يعتقد ضيف هذا الحوار في ملحق "أفكار" الأسبوعي الصادر عن صحيفة "الجمهورية" أن الإمامة ما زالت خطراً حقيقياً على مشروع الثورة اليمنية وأن انشغال السياسيين بالعمل الحزبي هو من أتاح لأنصار الامامة بالخروج للضوء..
وفي هذه المقابلة والتي خصصت لنقد الفكر الإمامي يرى الباحث الأحمدي – مؤلف كتاب "الزهر والحجر"- أن الخصام بين المؤتمر الحاكم وبين المعارضة وخصوصاً الإصلاح والاشتراكي لن يستفيد منها سوى "أنصار الامامة" والذين يشير اليهم بين قوسين (الحوثيين).. إلى الحوار:
- أستاذ عادل.. عرفت بمهاجمتك الحادة على تاريخ الإمامة والأئمة في اليمن.. ما مبرر هذه المواجهة الحادة؟ وهل الإمامة على مدى يزيد عن ألف عام بهذه القتامة السوداء التي تصورها؟
أحييك وأحيي الاخوة القراء، وأقول إن من قرأ تاريخ الإمامة في اليمن وما فعله هذا المشروع في تدمير الشخصية اليمنية والعقيدة الإسلامية ومصادرة كل وسائل الترقي والإبداع والانتاج؛ بل وبذر كل أسباب التجهيل والشعوذة والفقر والتناحر يعلم أن هذا المشروع مشروع لا ينام إنما يتحين الظروف فقط وأكبر دليل على ذلك استمرار الإمامة ألف عام رغم أن دولاً أخرى حكمت وانقرضت ثم تعود الإمامة من جديد فالإمامة مشروع مستمر إما بإمام ظاهر قاهر أو إمام خفي مستتر فمثلاً يقال قامت الثورة في عهد الإمام البدر، وطلع الرئيس الإرياني في عهد الإمام الحسن وتحققت الوحدة عام 90 في عهد الإمام فلان. أقول من يعرف هذا كله ويرى ما يفعله الحوثيون اليوم كتجسيد عملي لهذا الاستمرار لايملك إلا أن يعري مشروع الإمامة بكل ما أوتي باعتبارها أفيون هذا الشعب.
ألم تقم الثورة اليمنية عام 62 وتقضي على الإمامة؟
ثورة 62 أقصت الإمام من الحكم في صنعاء فقط، وحالت حرب تثبيت الجمهورية التي انتهت بالمصالحة في عهدالرئيس عبدالرحمن الإرياني دون البدء في تنفيذ مشروع الثورة الثقافي الذي لم يبدأ إلا في عهد الرئيس إبراهيم الحمدي ففي عام 62 تم إزالة الإمامة كنظام حاكم ولكن أخطر ما في الإمامة ثقافتها التي ظلت تحكم الجمهورية. بعد ذهاب المصريين لم تجد قيادة الثورة كوادر يمنية كافية لإدارة الدولة، فاضطرت بالاستعانة بموظفي الإمامة، وفي عهد الرئيس الحمدي جاءت حركة التصحيح لتضخ الدماء في ثورة سبتمبر وتم صياغة مناهج دراسية مستلهمة بالفعل من روح الثورة، ولعب اتحاد الأدباء ومجلة الاكليل والمعاهد العلمية والمخيمات الصيفية دوراً كبيراً في ذلك..إلى أن قامت الوحدة اليمنية كثمرة من ثمرات ذهاب الإمامة واقترن قيامها بالتعددية الحزبية تلك التي ألهت اليمنيين عن مواصلة مشروع الثورة.
ما هو مشروع الثورة، ثانياً كيف استطاعت الإمامة أن تعود بعد إعلان التعددية؟
مشروع الثورة يتمثل في إعادة تأهيل الشخصية اليمنية بحيث تكون منسجمة مع بعضها البعض ومنفتحة متفاعلة بشكل إيجابي مع موروثها التاريخي والديني ومحيطها الإقليمي ومتطلبات العصر.
أما عن الشطر الثاني من سؤالك فقد انشغلت كل المؤسسات التي كان يناط بها استكمال مشروع الثورة بالعمل الحزبي..
