يمر اليمن، منذ العام 2011، بمرحلة انتقالية، تشهد خلالها شرعية الدولة ومؤسساتها اهتزازاً واضحاً مع تدهور متصاعد في أداء هذه المؤسسات على مختلف الصعد السياسية والأمنية والسيادية.
وإذا كانت أهم مؤسسات الدولة الدستورية، هي الرئاسة والحكومة والبرلمان، فإن جميع هذه المؤسسات لم تعد تتمتع بالشرعية الدستورية الكافية، إذ تم التمديد للبرلمان مرتين منذ العام 2009، باتفاق سياسي بين القوى.
والحكومة الحالية توافقية جاءت بمبادرة سياسية عطلت مبادئ الدستور، وتجاوزت مدتها المحددة. أما الرئيس الانتقالي، عبدربه منصور هادي، فقد انتهت فترته المقررة عملياً في فبراير/ شباط الماضي.
وجاءت مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، الذي انعقد في صنعاء برعاية دولية لمدة عشرة أشهر، واختتم أعماله في يناير/كانون الثاني الماضي، لتزيد الواقع هشاشة، فالدولة الموجودة محكوم عليها بالتفكيك وإعادة التركيب لتصبح دولة فيدرالية، وهو ما يعتبره مراقبون قفزة في المجهول.
وتحولت مخرجات الحوار إلى دستور مؤقت أو برنامج سياسي، لقيادة الفترة الانتقالية الثانية، التي بدأت باختتام مؤتمر الحوار، ومددت للرئيس هادي فترة مفتوحة، حتى الانتهاء من صياغة الدستور الاتحادي. صياغة تجرى وسط انتقادات لكفاءة أعضاء اللجنة المعنية، وإحاطة عملها بالتكتم والسرية.
ومعروف أن المهمة الأساسية للسلطة الانتقالية (الرئيس والحكومة)، بعد ثورة التغيير 2011، هي تهيئة البلاد لانتخابات رئاسية، وبرلمانية تعود فيها البلاد إلى وضع طبيعي قائم على شرعية الصندوق الانتخابي. لكن مؤتمر الحوار أدخل البلاد في مسار آخر، إذ تم بواسطته التمديد الناعم للرئيس والحكومة والبرلمان، وأجّل الاستحقاق الانتخابي حتى إقرار دستور جديد تجرى بموجبه الانتخابات.
وكانت المرة الأخيرة التي انتخب فيها اليمنيون برلماناً، في العام 2003، وهناك بند دستوري يتيح التمديد له في "الظروف القاهرة". أما آخر مرة جرت فيها انتخابات رئاسية وفق الدستور، فكانت في العام 2006، وبالنسبة إلى موقع الرئيس، فقد جرى انتخاب هادي رئيساً مؤقتاً في فبراير/شباط 2012 لمدة عامين، في عملية كانت أقرب إلى استفتاء شعبي منها إلى انتخابات، لكونها كانت انتخابات غير تنافسية، اقتصرت على مرشح أوحد.
وينطبق الأمر أيضاً، على السلطات المحلية، إذ لم يجر تجديد لانتخاب أعضاء مجالسها، بعدما كانت آخر انتخابات في العام 2006، بالتزامن مع انتخابات الرئاسة، على أن أغلب المحافظين المنتخبين في عموم المحافظات اليمنية، تم استبدالهم بآخرين بقرارات تعيين رئاسية.
ويبدو الأفق الانتخابي المرتقب بعيداً بعض الشيء، بعدما أقرت مخرجات الحوار اعتماد نظام الانتخاب بالقائمة النسبية، بدلاً من نظام الدوائر الجغرافية، وكذلك إعداد سجلات جديدة للناخبين.
ولا يبدو أن اللجنة العليا للانتخابات والاستفتاء قد قطعت شوطاً في هذين الجانبين، قياساً بالمدة التي انقضت، منذ انتقال السلطة في البلاد من حكم الرئيس علي عبدالله صالح إلى الرئيس هادي في نوفمبر/تشرين الثاني 2011.
وتؤدي جزئية عدم تجديد شرعية المؤسسات التشريعية والتنفيذية في مواعيدها المحددة، دوراً في تزايد الانتقادات.
ومن جهة أخرى، حلّت "المحاصصة" في المناصب الحكومية، بين الأحزاب المشاركة في الحكومة، منذ بدء الفترة الانتقالية، ما يزيد تدهور الأداء الرسمي لمؤسسات الدولة، التي أصبحت قِسمة بين شركاء.
إضافة إلى المحاصصة السياسية بين "أحزاب المشترك" و"حزب المؤتمر"، دخلت المحاصصة المناطقية، على أساس المناصفة بين "شمال" و"جنوب"، وهو ما تم تعزيزه تدريجياً في الفترة الانتقالية، وأصبح من أهم مبادئ مخرجات مؤتمر الحوار، الذي أقر منح 50 في المئة من المناصب القيادية في المؤسسات التنفيذية والتشريعية والقضائية للجنوبيين.
السلك الدبلوماسي ليس أفضل حالاً، فهو شبه معطّل، جراء عدم تعيين سفراء في نحو 40 دولة بعد انتهاء الفترات القانونية للسفراء المعينين، إذ كان من المفترض أن يعيّن الرئيس هادي سفراء بديلين منذ العام 2012، ولكن ذلك لم يحدث، لأسباب غير واضحة.
مؤسسة القضاء أيضاً، تحفل بالعديد من المشاكل، بعضها وثيق الصلة بحالة عدم الاستقرار التي يعيشها البلد، والآخر مرتبط بمطالب منتسبي السلك القضائي والنيابة العامة، التي تكثر بسببها الإضرابات من حين لآخر.
وبالنسبة إلى مؤسسات الجيش والأمن، فإن وضعها يتزايد سوءاً بتصاعد دور الميليشيات المسلحة وعدم سيطرة الدولة على كل أراضيها، فضلاً عن أسباب أخرى، كتعدد الولاءات داخل هاتين المؤسستين.
فوق ذلك، فقدت الدولة اليمنية جزءاً من السيادة، فالمرحلة الانتقالية قائمة على المشرفين الدوليين، وتكللت مع بدء المرحلة الانتقالية الثانية بوضع اليمن تحت "الفصل السابع" من ميثاق الأمم المتحدة، وهو الذي يبيح التدخل العسكري الخارجي، فضلاً عن الوصاية بأشكالها المختلفة، والمتجسدة في "مجموعة الدول العشر" المشرفة على المبادرة الخليجية، ومبعوث الأمم المتحدة جمال بن عمر.
وربما يزداد الأمر سوءاً مع الدفع نحو حكومة جديدة، ستمدد المرحلة الانتقالية التي يأمل اليمنيون أن تنتهي، ويعود البلد إلى وضع طبيعي قائم على مؤسسات دستورية انتزعت مشروعيتها من الشعب.