نحن أمام فصل جديد، وسياسة جديدة، وصورة مختلفة، تتزامن مع سحب الولايات المتحدة معظم قواتها من العراق، وتغيير لهجة رئاسة واشنطن في صياغة تصريحاتها حيال شؤون العرب والمسلمين. عمليا هذه ولايات متحدة جديدة، أو تحاول أن تبدو كذلك.
لتسع سنوات انشغلت واشنطن بقضها وقضيضها، سياسييها وعسكرها، في استراتيجية تقوم على مواجهة هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، وتهديدات تنظيم القاعدة. أما اليوم فإنها تمارس دورها الحقيقي كلاعب سياسي مهم وصاحب مصالح كبيرة في المنطقة والعالم، عندما دشنت المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية وفتحت الباب لسورية، وبدأت بحفل متواضع في واشنطن، وهجم كبار مسؤوليها على المنطقة في اجتماعات متعددة، على الرغم من هذا حرصت على أن تقول بتواضع وتعترف بأن هناك أملا، لكنه ضعيف، في التوصل إلى اتفاق سلام.
القوى المختلفة في المنطقة تؤيد الفكرة والخطوة، وأزعم أنه حتى سورية، وحتى حركة حماس على الرغم من بياناتها المعارضة، وقتلها للإسرائيليين، وحملتها الدعائية ضد حكومة محمود عباس، ليست ضد التفاوض ولا ضد الأفكار المطروحة، هي ضد تهميش دورها، أو بالأحرى إلغائها من الحساب الفلسطيني. ولهذا أتوقع أنه في مرحلة لاحقة ستصل إليها بطاقة دعوة للانضمام إلى الحفل، وستفعل في اللحظة المناسبة. فقد لاحظنا أن معارضة حماس ليست عنيفة مقارنة بالماضي، بل تبدو مثل من يريد أن يعلن اعتراضه دون أن يخسر مكانه. ومن صالح الجميع، الفلسطينيين والإسرائيليين والوسيط الأميركي، أن تنضم حماس إلى المائدة في اللحظة المناسبة. وبعث الدعوة متأخرة من صالح حماس، حتى لا تجلس اليوم معهم، لأنها لو فعلت ستفقد ورقة التوت التي تتغطى بها جماهيريا.
والأمر مشابه مع سورية التي تريد المفاوضات وترفض تجاهلها، وتعتقد أن أي اتفاق مع الفلسطينيين لوحدهم مستقبلا هدفه محاصرة دمشق وإضعاف أوراقها التفاوضية، وهذا إلى حد كبير صحيح.
فسورية تعلم أن الضفة الغربية أهم من الجولان، والقدس أهم من جبل الشيخ، والإجماع العربي كله وراء الحق الفلسطيني. وعندما رأينا الوفود الأميركية تتقاطر على دمشق اليومين الماضيين، بات جليا أن الأميركيين على الرغم من استمرار العقوبات على سورية مستعدون لرعاية مفاوضاتها مع إسرائيل. لكن هل يستطيع رئيس الوزراء أن يتحمل إشكالات المعارضة الداخلية في شأن الجولان أيضا؟ وثانيا هل سيقبل الأميركيون الشرط السوري الأساسي بعدم العودة إلى نقطة التفاوض الصفرية؟ أعتقد أنه في مصلحة الأميركيين مساندة المطلب السوري، توفيرا للوقت والجهد، لأن كل المفاوضات السابقة وصلت إلى تفاهمات أساسية في حق السوريين في أراضيهم المحتلة وحق الإسرائيليين في الضمانات الأمنية.
وعلى الرغم من أهميتها، فإن الحدث الكبير ليس المفاوضات، لأنها قد تفشل مبكرا، بل في تبدل السياسة الخارجية الأميركية على جميع محاورها الرئيسية. الآن نستطيع أن نقول إن هناك سياسة أوبامية في منطقة الشرق الأوسط عموما.. سياسة تميل إلى استخدام الإغراءات لا ممارسة الضغوط؛ فهي، وإن كانت شدت وثاق الحبال في محاصرة إيران، إلا أنها لم تستخدم أبدا لغة التهديد العسكري، على الرغم من أن القيادة الإيرانية هددت بها، وبدأت في تشييد المزيد من المواقع النووية. وقالت الخارجية الأميركية إنها على الرغم من إصرارها على محاصرة إيران اقتصاديا فإن الباب التفاوضي مفتوح.
أيضا يمكن القول إن الوسيط الأميركي يعمل في مناخ شعبي عربي مريح استثنائيا، فهذه المرة الأولى التي لا تقرأ مقالا أو تسمع تعليقا ضد الرئيس الأميركي. أوباما صنع لنفسه سمعة جيدة هنا في هذه المنطقة، على الرغم من أنه لم يعط العرب فعليا شيئا، وهذه لم تحدث قط مع كل الرؤساء الثلاثة وأربعين الآخرين.