من تقصد بالمؤسسات على وجه التحديد؟ ثانياً بم انشغلت هل انشغلت بشيئ غير الوطن؟
أقصد مؤسسات الدولة ومؤسسات المجتمع ووزارة الثقافة والإعلام والتربية والتعليم أو مؤسسات المجتمع المدني كا لأحزاب مثل المؤتمر الشعبي العام والإصلاح والاشتراكي والبعث، والناصري، وانشغلت بالعمل الحزبي فيما بينها البين والتنافس الحاد لكي يقفز على حين غفلة من الجميع لصوص التاريخ موسعين الشرخ بين هذه الأحزاب الوطنية وصاعدين على عاتق هذا الاختلاف..وصولا إلى تكوينهم جناحهم العسكري الموجود في صعدة وعمران وهذا ليس إلا جناحاً عسكرياً فقط لحزبي الحق والقوى الشعبية.
قلت قبل قليل الأحزاب الجمهورية هل ثمة أحزاب ملكية عندنا؟
في عام 90م كانت أربعة أحزاب إمامية منها حزب الله وحزب الأمة الإسلامية ثم تقلص العدد وبقي حزب الحق واتحاد القوى الشعبية، ثم حدثت هجرة جماعية من داخل حزب الحق إلى داخل المؤتمر الشعبي العام.
الأحزاب بموجب الدستور والقانون قامت أساساً على نظام جمهوري والدستور يقرر ذلك؟
وتأييداً لكلامك هذا فقد أصدر حزب الحق عام 90م بياناً يعلن عن تخليه عن نظرية البطنين، ومعلوم أن نائب رئيس حزب الحق كان حينها هو بدر الدين الحوثي الذي أفصح عن قناعاته الحقيقية في مقابلته الشهيرة مع صحيفة الوسط عام 2005م فضلا عن كون تمرد الحوثي هو التجسيد الأوضح وأريد أن أقول شيئاً وهو أن الهادوية أصلاً مذهب سياسي لا يكتمل التدين وِفْقَه إلا بتنصيب إمام ومن مات ولم ير إمامه مات ميتة جاهلية!! وقد ذكرت في كتابي الزهر والحجر أن خلافاً حقيقياً على الإمامة (المستترة) كان بين بدر الدين الحوثي ومجد الدين المؤيدي.
متى كان هذا الخلاف؟
اندلع أواسط التسعينات وتجسد بانسحاب واستقالة تيار الحوثي وتأسيس الشباب المؤمن..
الشباب المؤمن تأسس قبل ذلك؟
البداية الأولى لظهور نواة الشباب المؤمن كانت على يد محمد بدر الدين الحوثي وصلاح فليتة مطلع الثمانينات وتحديدا عام 82م والبعض يرى أن ظهوره مرتبط بقيام ثورة الخميني عام 79م إنما لم يتحول هذا النشاط التعليمي إلى نشاط تنظيمي مسلح إلا في بداية التسعينات رغم أن بقايا الإمامة والموالين لها لم يتوقفوا عن بناء الخنادق والتحصينات والإعداد لمعركة مستقبلية منذ سقوط الإمامة وهذا ما أثبتته حروب صعدة، وكان بشكل منظم ودقيق.
أنت لم تجبني عن سؤالي السابق.. الأحزاب قامت على أساس جمهوري..؟
ربما أجبتك ولكن باستشهاد غير مباشر فيما يتعلق بالفارق الملموس بين النظرية والتطبيق، هم الآن مثلا رافعون شعار الموت لأمريكا، "وهم في بابها من أرخص الخدام". ويدعون حب الرئيس ويتظاهرون بحب النظام الجمهوري لكنهم عملياً يتمردون عليه. لم يؤثر عليّ في مسألة الإمامة وبشاعتها أية كتب للثوار أو للجمهوريين بقدر ما كان تأثري الكثير بكتب مؤرخي الأئمة أنفسهم وأدعو من يريد أن يعرف تاريخ الإمامة أن يقرأ كتب مؤرخي الأئمة التي كتبت في الأصل لتلميعهم.. فسيجد جرائم يندى لها جبين الإنسانية يتفاخر بها المؤرخون كانتصارات. علماً أن الإمامة كانت وبالاً على الشعب اليمني وعلى الأسر الهادوية نفسها فهي لم تحقن دماءها من سيوف بعضها البعض طيلة حكمها وأطول فترة حفظ لدماء هذه الأسر كان في الفترة من 62م إلى 2004م.
