في الاخبار المتداولة أن الرسالة التي قدمها وزير الخارجية اليمني لأمير الكويت الشيخ صباح الاحمد الصباح قبل انعقاد قمة مجلس التعاون الثلاثين تضمنت أربع نقاط رئيسية، تتعلق بتطورات الحرب مع حركة التمرد الحوثية..
وما يجري من حراك في الجنوب اليمني يطالب بعضه بالانفصال، ونشاط تنظيم القاعدة في اليمن والجزيرة العربية وأخيرا الوضع الاقتصادي في اليمن، فضلا عن رسالة اخري لقادة دول مجلس التعاون الخليجي تجدد رغبة اليمن في الانضمام إلي المجلس.
ورغم عدم نشر فحوي الرسالة اليمنية الاولي، فإن عناصرها الاربعة كفيلة بالاستنتاج بأن اليمن ينطلق في علاقته بمجلس التعاون الخليجي من إدراك يستند إلي مفهوم وحدة المصير، وأن ما يواجه اليمن من تحديات أمنية واقتصادية يمثل بشكل أو بأخر تحديات لدول المجلس سواء بصورة منفردة أو بصورة جماعية.
ولعل الحملة العسكرية السعودية علي عناصر التمرد الحوثي في الشريط الحدودي بين اليمن والسعودية، والتي استمرت حتي الآن خمسة أسابيع متصلة ومرشحة للاستمرار فترة أخري، تؤكد تشابك الوضع الأمني بين كل من اليمن والسعودية من جانب، وتشابك التحديات التي تواجه دول المجلس مجتمعة واليمن من جانب آخر.
فالبعد الجغرافي والامتداد المجتمعي والموقع الاستراتيجي لليمن في جنوب الجزيرة العربية وإطلالته علي بحر العرب وباب المندب وخليج عدن، وهي كلها ممرات بحرية تجارية دولية هامة للاقتصاد العالمي كله ولاقتصاد دول الخليج العربية معا، والتقارب الثقافي والديني تجعل قضية انضمام اليمن لمجلس التعاون مسألة محسومة من الناحية النظرية، ولكنها ليست كذلك من الناحية الفعلية.
إذ هناك تياران داخل مجلس التعاون، الأول يري أن اليمن ليس مؤهلا من الناحية الاقتصادية ولا من ناحية نظام الحكم في أن يكون عضوا كامل العضوية في المجلس، فضلا عن أن حجم السكان في اليمن
وارتفاع نسبة الشباب في سن العمل سوف تؤدي في حال العضوية الكاملة إلي التغلغل في ثنايا المجتمعات الخليجية بما قد يؤثر علي تركيبتها السكانية. أما التيار الثاني فيري أن اليمن مؤهل بالفعل، رغم وضعه الاقتصادي الصعب ونظام حكمه المختلف عن باقي الأنظمة في دول المجلس، في ان يكون عضوا كامل العضوية،
وبما يمثل إضافة لوضع المجلس من زاويتين; أولاهما إيجاد آليات جماعية لمساعدة الاقتصاد اليمني علي الخروج من أزماته الهيكلية بما في ذلك الاستفادة من النسبة الأكبر من طاقة العمل اليمنية داخل اليمن ذاته وبالتالي تحقيق طفرة اقتصادية تسهم في الاستقرار السياسي والذي من شأنه أن يحاصر كل دعوات التمرد المسلح والانفصال وتقسيم البلاد، وأنه حتي لو اندمجت عمالة اليمن الشابة في بنية المجتمعات الخليجية فهذا أفضل لحماية وضمان الهوية العربية لهذه المجتمعات الخليجية في مواجهة التأثيرات السلبية الشديدة التي تحملها العمالة الأسيوية الغالبة في تلك المجتمعات.
وثانيتهما أن موقع اليمن الاستراتيجي هو جزء من منظومة أمن دول مجلس التعاون لا يمكن خصمها من أية تصورات تتعلق بمصير الأمن الجماعي في الاقليم الخليجي وارتباطاته العضوية مع أمن أقاليم أخري وفي المقدمة أمن البحر الأحمر ومنطقة القرن الإفريقي.
التياران موجودان منذ فترة طويلة، وكل ما هنالك أنهما وجدا في صيغة مشاركة اليمن في بعض مجالات عمل مجلس التعاون في الصحة والثقافة والتعليم والرياضة كما حدث منذ عدة سنوات نوعا من الحل الوسط الذي يجعل لليمن وضعا خاصا في بعض آليات عمل المجلس ولكن دون منحه العضوية الكاملة. بيد أن اللحظة الجارية تفرض منظورا مختلفا، أو بالأحري تفرض رؤية خليجية جماعية أكثر مرونة في التعامل مع الحالة اليمنية، رؤية تنطلق من أن هناك وحدة مصير بين اليمن وكل منظومة مجلس التعاون الخليجي.
وهي وحدة تفيد الجميع ولا تمثل خصما من أي طرف، وليس من شأنها أن تقلب موازين القوي الداخلية في المجلس لسبب مهم وبسيط أيضا وهو أن اليمن ليس من مصلحته أن يكون عبئا علي نفسه وعبئا علي غيره..
بل يريد أن يكون عنصرا إيجابيا وفاعلا ومفيدا لمنظومة إقليمية اثبتت قدرتها علي البقاء والاستمرار والتطور التدريجي رغم كل العقبات والتدخلات التي أرادت أن توقف مسيرة المجلس أو أن تضع لتحركاته وطموحاته سقفا محدودا لا أفق له.
