وصل وفد رئاسي يمني رفيع على متن مروحية خاصة إلى محافظة صعدة شمالي البلاد، ظهر أمس الإثنين، للقاء زعيم جماعة "أنصار الله"، عبد الملك الحوثي، في خطوة هي الأولى منذ سيطرة الجماعة على صنعاء وعدد من المحافظات في سبتمبر/أيلول الماضي.
ويضم الوفد عدداً من مستشاري الرئيس اليمني، عبدربه منصور هادي، من ممثلي القوى السياسية، وأبرزهم عبدالكريم الإرياني، والأمين العام لحزب الإصلاح، عبدالوهاب الآنسي، ورشاد العليمي عن حزب المؤتمر الشعبي، بالإضافة إلى المستشار الرئاسي عن الحوثيين، صالح الصماد، وعن الحزب الاشتراكي اليمني، يحيى منصور أبو أصبع، وسلطان حزام العتواني عن التنظيم الناصري.
وفي الوقت الذي لم تكشف فيه الجهات الرسمية عن أهداف الزيارة، قالت مصادر في أحزاب اللقاء المشترك لـ"العربي الجديد" إن الوفد توجه للقاء الحوثي ليناقش معه قضية تقسيم اليمن إلى أقاليم. وترفض جماعة "أنصار الله" التقسيم المقرّ في مسودة الدستور، إلى ستة أقاليم، وتدفع باتجاه خيار إقليمين شمالي وجنوبي.
وحسب تسريبات تبنتها وسائل إعلامية مقربة من حزب المؤتمر الشعبي الذي يتزعمه الرئيس السابق، فإن الخيار الأخير يدفع نحوه أيضاً هادي بصورة غير مباشرة، ويستخدم ضغط الحوثيين لإقراره.
وجاءت هذه الخطوة بالتزامن مع إعلان لجنة صياغة الدستور الانتهاء من إعداد المسودة الأولية، والتي تتضمن توصيات وقرارات مؤتمر الحوار الوطني، وفي مقدمتها قرار تقسيم البلاد إلى ستة أقاليم. وهو الخيار الذي جدد الحوثي رفضه له في خطابه الأخير بمناسبة "المولد النبوي" السبت الماضي.
كما جاءت هذه الزيارة بعد تسريبات قوية عن اتفاق غير معلن بين هادي والحوثيين، رعته وساطة عُمانية بمباركة إيرانية، ووُقع أخيراً في العاصمة مسقط، يتضمن التمديد لهادي والتراجع عن الأقاليم المتعددة إلى "خيار الإقليمين". ولم يصدر أي نفي من قبل الحوثيين أو الرئاسة اليمنية لتلك الأنباء. وكان الإرياني، المستشار السياسي للرئيس، الذي ذهب ضمن الوفد الأخير، قد أكد في تصريحات سابقة، وجود دور تؤديه عُمان بالوساطة بين هادي والحوثيين. ولم يستبعد مراقبون أن الوفد الرئاسي لصعدة هو بداية لإخراج "اتفاق مسقط" بصيغة وطنية علنية.
يشار إلى أنه، وحسب اتهامات مصادر مقربة من حزب المؤتمر الشعبي العام، فإن هادي والحوثيين قد اتفقا مبدئياً على إلغاء خيار الأقاليم الستة واستبداله بالإقليمين. غير أنه حسب هذه الاتهامات، يستخدم ضغوط الحوثي كمبرر لإخراج الصيغة الجديدة، التي تتفق مع رؤية العديد من فصائل الحراك الجنوبي الرافضة لفكرة تقسيم الجنوب إلى إقليمين، في مقابل تمسك بعض الأحزاب، منها حزب المؤتمر وحزبا التجمع اليمني للإصلاح، والتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري، ب"خيار الستة الأقاليم". على أن هذا التمسك من قبل هذه الأحزاب بخيار الأقاليم الستة، ليس ناتجاً بالضرورة، بحسب مراقبين، عن اقتناع هذه القوى بنجاح فكرة "الأقاليم المتعددة"، بقدر ما هو هروب إلى الإمام ووضع العقبات أمام "الإقليمين" القائمين على حدود شطري اليمن قبل الوحدة 1990.
وفي المجمل، فإن هذه التحركات تمثل التفافا بشكل أو بآخر، على مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل، وعن روح المبادرة الخليجية، التي تعتبر مرجعية المرحلية الانتقالية التي ابتدأت في اليمن منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2011، ولا يُعرف بالضبط، متى سوف تنتهي.
وواجهت الخطوة المتمثلة بإرسال وفد رئاسي لمقابلة زعيم الحوثيين في صعدة تهكماً وسخرية واسعة من قبل ناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ بدت تكراراً لسيناريو ممل من الوفود الرئاسية والمفاوضات مع الحوثي تعوّد عليه اليمنيون في عام 2014 والذي ما إن وصل إلى ربعه الأخير حتى كانت الجماعة قد ابتلعت الدولة، وأصبحت المسيطر الأول على القرار في صنعاء.
وتظهر الوفود القادة السياسيين في موقف ذليل وهم يذهبون لمحاولة إرضاء القيادي الصاعد في معقله بصعدة، ومن غير المستبعد أن يرفض الحوثي الرضوخ ويتمسك بمطلبه، على غرار مفاوضات الوفود الرئاسية عقب قرار "رفع أسعار الوقود" في أغسطس/آب العام الماضي.