لا يخفى أن للعلماء مكانة عظيمة حفظها لهم الشرع المطهر لعظم قدرهم في الأمة لأن طاعتهم طاعة لله - عز وجل - وطاعة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فالتزام أمرهم واجب، قال - تع إلى -: "يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولو الأمر منكم" سورة النساء الآية 59.
قال ابن عباس - رضي الله عنه -: (يعني أهل الفقه والدين وأهل الله الذين يعلمون الناس معاني دينهم، ويأمرونهم بالمعروف وينهونهم عن المنكر فأوجب الله طاعتهم على عباده) رواه الطبري في تفسيره 5/941.
وحتى مرد طاعة الأمراء لا بد أن تكون إلى طاعة العلماء، كما أن مرد طاعة العلماء لا بد أن تكون إلى طاعة الله - سبحانه - وطاعة رسوله الله - صلى الله عليه وسلم-.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - : (وكل أمة قبل بعثة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - فعلماؤها شرارها إلا المسلمين فإن علماءهم خيارهم) رفع الملام ص 11.
ولذا من الطبيعي أن يكون لعلماء اليمن مكانة عند عامة اليمنيين، ولمواقفهم اعتبار له وزنه وثقله، وهذا ما دفع حتى النظام أن يضغط بقوة بهذه الورقة " ورقة العلماء"على فرقائه السياسيين، وهنا اختلفت مواقف علماء اليمن من الثورة اليمنية، فكانت مواقفهم-حسب قراءتي- على النحو التالي:
1-الغالبية من العلماء أيدوا الثورة وانضموا إليها، من مختلف التوجهات العلمية والحزبية والمذهبية والمستقلين.
أ- فمن السلفيين مثلاً الشيخ الدكتور عقيل المقطري كان من أوائل الذين التحقوا بشباب الثورة في ساحة الحرية في مدينة تعز، وقد قاد علماء تعز إلى الساحة تأييداً للشباب، ثم تبعه موقف جمعية الحكمة، فقد صَدر بيانٌ رسمي عن الجمعية بتأييد الثورة، وقد سبقهم أيضاً انضمام مجموعة من كبار مشايخ جمعية الإحسان السلفية كفضيلة الشيخ الدكتور محمد العامري البيضاني، وفضيلة الشيخ عبدالله الأهدل، وفضيلة الشيخ عبدالوهاب الحميقاني.
ب-وأما علماء الزيدية فقد صدر عنهم بيان نشر في وسائل الإعلام، أيدوا فيه الثورة.
ج-وكذلك عامة علماء الإصلاح تقريباً، ومجموعة علماء الإصلاح-وهذه نقطة مهمة-هم على رأيين في ظني في أكثر المواقف العامة، ومن ضمنها هذا الموقف، ومن الحسن أن أشير إليه هنا لتكتمل الصورة خصوصاً وأنا أتحدث عن مواقف العلماء بشكل عام بشيء من التفصيل.
الرأي الأول: رأي المشايخ الكبار البارزين أمثال الوالد العلامة عبد المجيد الزنداني والشيخ الدكتور عبدالوهاب الديلمي، والشيخ القاضي محمد الصادق، ومواقف هؤلاء مواقف حقيقةً تنسجم مع مواقف العلماء الصادعين بالحق من علماء السلف الصالح الذين تجردوا للحق-كما أحسبهم والله حسيبهم-، وكثيرٌ من المواقف كان لهم فيها رأي مستقلٌ حتى عن الموقف الرسمي لحزب الإصلاح. وأما الصنفٌ الآخر من علماء الإصلاح فهم متأثرون بالتنظيم، يدورون مع سياسة التنظيم، ويوجههم القادة السياسيون في الحزب، وهؤلاء يُطلِق عليهم البعض علماء تنظيم، وهؤلاء لابد أن يُلاموا كما يلامُ علماء الأنظمة الذين يدورون مع الأنظمة أين دارت، لأنهم لم يتجردوا كما لم يتجرد علماء الأنظمة، وأكثر تأثير هؤلاء على المأطرين في الحزب ليس إلا.
د-وطائفة من العلماء كانوا موجودين في دوائر النظام وأروقته، ووجودهم كوجود غيرهم من اليمنيين في دوائر التوظيف الرسمي، وسلوكهم ولغة خطابهم تدل على أن وجودهم في النظام لا يعتبر جزء منه، وكذلك لأنهم ليسوا من النظام كفكر ومنهج، وبدليل ثالث أن هؤلاء أيضاً لم يكونوا أبواقاً للنظام يمدحون مواقفه كيفما كانت، وينمقون أركانه.