الإمامة دائماً تبدع في إفشال نظام حكم قائم منافس لها فتستولي على الحكم لكنها بسبب خلل بنيوي في الفكرة تفشل دائماً في إدارة الحكم والحفاظ عليه، وذلك لوجوب الخروج عقب وفاة أي إمام من كل حسني أو حسيني أحس في نفسه رغبة الإمامة، وبالتالي يحدث صراع طويل بين الأسر الهادوية وجنودهم القبائل وكذلك لأنها أجازت وجود إمامين في وقت واحد ويكون كل واحد واجبة له الطاعة ولم تحدث فترة استقرار في دورات الحكم الإمامي في اليمن إلا عندما قام القاضي محمد بن علي الشوكاني بعملية تناقل سلمي للسلطة من إمام لآخر بدون إعمال مبدأ الخروج ولهذا سقطت الدولة القاسمية بعد وفاة الشوكاني بعام واحد عام 1251ه. بعدها تصارع الأئمة وحفلت صنعاء بعشرين إماماً في شهر واحد إلى أن قام أحدهم بالاستنجاد بالعثمانيين لإنقاذ اليمن. وبعد مجيء الأتراك يخرج أحد الأئمة ليقود مقاومة ضد الوجود العثماني في اليمن!!
يا عزيزي الإمام المتوكل على الله إسماعيل وحد اليمن وخُطب له على منابرها..واستقرت في عهده اليمن؟
أن يأتي مشروع يقسم اليمن ويحطم اليمن ويدمر الذات اليمنية ثم يأتي واحد من داخل هذا المشروع الإمامي ونشكره على توحيد طائفي مقيت. فالمتوكل على الله أفسد توحيده لليمن (التي تمزقت بسبب آبائه وأجداده) بفتواه الشهيرة وذلك باستحلال أموال الشوافع بفتوى يعتبرها شرعية كون أن الأتراك كانوا يحكمون هذه المناطق فلما استولى عليها اعتبرها أرضاً خراجية (لأن العثمانيين كفار علوج بنظره) إضافة إلى كون أهلها في نظره ونظر آبائه كفار تأويل.. المأساة في ذلك أن الإمامة جاءت لتخدع الشعب اليمني مستغلة أقدس ما لديه وهو الدين.
كيف؟
الإسلام جاء من أجل المساواة، وكل مقاصد الدين قرآناً وسنة تصب في هذا الإطار ومن حق كل الفئات والجماعات بأنواعها أن تسعى للحكم لكن مشكلة الإمامة أنها استخدمت الدين للوصول إلى الحكم وتطلب منها ذلك ليُّ أعناق كل مقاصد الدين وتفسيرا كربلائيا للتاريخ، وتأليف مذهب كامل تصب كل أدبياته من أجل تقديس أسرة بعينها، إذن هو مشروع سياسي تحول إلى حركة هدامة للدنيا والدين.
تقصد مذهب الإمام زيد؟
لا ألتفتُ إلى المسميات.. أية فكرة قائمة على مسألة الحق الإلهي لأسرة معينة هي فكرة تقع على النقيض تماماً من الدين أياً كان اسمها، اما الإمام زيد رضي الله عنه، فلم يكن له مذهب أصلاً، ومسنده جمعه طلابه بعد موته بخمسين عاماً وكل ما هو موجود في اليمن هو صناعة يحيى بن الحسين الرسي ومطوري نظريته من بعده..
الإمام زيد براء من الهادوية، كبراءة جعفر الصادق من الاثناعشرية، وهؤلاء (الهادوية والاثناعشرية) يحسِّنون فكرهم القبيح الذي يحملونه بأسماء لها احترامها وتقديرها كالإمام زيد.
