آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

اليمن والحاجة إلى إعادة تركيب

تترك الأحداث التي تجري في العالم الخارجي بصمتها القبيحة على الجسم اليمني. من يصدق مثلا ان الحوثية هي تجلي غير مباشر لغزو العراق وما ترتب عليه من مفاعيل والتباسات. ولعل في فكرة الإمارات الاسلامية التي تعلن الآن محاكاة ساخرة للحدث الليبي وعناصره ومفارقاته. وتنظيم القاعدة كان بمثابة التجلي المباغت لغزو الاتحاد السوفيتي لافغانستان ثم حرب الخليج والتحول الذي شهده العالم بعد سقوط جدار برلين.

قرأت اليوم أن امير انصار الشريعة في أبين يعرب عن حسرته لأن الثورة في اليمن لم تحذو حذو الثورة الليبية، حيث شاركت المليشيات الدينبة المتطرفة بفعالية حاسمة في الجهد العسكري الميداني لاسقاط نظام القذافي، الجهد المسنود جويا ولوجستيا من حلف شمال الاطلسي.

تأكدت أن النموذج الليبي كان قد بدأ يفرض نفسه كمصدر إلهام يحل محل النموذجين التونسي والمصري، ولربما بدأت جماعات دينية فعليا الاستعداد لتطبيق النموذج بل تجاوزت بعضها الاستعداد إلى التحرك والهجوم والسيطرة، حدث ذلك في زنجبار وجعار وانسحب الفعل إلى أرحب وتعز بينما أخذ شكلا مختلفا في الجوف وصعدة كأنما كانت تنتظر بفارغ الصبر اللحظة التي ينضم فيها بقية مكونات الثورة إلى هذا النهج.

عندما سقطت طرابلس في يد الثوار الليبين، تساءلت في الفيس بوك عن العاهة التي سوف يتركها حدث كهذا في اليمن. أشرت إلى كيف أن غزو العراق في 2003 كان سببا مباشرا في ظهور العاهة التي أصبحت تمثلها صعدة. قلت هذا مع عدم إغفال الجذر المحلي والتاريخي لقضية صعدة، لكنها انتظرت سياق خارجي لتعبر عن نفسها في أجواءه وتداعياته وصخبه. نظم الحوثيون، قبل ان يصبحوا حوثيين، مظاهرة إلى السفارة الأمريكية تعاملت معها السلطات بعنف سقط على إثره قتيلان، ثم جرى تحريك عجلة الأحداث قبل ان تكتسب قوة دفع ذاتية.

كان حسين الحوثي يتصرف وفي ذهنه تنافس غير مرئي، تنافس مضمر، بين السنة والشيعة لحيازة الافضلية الاخلاقية والسياسية المتأتية من النشاط النضالي ضد الغرب واليهود. لقد عبر الحوثي عن ما يوحي بهذا المعنى في احدى محاضراته. كانت القاعدة تبدو حينها وكأنها المفوض الرسمي من طرف جماعة السنة في الحرب المقدسة على الصليبيين واليهود.

وجد الحوثي ان عليه الاستثمار في هذا المجال الخصيب. خطر له على الأرجح أنه أكثر جدارة، وكان حزب الله مثال شيعي يسير على هديه، وكلاهما يسترشدان بالثورة الاسلامية في إيران.

مضاعفات غزو العراق كانت تنعكس دون أن يخطط أحد على السياق النفسي للاحداث التي تفجرت في صعدة، للثورتين المصرية والتونسية تجليات حميدة وأخرى خبيثة.

نحن باختصار نواجه الآن خليط من التجليات المقيتة لأحداث وتقلبات لا تخصنا. للأمر علاقة باهتزاز الشخصية الحضارية اليمنية وفقر وعينا التاريخي. يشبه اليمن في هذه الحالة جسما لم تلتئم أجزاؤه بشكل طبيعي، أو أنها التأمت كيفما اتفق بحيث تبقى أجزاؤه عرضة دائمة للتداعي بتأثير أدنى اهتزاز. جسم معتل، رخو، متفسخ، فاقد المناعة، أطرافه قابلة للسلخ، عناصره ممغنطة وسريعة الاستجابة لكل مراكز الجذب في المحيط الخارجي لها.

هذا الجسم ينتظر إعادة تركيب سليمة، وتحصينه التحصين الكافي حيال المؤثرات السيئة وتنزيل أحدث وأنسب برمجيات التشغيل وأنظمة الحماية، البرمجيات التي يستطيع من خلالها التفاعل مع محيطه وفق معادلة الأخذ والعطاء، بدلا من أن يكون أشبه بقطعة اسفنج تشفط كل الأوساخ ثم تعجز عن تصريفها.

زر الذهاب إلى الأعلى