منذ سيطرة تنظيم "القاعدة" على مدينة المكلا عاصمة محافظة حضرموت شرقي اليمن، لم يُبدِ أي نية لتوسيع دائرة نفوذه على الرغم من سقوط معسكرات وسلاح ثقيل في يده.
وأحكم التنظيم هيمنته على مدينة المكلا، في 2 أبريل/نيسان الماضي، في عملية لا تزال تفاصيلها غامضة، حين انسحبت كل التشكيلات العسكرية، ولم تُبدِ أي مواجهة تذكر أمام مسلحي التنظيم.
وحصّن "القاعدة" مداخل المدينة في ظل هجرة معظم قياداته إليها باعتبارها المنطقة الأكثر أماناً بالنسبة لهم، بحسب ما أكدته مصادر. وأنشأ التنظيم، أخيراً، هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وتشير أنباء إلى عزم التنظيم هيكلة جهازه الأمني وإعلانه بشكل رسمي، وهو ما يؤكد أن التنظيم ماضٍ في تثبيت وجوده في مدينة المكلا والعمل على خلق حاضنة له بين سكانها، بعيداً عن خيار بسط السيطرة على رقعة جغرافية أكبر.
وعلى الرغم من أن وادي حضرموت بمساحته الشاسعة، كان المكان المفضل لتحركات التنظيم وتنفيذ عملياته ضد وحدات الأمن والجيش، إلا أن عملياته هناك تراجعت تزامناً مع سيطرته على مدينة المكلا. وكانت التوقعات تشير إلى أن محافظة حضرموت والمناطق المجاورة لها ستكون تحت قبضة تنظيم "القاعدة" بعد سيطرة الأخير على مقر قيادة المنطقة العسكرية الثانية وقيادة "اللواء 27 ميكا"، أكبر معسكرات الجيش في المدينة، إلا أن التنظيم اكتفى بإحكام السيطرة على المكلا ومديريات الساحل من دون أي محاولة تشير إلى نيته توسيع سيطرته على بقية المناطق.
وفي اتجاه محافظة شبوة، اكتفى التنظيم بتأمين الطرق المؤدية من وإلى المحافظة في ظل وجود وحدات كبيرة من الحرس الجمهوري وقوات الحوثيين الذين أحكموا سيطرتهم على عتق، عاصمة المحافظة.
ومع صعود نجم تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في اليمن ومحاولته فرض تنافس مع "القاعدة"، من المحتمل أن تكون حضرموت إحدى ساحات الصراع على السيطرة، خصوصاً بعد اعتراف قائد المنطقة العسكرية الأولى اللواء عبدالرحمن الحليلي في تصريحات صحافية، برصد تحركات لـ"داعش" في وادي سر، لكن الحليلي أكد أن قوات المنطقة العسكرية الأولى سيقفون ضد أي هجوم وعدوان على المحافظة من أي جماعات أو مليشيات مسلحة.
ويرى مراقبون أن الضربات الأميركية بطائرات من دون طيار التي استهدفت التنظيم، أخيراً، وسقط خلالها بعض قادته، دفعت التنظيم إلى الإحجام عن توسيع سيطرته، وترك عناصره يتحركون في مساحات مفتوحة تحاشياً لاستهدافهم، خصوصاً أن حضرموت تتميز ببيئتها الصحراوية.
وفي هذا السياق، يقول الباحث المتخصص في شؤون الجماعات الإسلامية، نبيل البكيري، إن توجّه "القاعدة" إلى عدم التوسع وسيطرته فقط على معدات الجيش والتموضع في حضرموت، يضع أكثر من علامات استفهام حول حقيقة الاختراق الذي يعانيه "القاعدة" بشكل كبير، وخصوصاً بعد القضاء على عدد من قادة الصف الأول فيه، كناصر الوحيشي وحارث النضاري وإبراهيم الربيش.
ويستبعد البكيري، أي حسابات أخرى تمنع التنظيم من توسيع سيطرته باستثناء تلك المتعلقة بالاختراق الذي تعانيه "القاعدة"، مؤكداً أن "داعش" اليمن مجرد فزاعة أكبر منها حقيقة، ومن المبكر الحديث عنه كواقع موجود، وربط تحركاته ضمن حساب توسيع السيطرة والانحسار لدى "القاعدة".
من جهته، يرى الصحافي، أحمد الجعيدي، أن عدم مغامرة "القاعدة" للدخول في حرب لضم مناطق جديدة، يعود لتكثيف الطائرات الأميركية من دون طيار من طلعاتها التي أدت إلى مقتل أكثر من 20 عنصراً من التنظيم، بينهم قيادات كبيرة.
ويشير في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن إعادة الانتشار الأمني المشدد الذي انتهجته قيادة المنطقة العسكرية الأولى في سيئون قلّل، أيضاً، من فرصة نجاح أي محاولة من "القاعدة" للتوسّع في مناطق الوادي. موضحاً أن التنظيم اكتفى بتأمين إحدى الطرق المؤدية إلى الوادي تضمن تسلل عناصره إلى المدينة من دون الدخول في مواجهة حقيقية مع قوات المنطقة الأولى.
ويؤكد الجعيدي، أن التنظيم يفضّل، دائماً، السيطرة على منطقة معينة تكون بمثابة معقل لتحركاته وتنفيذ عمليات في محيطها، بعيداً عن الدخول في حرب طويلة تنتهي بالسيطرة على رقعة جغرافية أكبر، وهو الأسلوب نفسه الذي اعتمده أثناء سيطرته على محافظة أبين في عام 2012.
وعن السلاح الثقيل الذي غنمه التنظيم من أكبر المعسكرات في المحافظة، يشرح أن هذا السلاح يحتاج لخبرة تدريبية كافية للتعامل معه، وهو ما يفتقده التنظيم، وبالتالي تقل جدوى السيطرة عليه من الجماعات المسلحة.