هم يقولون أنهم زيدية في الأصول هادوية في الفروع..؟
وأضيف أنا: معتزلة في العقيدة. أخي العزيز: أصبح مسمى الزيدية ثوباً فضفاضاً فبإمكاننا أن نسمي الشوكاني زيدياً حقيقياً وأن فكره هو فكر الزيدية الحقة، وبإمكان المحطوري أن يدعي أنه هو الزيدية الحقة، حتى لقد أصبحت الزيدية مدلولاً جغرافياً يمنع قادة التنوير من تعرية المصطلح حتى لا يكون الأمر استهدافا للزيود الذين فيهم الإصلاحي والسلفي والعلماني، وقد حرص الحوثيون في الحربين الأخيرتين على استغلال هذا الالتباس في الدلالة بتصوير أن الحوثي يدافع عن الزيديين ككيان وجغرافيا، وكما يقول الأستاذ حسن الأشموري فالزيدية عندما يتبنى الحديث عنها مشروع كالحوثي فإنه يقودها إلى مثواها الأخير كما حدث للإباضية في حضرموت.
الدكتور المؤرخ عبدالله الشماحي يثبت وإن بشكل غير مباشر أن لا وجود لشيء اسمه زيدية في اليمن ومثله قال اسماعيل الأكوع في كتابه "الزيدية". وهذا كله يلخصه قول العلامة صالح المقبلي: "أعطني زيدياً صغيراً أجعل منه رافضيا كبيرا"..
وأرجو أن تلاحظ معي شيئا وهو أن بقاء التشيع في أي مكان هو بسبب وجود جماعة متشيع لها، يصب هذا المشروع في صالحها لهذا ينصب كل جهدها في إبقاء هذا المشروع وعندما يتوقف عمل هذه الجماعة نلاحظ أن الشعوب تعود إلى الدين الحقيقي بشكل تلقائي كما حدث في المغرب ومصر وكما حدث في أكثر من فترة في اليمن سواء أيام المطرفية أو كما حدث بعد الثورة في المناطق الشمالية الخاضعة لسلطان التشيع وهنا أعجب ممن يقول بأن الحركة الحوثية نشأت كرد فعل على جماعة الشيخ مقبل الوادعي السلفية في صعدة، والأصح أن حركة الشيخ مقبل هي التي نشأت كرد فعل على الهادوية وبزغت على يد واحد من أبناء المنطقة، بعد قرون طالت فيها الإمامة. وهنا يمكن الاستشهاد كذلك بأن المناطق التي تحاول الحركة الحوثية اعتبارها واردة في تركة أبيها هي في الأساس أخرجت أفضل علماء السنة كعبد الرزاق الصنعاني وقبره يبعد عن موضعنا هذا الذي أتكلم أنا وأنت فيه مسافة قليلة (خولان) وهو أستاذ أحمد بن حنبل الذي قصده إلى صنعاء وكذلك إسحاق بن إبراهيم الدبَري وهو من منطقة سنحان، والذي عزم الإمام الشافعي على زيارته طلباً للعلم وقال في ذلك قصيدته الشهيرة والتي منها:
لا بد من صنعا وإن طال السفر .. والالتقا بالشيخ في هجرة دَبَر.
واليوم وبعد هذا التاريخ يدعي أصحاب نظرية الحق الإلهي أن السنة دخيلة على "مناطق الزيود"، مع أن الهادوية هي الدخيلة.
كيف؟ أليست صعدة بكاملها معقل الأئمة منذ الهادي وإلى اليوم؟ ثم أليست الوهابية دخيلة على اليمن والجزيرة العربية من أساسها؟
مصطلح الوهابية اختراع من خصوم المذهب الحنبلي، الذي يعتبر أحد مذاهب السنة الأربعة، ولا أدري كيف تقول إنه دخيل على الجزيرة العربية..
الوهابية غير الحنبلية وإن التقت معها في بعض المسائل..؟
دعني أسألك هل كان النبي صلى الله عليه وسلم شافعياً أم زيدياً أم حنبلياً أم مالكياً؟ المشكلة أخي العزيز أننا أحللنا المذاهب محل الدين، ولو كان الله عز وجل لا يتقبل العبادة إلا عبر المذاهب لكان النبي صلى الله عليه وسلم خارج هذه الحسبة، وصحابته والتابعون لهم بإحسان!! أنت تقول إن الوهابية غير المذهب الحنبلي وأنا أقول بأن السلفية هي المصطلح الأدق لوصف دعوة محمد عبد الوهاب وقبله ابن تيمية؛ إذ هي دعوة للعودة إلى الأصول، وهذا ما نحتاجه اليوم بصرف النظر عن واقع التطبيق لهذه الدعوة. من قبل أتباعها.