-نعم- ظهرت منهم مواقف تنساق مع مواقف النظام لا لأجل النظام وإنما لأجل أن هذا هو الحق من ناحية، ومن ناحية آخرى هذا الموقف يخدم الوطن، وقد اشترك مع هؤلاء في مواقفهم هذه طوائف من كل العلماء إن لم يكن كل العلماء كالموقف من قضية الحوثيين مثلاً ، ونعرف عن بعضهم أنهم قدموا مبادرات ومناصحات حتى للشخص الرئيس، وممكن أن أجعل مثالاً لهذه المجموعة الشيخ العالم الشاب عبدالسلام المجيدي ولذا لما جاءت الثورة أعلن ألتحاقه بها.
2- الذين لم يؤيدوا الثورة ولهم وجهات نظر مختلفة، بناء على انطلاقهم من مناهج مختلفة، وهم كالتالي:
أ-طائفة من العلماء توقفوا عن تأييد الثورة لا حباً في النظام وإنما خوفاً من المآلات والعواقب، وربما لما لهم نوع من التحفظ عن بعض جزئيات آلية الثورة، ولاعتبارات يرونها بناء على قراءتهم للواقع والأحداث، وهؤلاء وإن كانوا توقفوا عن تأييد الثورة إلا أنهم لم يكونوا يوماً من الأيام مع النظام، أو حتى جزء منه، بل حتى لم ينتخبوا الرئيس لا في 2006م ولا قبلها، ولا في 93م ولا بعدها، وفي الحقيقة هؤلاء وإن كانوا لم يعلنوا انضمامهم إلى الثورة إلا أنهم ثائرون على النظام وأضاعه قبل أن يثور ثائروا هذه الثورة، ولذا لا أحد يُزايدُ عليهم في مواقفهم، وممكن أن أمثل لهذه المجموعة بالشيخ الجليل عبد المجيد الريمي.
ب-طائفة من العلماء يسميهم البعض" السلفيون التقليديون" هؤلاء ليسوا من النظام وإن كانت مواقفهم تنساب لصالح النظام، ويحاول النظام أن يستغل مواقفهم كثيراً لا حباً فيهم وإنما من باب التحايل بكل الأوراق، واستغلال كل المواقف كما اعتدنا منه.
هؤلاء في الحقيقة وإن كنا نختلف معهم في مواقفهم، لأنهم بنوا موقفهم على المبالغة في نظرية" طاعة ولي الأمر" التي أسسوها على مقدمات خاطئة لاسيما من جهة اسقاطهم النصوص على واقع الأنظمة المعاصرة هذا من وجه، ومن وجه آخر اهمالهم نصوصاً آخرى تدعوا إلى مقاومة الظلم والطغيان مطلقاً من الحاكم وغيره، لأن الظلم محرمٌ مطلقاً، كما أنهم غيبوا النصوص التي تدعوا إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويتغافلون عن مواقف الصحابة وتطبيقهم لهذا المبدأ حتى مع الأمراء والحكام، على كلٍ هؤلاء وإن كنا نختلف معهم إلا أننا نحسبهم مجتهدين، لم يدفعهم إلى موقفهم محض هوى، أو محاولة تكسب وانتفاع من وراء هذه المواقف، كما يظهر-والعلم عندالله-.
ج- موقف علماء الصوفية، الصوفية الغالب عليهم أنهم لا يعتنون بالسياسة، وكذلك أيضاً يغلب عليهم أنهم يتأقلمون مع واقع الأنظمة كيفما كانت، فمن حَكَمَ هم إلى جانبه في ولائهم ، لأن غاية ما يفهمونه من الدين العبادة في المسجد والاحتفالات بالمناسبات من موالد وشعبانية ورجبية...إلخ، فهذا غاية ما عندهم لله، ولذا من الطبيعي أن يكونوا مع النظام وأن يقربهم النظام بل ويطمئن إليهم، وكما كانوا مع النظام الماضي سيكونون إلى جانب النظام القادم يقيناً كيفما كان.
د-طائفة منتفعة وللأسف أنها محسوبة على العلم، تتحدث باسم العلم، والقصد كما يظهر هو المصالح الشخصية، والتكسب والانتفاع بهذه المواقف، ونحن لا نعلم مافي القلوب إلا أن القرائن والمبالغة في المواقف، والتعبير عن الولاء المفرط خاصة لشخص الرئيس، وحتى طريقة التعبير عن الانتماء، وأسلوب الرد على المخالفين تدلنا على هذا، وهؤلاء هم شر الأصناف المنتسبة للعلم، إن كان يصلح أن نقول أن في العلماء صنفٌ شرير، وذلك أنهم جعلوا العلم مطية للوصول إلى مآربهم الشخصية" أولئيك الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً".
هذه قراءتي لمواقف علمائنا في اليمن في هذه الأحداث، بنيتها على تصريحاتهم، وكتاباتهم، من خلال متابعاتي لذلك، والحمد لله رب العالمين.
*كاتب وباحث يمني مقيم في بريطانيا