[esi views ttl="1"]
آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

" الجَزْمة لا تَزال في رِجْلِي ".. ومَذهب الطَّبَنجَة !

1
.. لستُ مع مذهبِ الطَّبَنجَة ، لأنَّ الجَزمةَ لا تزال في رِجْلِي ، ولكن ... سيضطرُ الجميعُ - إضطراراً - الإمريكيون ، والأوروبيون ، والقوى في الإقليم ، وكافةُ القوى السياسية الثورية - بمفهوم ثورة فبراير 2011 - لتحميلِ حزبِ الإصلاح - صاحبِ الإمتدادَين الرأسي والأفقي - برنامجَ الدولةِ الفدراليةِ الجديدة .

القناعةُ شيء ، والأمرُ الواقعُ شيءٌ آخر تماماً. وواقعُ حزب الإصلاح يقول ذلك ، وواقعُ تفاضلات ، وتكاملات الحساباتِ السياسية تقولُ ذلك ، وحزبُ الإصلاح - نتيجةً لذلك - يقررُ ذلك ، بعدَ أنْ قَبِلَه . فهو المرشحُ الأقوى لخوضِ الإنتخابات في المستقبل وحِيازة النصيب الأكبر ؛ وربما تدفعهُ نرجسيةُ الغد إلى التَّخلِّي عن تحالفاتِ اليوم ، الذي هو الأقوى والأكثر أثراً فيها . وكل ذلك التصرُّف في بَسْطِ تصوُّرِي ، وإحتمالي لرسمِ هذه الصورة لهُ ، يعتمدُ على ما سيتمخضُ عنهُ مؤتمرُ الحوارِ الوطني في ملفين من أهمِ ملفاتِ القضيةِ اليمنية : ملف القضية الجنوبية ؛ وملف القضية الحوثية - إنِ صحَّ التوصيف .
وأتمنى إلا نلجأَ إلى ما يُعرفُ ب ( مَذْهبِ الطَّبَنجَة ) - وهو غير المذهبِ الشَّافعي ، والمذهبِ الزَّيدي ، والمذهب الوهابي بالطَّبع ! .
وَمَنْ أطالَ عُمْرَ صالح غيرُ تسَرُّع البِيْض ، وإبتراعِ الإصلاح . وقد حانَ الوقتُ لجَبْرِ الخاطرِ ، والعظم ، وردِّ جميلِ الصَّبْرِ للنَّاس ! فلا تكونوا من المُقِصَّرين . وليسَ قانون ( مع أو ضد ) من قوانينِ اليمنِ القادم .. فاعقلوا ذلك ؛ واعقلوها وتوكلوا !

ب :
.. لستُ إصلاحيا
- ولا حراكياً - بالمعنى الأبعد للحركة
- ولا مشتركياً
- ولا حوثياً
- ولا مؤتمرياً
- ولا بعثياً
- ولا ناصرياً
- ولا أياً كان .
فحزبُ الإصلاح هو الأكثرُ تنظيماً ، أفقياً ورأسياً ، وولاءً تراتبياً هرمياً ، ومالياً ، ونستطيعُ أنْ نقولَ أنَّ لديهِ رؤية محددة يؤمنُ بها ، وعلى رأسها تأتي فكرةُ سيادةِ القانون في ظلِّ حكومةٍ راشدةٍ ، أو ما يُطلَقُ عليه ( Nomocracy ) بالإنجليزية ، وفكرةُ الديمقراطية ( Democracy ) ، والتعددية ( Plurality - pluralism )، والعدالة الإجتماعية ( Social Justice ) - إلى الآن قُلْ على الأقل إذا لم تكن هناكَ مفاجآت يبطحنا فيها . وهي مفاهيم عالمية ، وإسلامية ، على أيةِ الأحوال ، وليستْ من إبداعاته ، وإنْ كانَ إيمانهُ بها ، بحدِّ ذاته إبداع ، وسيبقيهِ لاعباً لفترةٍ ليستْ بالقصيرة ؛ إذا إبتعدَ عن المفاهيم التي تقصي الآخرين ، وتجعلُ مِنَ المنصةِ قضيةً فوقيةً هو وحدهُ الحقُّ فيها ، وثورةً له وحدهُ فواتيرها ، وصميلاً يُلْبَجُ بهِ مَنْ يخالفه ! .. وإذا ساقونا، كما ساقنا الموَاطِن الجِعْنَانُ الأكبر على مَذْهبِ ' الطَّبَنجَة ' ، فإنَّ الجزمةَ لا تزالُ في رِجْلِي !