لقد جرب وأجاد مجلس التعاون سياسة التعايش مع بعض الأزمات الواردة من دول الجوار، كما حدث إبان الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينات من القرن الماضي، وأزمة غزو الولايات وبريطانيا للعراق مارس2003 وما لحق ذلك من تدهور أمني ونزاعات مذهبية وطائفية وسياسيه مازالت تتفاعل حتي الآن..
وأزمة البرنامج النووي الإيراني التي لاتزال فصولها تجري في أكثر من اتجاه يجمع بين احتمال المعالجة السياسية والدبلوماسية واحتمال اندلاع مواجهة عسكرية بين إيران والولايات المتحدة وإسرائيل. وربما تمتد هذه السياسة إلي حالة المواجهة مع التمرد الحوثي المسلح في اليمن. وهنا قد تكون هذه السياسة غير مجدية من أكثر من زاوية.
فالتمرد الحوثي المسلح وما يحمله من مؤثرات إيرانية لم يعد قاصرا علي اليمن، فقد امتد تأثيره إلي الاراضي السعودية مما استدعي تدخلا عسكريا مباشرا من الرابع من نوفمبر وما زال، أو بعبارة اخري أن إحدي دول مجلس التعاون باتت في مواجهة عسكرية مباشرة مع أحد انواع التهديدات الجديدة النابعة من جماعات تؤمن بعقيدة معينة في تغيير نظم الحكم وتعبر عن امتداد لنفوذ قوة إقليمية يعرف عنها رغبة ومسعي التغيير الراديكالي في عموم المنطقة.
ووفقا لهذا التشخيص فنحن أمام حالة تتعرض فيها إحدي دول مجلس التعاون لتهديد أمني خطير، وهو ما لا يصلح معه أسلوب التعايش المطبق في أزمات سابقة.
وليس سرا أن اليمن تتهم مراجع دينية إيرانية بدعم التمرد الحوثي، وهو ما أكده وزير الخارجية اليمني ابو بكر القربي اكثر من مرة مطالبا إيران بتحمل مسئوليتها في هذا الموقف، وأن تكف عن سياسة الاشادة بالتمرد والاكتفاء بالمطالبة بحل النزاع سلميا وعبر الحوار كما قال بذلك وزير الخارجية الإيراني منوشهر متقي اكثر من مرة.
ولعل تصريحات علي محمد الأنسي رئيس جهاز الأمن القومي اليمني أمام منتدي الامن الذي عقد مطلع الأسبوع الجاري في المنامة هي الاكثر وضوحا في اتهام إيران رسميا بدعم الحوثيين مؤكدا وجود دلائل لدي اليمن علي التورط الإيراني وإن لم يحن وقت كشفها إعلاميا، ومطالبا طهران بأن تدين هذا التمرد لا أن تناصره دعائيا وإعلاميا، ومعتبرا أن الحوثيين ينفذون أجندة أجنبية ويصفون حسابات دول أجنبية علي الأراضي اليمنية.
وثانيا فإن اتباع سياسة التعايش مع الأزمات ومع هذه الأزمة بالذات من شأنه أن يرسل رسالة خاطئة وليست في محلها ومن شأنها أن تضر بسياسة الامن الجماعي التي يتمسك بها المجلس إزاء التحديات التي تواجه دوله المختلفة.
وثالثا أن أزمة التمرد الحوثي هي من نوع الأزمات الاجتماعية الممتدة الجالبة لمؤثرات خارجية، وكلما تأخرت عملية الحسم أدي ذلك إلي اتساع نطاق التهديدات والمخاطر.
ورابعا فإن مكونات السياسة الخارجية اليمنية وتحالفاتها الخارجية قريبة الصلة بمكونات وتحالفات دول مجلس التعاون الخليجي، ومن القواسم المشتركة في اللحظة الجارية بين الطرفين; تلك العلاقة الخاصة مع الولايات المتحدة والانفتاح علي دول العالم المختلفة وأولوية الاندماج في الاقتصاد العالمي والابتعاد عن السياسات الهجومية ونزعات التغيير الراديكالية، والتمسك بالمبادرة العربية للسلام كأساس لحل الصراع العربي الاسرائيلي وتأييد حقوق الشعب الفلسطيني..
لاسيما حق الدولة المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس، والتفاعل الايجابي مع مبادئ الاستقرار الاقليمي والعالمي وديموقراطية العلاقات الدولية، والالتزام بحل النزاعات بالطرق السلمية وفقا لميثاق الامم المتحدة والجامعة العربية، فضلا عن مواجهة الارهاب بكل تنظيماته وأساليبه.
وخامسا أن انهيار الوضع اليمني سيكون مكلفا علي المنطقة بأسرها، وفي المقدمة دول مجلس التعاون.
خلاصة الامر أن هناك اكثر من سبب يدفع إلي أن يتبني مجلس التعاون في قمته الثلاثين سياسة ذات طابع مختلف تجاه اليمن، سياسة تفتح الباب أمام خطة عمل في مدي زمني مناسب لتأهيل اليمن لعضوية كاملة في مؤسسات وفعاليات المجلس المختلفة، سياسة تقوم علي حقيقة الترابط العضوي بين مصير اليمن كدولة وبين مصير المجلس كتجمع وكدول اعضاء، سياسة تعمل علي تغيير موازين القوي في إطار شبه الجزيرة العربية لصالح قوي الاستقرار والتنمية وليست قوي التغيير المسلح وإعلاء شأن المذهبية وتفتيت الأمة لتكون لقمة سائغة في فم أعدائها.