دعوة إلى المنهج أم إلى النص؟
إلى المنهج كوسيلة من أجل تنزيل النص كغاية ومقصد، ولعلك تقصد هل عودة إلى فهم السلف الصالح حرفياً أم إلى منهجهم في الفهم..؟
إلى المنهج؛ ولكن هل عاد من تصفهم بالسلفيين أو الوهابيين إلى المنهج؟!!
بالنسبة للائمة المجددين كابن تيمية وتلميذه ابن قيّم وتلميذهما ابن عبد الوهاب فإنهم قطعوا شوطاً كبيراً علماً أن واقع الشركيات استهلك الجزء الأكبر من اهتمام ابن عبد الوهاب، مع هذا كون ابن عبد الوهاب طاقة فكرية لمشروع سياسي حكم الجزيرة العربية ثلاث دورات وأعني المملكة العربية السعودية. وهناك حالة تجديد مستمر داخل الحركة تفرضها الكثير من الظروف والتحديات الموضوعية.
أنت لم تجبني عن سؤالي..؟
أسألك أنا: هل جاء الهادي إلى صعدة وهم سنة أم شيعة؟!! وأكتفي بهذا السؤال فقط. وأضيف: من هو الوافد على صعدة، هل مقبل الوادعي؟ أم يحيى بن الحسين الرسي.
بهذا الكلام أنت أعرف بالزيدية من أنفسهم فنفيتها عنهم..؟
وهم يعرفون أيضاً هذا لكنهم يستخدمون ما يسمونه زيدية كحامل سياسي للإمامة.
أنت تنتتقدهم في حصر الإمامة في البطنين وعند أهل السنة هي في قريش ما الفرق؟ وأيضا تنتقدهم في مسألة الخروج على الإمام الظالم في الوقت الذي يطوع السنة الأمة بكاملها لإرادة الحاكم يستبد بها كيفما يشاء ما الفرق؟
أولاً أرفض الانزلاق إلى جعلي متحدثاً باسم المعادل الآخر للشيعة وهو "السنة" إذ أعتبر أن السنة هي الأمة والشيعة فرقة، وبالنسبة للحديث الشريف " الأئمة من قريش" إخباري لا تشريعي ومحدود زمنياً ولا يمتد إلى قيام الساعة وكذلك جغرافياً.
كيف؟
بمعنى إنه ليس من قبيل التشريع؛ إذ هناك أحاديث أخرى توضح ذلك.
قولك أهل السنة رفضه الدكتور المرتضى بن زيد المحطوري في حوار أجريته معه وقال إن الزيدية هي السنة، وأيضا قال بجواز احتكام الناس اليوم إلى الصندوق. بم ترد؟
الرد على الدكتور المحطوري يقتضي العودة بنا إلى مفهوم الزيدية نفسها فإذا كانت الزيدية التي يقصدها هي زيدية ابن الوزير والشوكاني فأنا أتفق معه، وإذا كانت زيدية الهادي وعبد الله بن حمزة والحوثي فهي يمكن أن نطلق عليها أي اسم إلا أننا لا نسميها سنة. أما بالنسبة لقبوله بالاحتكام للصندوق، فهناك أيضاً أقوال له تناقض هذا القول..
أين؟
قي قناة المستقلة وفي محاضرات عدة وخطب مشهورة وموثقة. وإن كان يقول هذا الكلام للصحافة فلا أدري لماذا لا يلزم به تلاميذه المقاتلون في صفوف الحوثي!!
ما قاله بعد مناظرات المستقلة، في صحيفة الناس، وبالتالي فهو المحمول له، والمحطوري عالم كبير ومجتهد؟
نفس الرد السابق!! وأضيف: أن المحطوري هو سياسي كذلك، يناور كما يفعل الساسة، وخطبه في مركز بدر عبارة عن سخرية وتهكم. وإضحاك.
الرجل عالم كبير كيف تقول عليه هذا؟
ماذا قلت عليه؟ إنه سياسي
قلت يناور ويخطب سخرية وتهكماً؟
لا أعتقد أنه نفسه سينكر ذلك.
أظهرت اليمن مشهداً من الصراع والضياع طوال التاريخ أين كان اليمنيون؟
أولاً: جاء الهادي في فترة خلا فيها اليمن من كل رجاله الأقوياء الذين استنزفتهم فترة الفتوحات الإسلامية.
