في اليمن وقرار حكومي بنقل يهود "ريدة" إلى العاصمة، وبروز إعلامي لكتب غامضة تتحدث عن أن اليمن أرض التوراة وليس فلسطين. تلاه اغتيال السياح الكوريين الأحد الفائت في شبام حضرموت وتفجير انتحاري صباح الأمس في طريق المطار بالعاصمة (والذي استهدف الوفد الكوري الواصل للتو للمشاركة في التحقيق حول حادث شبام)..

* * *
جميع الاستراتيجيات المتصارعة في عالم اليوم تمثل لها اليمن نقطة هامة ومحورية.. وجميعها تريد من اليمن كل شيء ولا تعطيه أي شيء..

على أن هذا البلد النامي الواقع جنوب غرب جزيرة العرب ذو مزاح متقلب يصعب حسابه من قبل الشرق أو الغرب.. لكنه بعد اتفاق جبهته الداخلية وتمتين علاقاته مع جارته الكبرى السعودية يبدو أقدر على الفكاك الجزئي من أسر الاملاءات الجافة..

قد يدفع العناد الرئيس الذكي باراك حسين أوباما إلى عدم تمعن الحالة اليمنية كما يجب، ما ينعكس بالتأكيد على باقي سياساته في منطقة النفط والإسلام ومعابر السفن، والمعركة الآن على أشدها بين ذكاء الرجل ومسألة الوقت.. خصوصاً وأن إدارة موسكو تتعامل مع صالح باحترام جم وتفهم عميق وبكرم شديد وفق سياسة هادئة تنم عن إحساس متميز بالوقت. وهو ما يعطيها تفوقاً نسبياً مقارنة بأوباما الذي جاء بخطة جديدة ولكنه شرع في تنفيذها بنفس الأدوات المكشوفة لبوش.

ومع الاعتراف بصعوبة تقديم المبررات والدلائل الساخرة فإنه يمكننا القول أنه ما لم تتماد الإدارة الأمريكية الجديدة في الاستمرار بالسير على نفس خطى إدارة بوش فإن ملامح علاقة شخصية متميزة بين صالح وأوباما ترتسم بوضوح على صفحة الأيام والسنوات القادمة. لكن الحكمة تقتضي ،ولا شك، أن تكون هذه العلاقة بعيدة عن عيون الحاسدين وتمائم السحرة الأشرار.

* * *

لقد انتهى مفعول مسمى القاعدة كأداة توسع أمريكي منذ ذهاب بوش.. هذا ما لم تستوعبه إدارة أوباما حتى الآن..
لقد كان الإرهاب اختراعاً خاصاً ببوش ويجدر بأوباما إنتاج اختراع خاص به يتناسب مع ذكائه ويكون قليل الخسائر مادياً ومعنوياً لواشنطن..

بمعنى آخر.. ما زال بمتناول أوباما أن يتفهم اليمن والمنطقة جيداً، وهو لن يتمكن من إنجاز هذا التفهم ما لم يخفف من سماعه لمشورات اللوبي الصهيوني في تل أبيب وواشنطن. ذلك أن أي خطأ يرتكبه البيت الأبيض، من الآن وصاعداً سيصب بالتأكيد في خانة الكرملن.. هذا إذا لم يكن اليهود أصلاً بادروا (كعادتهم) إلى خدمة الصاعد القوي (موسكو) وهدم الذاهب الأثيم (واشنطن) حال تيقنوا أن الرياح والأمواج متجهة بإصرار في صالح سفينة الروس وغواصاتهم الذكية..

لقد فرح اليمنيون والعرب عموماً بصعود أوباما وما زالوا محتفظين إلى الآن بخيط سميك من التفاؤل بشأن سياسته في المنطقة.. وكل ما يخشاه العالم المستضعف هو أن يأتي اليوم الذي نكتشف فيه أن "فيل" الجمهوريين كان أذكى بكثير من "حمار" الديمقراطيين.. وفي كلا الحالين لا يزال القط اليمني الني أقدر على المناورة وأقدر على افتراس "الثعابين".

والراجح الذي تبين من تجربة ثلاثة أشهر لأوباما الأسود في البيت الأبيض أن أماكن صراع عديدة في العالم ستحتاج لتذكيره أكثر من مرة بمقولته الانتخابية الشهيرة: إن الأمة الأمريكية تفوقت بأخلاقها وليس بسلاحها.

كما أن في متناول دويلات مستضعفة كثيرة في بقاع العالم أن تصرخ في وجه الرئيس الأمريكي الجديد: بل نستطيع.

* * *

سينجح أوباما إذا قصر مهمته على إصلاح أخطاء بوش.. وسيقع في وحل كبير من الأخطاء إذا اعتقد أنه سيصطاد في الظروف الراهنة أكثر من "عصفور" بحجر واحدة.

مع هذا لا يشطح اليمنيون والعرب عموماً بأخلاقهم بعيداً إلى حد التخلص من الهيمنة الأمريكية في المدى القريب.. لكنهم يأملون (ويعملون) أن يعيد البيت الأبيض النظر في ترتيبات هذه الهيمنة وأساليبها .. وفي قراءة جدواها من الأساس..

ذلك أنه وبرغم التقدم التقدم المعلوماتي المذهل لجهاز الهيمنة الأمريكي إلا أنه هناك ما لا يعلمه الأمريكان.. لقد خبر أطراف كثيرون أسلوب الأمريكان في قراءتهم للأحداث ولقد توقعوا بنجاح ما هي نقاط الضعف المعلوماتي بالنسبة لواشنطن.

__________
نشوان –خاص

زر الذهاب إلى الأعلى