غابت المنظمات الحقوقية والإنسانية عن اليمن في ظلّ الحرب، فازدهرت، في المقابل، أنشطة تطوعية محلية ذات طبيعة شبابية في أكثر من منطقة.
وبالرغم من أنّ اليمن شهد في السنوات الثلاث الماضية تزايداً ملحوظاً في عدد منظمات المجتمع المدني الناشطة في مجال حقوق الإنسان تحديداً، إلاّ أن ذلك لم ينعكس على حياة اليمنيّين بشكلٍ ملموس لا في السلم، ولا في الحرب حيث يشتد الاحتياج إلى خدماتها. ذلك لأنّ الكثير من تلك المنظمات تبيّن أنّها وهمية، أو تعمل لصالح أحزاب سياسية أو مكوّنات مذهبية لغرض سياسي معين، أو أنشئت من أجل الكسب غير المشروع وفي انتظار التمويل الخارجي الذي شهد انخفاضاً كبيراً.
وصل عدد منظمات المجتمع المدني في اليمن إلى نحو 13 ألف منظمة، بحسب وزارة الشؤون الاجتماعية. بينما لم يكن عددها عام 2006 أكثر من 5203 منظمات، موزعة بين جمعيات أهلية وتعاونية.
يتساءل الناشط الحقوقي عبد الإله علي (33 عاماً) من عدم وجود نشاط ملموس وواضح للمنظمات الحقوقية والإنسانية اليمنية في هذه المرحلة الحرجة. ويقول: "إن لم تعمل المنظمات الحقوقية والإنسانية على رصد وتتبع الانتهاكات والمشاكل التي يعاني منها مئات آلاف الناس في مرحلة الحرب، فمتى تتحرك وتعمل؟". ويشير إلى أنّ هذا يعني أنّ اليمنيين خدعوا بشعارات معظم "المنظمات الحقوقية الزائفة" خصوصاً أنها أنفقت الكثير من أموال المانحين والحكومة من أجل رفع قدرات كوادرها وبناء فرق وشبكات بين المنظمات وأخرى تطوعية من أجل التعامل مع الأزمات.
هذا التقاعس أثناء الحرب، قابله انتعاش في العمل الشبابي التطوعي، فقد ظهرت مبادرات محلية في مساع رآها شباب حتمية لإيجاد حلول لإغاثة المتضررين من الحرب من المحاصرين والجرحى والنازحين والمعدمين.
ومن ذلك حرص أدهم فهد (18 عاماً) على التطوع بجهده ووقته لتقديم المساعدة في أعمال الإغاثة خلال فترة حصار الحي الذي يسكنه في مدينة عدن (جنوب). وعن تجربته القصيرة في التطوع، يشير فهد إلى أنها انحصرت في حمل وتوزيع المواد الغذائية للمتضررين. يقول لـ"العربي الجديد": "آخر ما قمنا به، كان تفريغ شاحنة كبيرة من شحنة وحيدة من المساعدات الغذائية لإحدى المنظمات الدولية والتي تم السماح لها بدخول المدينة لإغاثة المتضررين من الحرب". ويشير إلى أنّ 45 شاباً كانوا معه، وجميعهم كانوا يعلمون انّهم لن يتقاضوا مالاً.
الشابة فاطمة فتحي (24 عاماً) تمارس أيضاً العمل التطوعي بالرغم من أجواء الحرب ومعارضة والدتها لها. تقول إنها وباقي زملائها في مدينة عدن سرعان ما شكلوا فريقاً تطوعياً بعد رفضهم مشاهدة الحي الذي يسكنونه والنفايات تتراكم فيه بعد عجز السلطات على رفعها، وهو الأمر الذي بدأ يعرّض الأهالي لمخاطر تفشي الأمراض وسط الحر الشديد. وتشرح: "نفذنا حملات تنظيف متكررة لبعض الأحياء البعيدة عن المواجهات المسلحة خلال الأسابيع الماضية، وأصبح وضع الحي أفضل جمالياً وصحياً من الأحياء المجاورة التي لم تبذل أي جهود".
وفي عدد من المدن شمالاً، يشارك كثير من الشباب في الأعمال الإغاثية للمتضررين وإيواء النازحين. لكن النشاط الأبرز هو حراسة الأحياء مساءً بعد حوادث سرقة طاولت كثيراً من المنازل التي نزح منها أصحابها منذ بداية غارات التحالف العربي.
ويسهر أسامة الآنسي، وهو طالب جامعي في صنعاء، مع مجموعة من زملائه مساء كل يوم متجوّلين في الحي الذي يسكنونه. ويعتبر أسامة ذلك أحد أنواع التطوع بعد فشل الجهات الأمنية في حفظ الأمن بالمدينة. يضيف: "نقوم بهذا العمل المجهد والخطير من دون أي مقابل، لكننا نشعر بأننا قدمنا خدمة جليلة للمجتمع بعد أن انخفضت أعداد حوادث السرقة بشكل ملحوظ".
[b]21 مليوناً بحاجة للمساعدة[/b]
وسط الغياب الكبير للمنظمات اليمنية والدولية المعنية بحقوق الإنسان والإغاثة في كافة المجالات، يقول آخر تقرير لمكتب الأمم المتحدة في اليمن إنّ الاحتياجات الإنسانية خلال الأشهر الثلاثة الماضية، ارتفعت إلى 21 مليون شخص يمثلون 80 في المائة من إجمالي عدد سكان اليمن. ومن هؤلاء 11 مليون شخص يحتاجون إلى حماية حقوقية وقانونية ونفسية أثناء الحرب الراهنة.