ثانياً: من يقرأ التاريخ بدقة يجد أن ثورات اليمنيين ضد الإمامة لم تتوقف سنة واحدة لذا نلاحظ أن أكبر مقبرة في الشرق الأوسط هي مقبرة الهجرين في صعدة. ويكفي أن نعرف أن الهمداني صاحب الأكليل مات في سجن الناصر في صعدة، وصولا إلى نشوان بن سعيد الحميري وإلى الدول التي قامت وحكمت.كالطاهريين والصليحيين والرسوليين والزريعيين والقعيطيين والكثيريين، إضافة إلى الأيوبيين والأتراك، الألف السنة كما ذكرت سابقاً هي امتداد إمامة ولو على قرية صغيرة في سفوح شهارة أو الأهنوم، وصولاً إلى ثورة سعيد بن ياسين منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، ولو عدنا إلى كتاب مؤرخ الإمام يحيى لفوجئت بمقدار الثورات التي شنتها منطقة أرحب وحدها وكذلك خولان ضد الإمامة بين عامي 1918 و1936م وذهب ضحيتها الكثير من أنبل رجال اليمن. وصولاً إلى الرؤوس والجماجم التي قدمتها اليمن في آخر حروبها كل هذه الثورات كانت تقوم رغم أن الإمامة لم تبدع في شيء قدر إبداعها في تجهيل الشعب اليمني وإفقاره وجعله غير منتج وضرب طوق من العزلة عليه، وتسليط بعضه على البعض الآخر. وهي أدوات تضمن موات هذا الشعب واستكانته الأبدية لكنه شعب عظيم وكذلك مشروع الإمامة يحمل بين جنباته أسباب زواله.
لماذا حكموا ألف عام؟
قلت لك لم يحكموا ألف عام. عدد السنوات التي حكمت فيها اليمن بكامله أو بشماله فقط لا تزيد عن 223 عاماً إنما استمرارهم دام ألف عام. إلى اليوم (وليس إلى عام 1962م) بسبب ما ذكرته سابقاً أنه لا بد من وجود إمام ولو مستتراً..
اليوم هل لهم إمام عندنا في صنعاء؟
ليس بالضرورة في صنعاء، إنما بالتأكيد بعد وفاة مجد الدين المؤيدي هناك إمام، يستفتى وتساق إليه الزكوات ويرعى شئون المذهب ويشرف على الإعداد الذي يحدث كل مرة للعودة إلى الحكم..وبهذه المناسبة تتفاجأ إذا درست تاريخ الإمامة جيدا وكنت على اطلاع وإلمام بأساليب وأطوار التمرد الحوثي تجد أنه نسخة طبق الأصل من حركات بعضها نجحت وبعضها فشلت..
كيف؟
هم يقومون بالتالي: حركة تغافر وتسامح تسري بين الأسر الهادوية مع تعاون اقتصادي فيما بينهم وينقسمون إلى فريقين فريق يتغلغل في الدولة المراد إسقاطها فيمتص خيراتها ويعمل على إفشالها ونخرها من الداخل، وفريق آخر يكون معارضة يعمل على تأليب القبائل والقوى الأخرى ودائماً ما يعزف على ما يسميه الخطر الخارجي. سواء كان هذا الخطر "العلوج الأتراك" كما يسمونهم أو بادعائهم أن الدولة الطاهرية الحميرية هم مصريون محتلون أو "الموت لأمريكا الموت لإسرائيل" كما هو الحال اليوم مع الحوثي مع حالة إنعاش لما يسمونه زيدية باعتبارها الرابط الذي يشد تماسك الأسرة الهادوية ويضمن تفاني القبائل في نصرة آل البيت وعادة ما يبدأ الزحف من صعدة، وتستمر عمليات إنهاك الدولة لحروب قد تستمر عشرين عاماً.
هناك من يطرح أن ثمة مظاهر إيجابية كثيرة في حياة الأئمة، يتمثل بعضها في تشجيعهم للعلم والعلماء وإقامة العدل..؟
هات لي مثالاً واحداً
بروز علما ومجددين كبار على مستوى الساحة الإسلامية..؟
لماذا هؤلاء بالفعل برزوا وأصبحوا على مستوى الساحة الإسلامية؟ لأنهم ناهضوا المشروع الإمامي فابن الوزير والشوكاني هؤلاء عرفوا في العالم الإسلامي لأنهم وجدوا في بيئة (تكاد صخورها تتشيع) فأبدعوا في تمحيص الفقه الإسلامي ونصر السنة إلى الحد الذي أوصلهم إلى هذا المستوى. وأقول لك اعطني شخصية ما بارزة ممن يسمون أنفسهم أئمة. صحيفة البلاغ ذكرت مرة أن الإمام الفلاني (لا أحد يعرف اسمه) له 1073 مؤلفاً لا نعرف منها كتاباً!! لقد ازدهرت فترة الشوكاني بالفعل عندما خفف الأئمة من تمذهبهم عدا ذلك فالذي انتشر هو السحر والشعوذة والخرافة وتلخيص التلخيص وتهذيب التهذيب وعلم الأحاجي والألغاز وما هو الثاني الذي لا ثالث له والرابع الذي لا خامس له واشعار التخميس والتضمين، وبعض الموشحات التي تمجد آل البيت. وكذلك حساب الجمل كالتنجيم وغيره والأسوأ من هذا كله أن الإمامة أوجدت تمايزاً طبقياً وثقافة استحقارية توجسية بفضلها وجدت مصطلحات (المعراصة، الموغادة، الملعنة، الزنقلة، البعسسة)؛ إذ كانوا يعاملون الآخرين باعتبارهم حاذقين من باب تسريب الخساسة إلى النفوس وتم هدم قيم العمل إذا القبائل أرزاقها في أسنة رماحها، والعلم للفقهاء والسادة والقضاة فقط. حتى أشاعوا ثقافة أن الصلاة ذل والنظافة عيب والعمل قلة رجولة. حيث أصبح المجتمع عاطلاً جاهلاً فقيراً متباغضاً ومتقوقعاً. لهذا كانت الثورة مشروعا ثقافياً قبل أن تكون مشروعاً سياسياً، وهو إلى الآن مجمد، ونريد إخراجه من الثلاجة.
الزيدية والشافعية في اليمن خلال القرون الماضية شهدا أرقى صور التسامح المذهبي.. ما ذا ترى؟
هناك لفتتان مهمتان في هذا الجانب، الأولى أن الهادوية (وأصر على هذا المصطلح) مارست أبشع أنواع التنكيل داخل إطار المناطق المحسوبة عليها وعبد الله بن حمزة أباد مائة ألف من المطرفية مع ذراريهم، و هم من أبناء المناطق الزيدية (وهنا أحرص على هذا المصطلح كدلالة جغرافية لا مذهبية) رأوا التخلي عن شرط البطنين، وامتدت حركتهم من ذمار إلى صعدة ولهذا لم يجد عبد الله بن حمزة سبيلاً لإيقاف مدهم إلا إبادتهم بعد تشويههم.
ألا ترى أن ثمة مبالغة في الرقم الذي ذكرت؟
لم أذكره من عندي ولك أن تقرأ كتاب تاريخ اليمن الفكري للأديب أحمد محمد الشامي الذي كان شجاعاً في نقد وتجريم ما فعله عبد الله بن حمزة، وهو كغيره ذكر أن ضحايا إبادة تلك المجزرة مائة ألف أو يزيدون.
كمتابع ومهتم.. هل لهم صلة روحية وفكرية مباشرة بإيران؟ وأيضاً بالقاعدة كما تذكر بعض الشخصيات الرسمية؟
وهل يبقى من الأذهان شيء .. إذا احتاج النهار إلى دليل
ولك أن تعود إلى كتابي الزهر والحجر ففيه فصل يتحدث عن الدعم الإيراني لحركة الحوثيين، بالرقم والتاريخ والجهة، وهذا الارتباط ليس حديثا، فأدبيات التاريخ وأدبيات الثوار تفصح عن قدم هذه العلاقة، يقول صالح سحلول، متحدثا عن الإمام البدر:
مسكين من خلى الخلافة وراه
بعد شهرين ادعاها
قد كان يحسب آل حمير شياه
من قاع جهران اشتراها
يروح له إيران عند أصدقاه
أما يمنا هو فداها
هي أرض من ضحى بأزكى دماه
دماؤنا تفدي حصاها
وهي قصيدة رائعة ألقاها أمام الزعيم جمال عبد الناصر في تعز عام 64م. ومنها أيضاً:
جل الذي يسمع دعاء من دعاه
ونيتي يعلم خفاها
الحمد له والشكر يملأ سماه
والأرض له حمداً ملاها
يا ليت رسول الله عليه الصلاه
أعمالهم فينا رآها
يا ويلهم يا خزيهم من لقاه
يوم أمته تظهر شكاها
من اللصوص ذي أحرموها الحياه
وقالوا الجنه جزاها
هذي رواية يا جميع الرواه
قولوا لنا من ذي رواها
هل جنة الفردوس ملك الطغاه
من الذي منهم بناها
أظن لو كانوا عليها ولاه
ما ذاق يماني شرب ماها
أن كانت الجنة لهم يا إله
فالشعب هذا ما يباها
ولا يريد جنه وفيها عُداه
بل يطلبك جنه سواها
ما قد جرى للشعب هذا كفاه
وهذه الدنيا كفاها
قد أحرمونا عيشنا والحياه
وعهدهم كدّر صفاها
أحمد حميد الدين وأبوه من تجاه
جوع اليمن خلف شقاها
أما الخليع البدر شلت يداه
كم يا مخازي قد حواها
وعندما أصبح خليفه هواه
على اليمن من غير رضاها
وجه إلى الشعب اليماني نداه
وأعينه تذرف بكاها
وقال با يتبع سياسة أباه
تلك الرشيده ذي سماها
قال قد طرحها والده في الوصاه
أوصاه يتمشى معاها
ما هي سياسة والده لا سقاه
فقر الجماهير أم فناها
بئس السياسة أخرس الله فاه
يا رب تكفينا بلاها
مسكين ذي ما زاد قّيس خطاه
و رد نفسه من غواها
قد كان مقلا يحسب الشعب شاه
من قاع جهران أشتراها
أراد يحكمنا ويبلغ مناه
موجب أكاذيب أفتراها
ومن كذب مره وحصل غداه
يحرم على نفسه عشاها
هذا حديث البدر والاتجاه
ونيته ذي قد نواها
لكن رب الملك خيَّب رجاه
في ذات ليلة أو ضحاها
وقامت الثورة وحصّل جزاه
وشعبنا لبى نداها
يريد أن يرجع بقلة حياه
دار البشائر ذي بناها
ماذا تريد الرجعية أن تراه
في أرضنا إلا عزاها
يا شعبنا أرضك تريد انتباه
الرجعيه قلّت حياها
تريد أن تسجد وراها الجباه
ما بانصلي . شي وراها
مهما تؤذن أو تقيم الصلاه
ملعون من صلى معاها
يا شعب قُل للبدر ما عاد نباه
يعز نفسه من هثاها
إن قال با يقنع ويكفف أذاه
عنا ويسكهنا بلاها
ولا فجا نتحاسب إحنا وياه
نبلّغ السودا مُناها
يا محنة المخلوع يا محنتاه
من أين للعله دواها
يشتي نقول الأرض هذه جباه
تحرم عليه ما زاد رآها
سمعتك تقول إن التيار الإمامي أحرص الناس على قيام نظام فيدرالي.. برأيك لماذا؟
أشكرك على هذا السؤال، فمن خلال تاريخ الإمامة يتضح لنا كيف أنها عادت للحكم مرارا ولو بعد عقود أكثر من العقود التي مضت منذ 62م وبقيام الوحدة بدت العودة أصعب على مشروع يستمد شرعيته من نظرية مذهبية محدودة النطاق قياسا باليمن الكبير؛ لذا هم يخشون ذوبان مناطق التخصيب التقليدية في المشروع الوطني العام، وهذا لن يمكنهم من عسكرتها بالسيطرة على الحكم من جديد لهذا فالفدرالية تضمن لهم سيطرة تعليمية وقضائية على تلك المناطق وهذا أحد أسباب حرب صعدة، وزيد الوزير صاحب كتاب "نحو وحدة يمنية لا مركزية" أفصح عن هذا التكتيك الصادر عقب قيام الوحدة. ويعتبر محمد المتوكل (الدكتور) امتدادا لأطروحات ابن الوزير وهذا الفخ يتسابق كل من السلطة والمعارضة على الوقوع فيه..