ج :
ملفاتُ القضيةِ اليمنية الخمسة :
هناكَ عدةُ ملفاتٍ يجبُ التعامل مباشرةً معها ، في مؤتمرِ الحوارِ الوطني المزمعِ الشروع بإدارةِ حفلةِ خِتانِه . لعلَّ مِنْ أهم تلك الملفات :
* ملفِ القضيةِ الجنوبية .
* ملفِ الحوثيين.
* الدستور ، والشكل السياسي للدولة.
* الحريات.
* المصالحة الوطنية ، والعدالة الإنتقالية .

وأزعمُ أنَّ مِنْ أهم هذه الملفات : ملف القضيةِ الجنوبية ؛ وملف الحوثيين ؛ وملف المصالحة الوطنية والعدالة الإنتقالية . متزامناً مع الملفين السابقين . بقيةُ الملفات لا يترتبُ الحديثُ فيها ، إلا بعد البتِّ في هذهِ الملفَّات الثلاثة .

2
.. وهو ضرورةٌ تكتيكيةٌ ، بالنسبةِ للأمريكيين ، وليسَ خياراً إستراتيجياً. وأعتقدُ أنَّ الإصلاحيين يفهمونَ ذلك تماماً ، وجيِّداً. وقد قبلوا بقواعد اللعبة . وهو مِنَ الذكاءِ بمكان ، وهم متمرسون في تجاربِ العملِ الحزبي ، والسياسي ، والحربي ؛ خاصةً إذا أخذنا في الإعتبار القناعات المصرية ، عندَ الإخوان الأصل ، في فهمِ السياسةِ ، والتفريقِ بين العملِ الدَّعَوِي ، والعملِ الحزبي الذي يعبِّرُ عن الذراعِ اللاعبِ في العمليةِ السياسيةِ في مصرَ ، ومثلها في اليمن ، إذا نجحوا في التفريق بين الدَّعَوِي والحزبي .

ب:
حزبُ الإصلاح أمامهُ فرصةٌ لا تُعَوَّض إذا استخدمها جيداً ؛ وهو حِمْلٌ تاريخي - لا شَكَّ ثقيل - يجبُ أنْ يُحسِنَ الإصلاحُ تقديرَهُ ، لِيرتفعَ قَدْرُهُ ، ولِيَحْسُنَ قَدَرُه . وخِبرةُ الخُبرةِ الإخوانِ في مصرَ قد تعينهُ ، إذا إحتاجَ الأمرُ للنصحِ ، والمشاورةِ ، والرَّأي . ولستُ أًدري ، ولا أقرأُ الغيبَ ، لأرى هل سينجحُ الإصلاحُ في ذلك ، أم سيخفق ؟
.. ولسنا مع مذهبِ الطَّبَنجَة في كلَّ الأحوال !

ج :
والإصلاحُ ، أمامَ السلفيين ، بعينِ الإمريكان ، يُعتَبَرُ حلاً مقبولاً ، على المستوى التكتيكي ، وإنْ كانَ غير معقولٍ على المستوى الإستراتيجي . والإصلاحُ يفهمُ ذلك تماماً . وقد طرحَ الكاتبُ ، والمحللُ المتخصص ، عبدالرزاق الجمل ، في أحدِ مواضيعه أنَّ الإصلاحَ ، وُضعَ قصداً أمامَ السلفيين لتسميرهم ، باعتبارهِ يمثلُ ثِقَلاً معتدلاً ، مقارنةً بالسلفيين ، من وجهةِ النظرِ الأمريكية . قد أتفقُ معه إلى حد !.. إلا أنَّ ذلك فيهِ مجافاة للواقع . فأمريكا لم تكنْ يوماً في حالةِ رِضَى مع أيَّ حزبٍ ذي توجهٍ إسلامي ، ناهيك عن أنهم ، أصلاً ، لا يؤمنون بالأحزاب على أساسٍ ديني بالمعنى العام . ولكن الحالةَ - في اليمن ومصر - كانتْ ضرورة ، وليستْ خياراً .. مرةً أخرى ، أمام الإمريكان ! .. والإصلاحُ يفهمُ ذلك .
.. أنْ تكونَ عدواً لأمريكا ، فتلكَ مشكلة ؛ وأنْ تكونَ صديقاً لها ، فتلكَ ألفُ مشكلةٍ ومشكلة - على وزن ' ألف ليلة وليلة ' !

3
... لستُ مع قانون الطَّبَنجَة..
و لستُ مدفوعاًً من أحد.
- لا من حميد
- ولا من علي محسن
- ولا من الرئيس
- ولا علي سالم
- ولا من الحوثيين
- ولا من الحراك
- ولا من علي ناصر
- ولا من حيدرة مسدوس
- ولا من غيرهم
.. كما يفعلُ بعضٰ الكُتَّاب .
وما صذيقي إلا حبيبي ' محسن أبو لحوم ' ، الذي ألتقيهِ ، غالباً ، حينَ نمارسُ رياضةَ المشي ، ونتبادلُ الدَّسائسَ ، والنُكاتِ بيننا ، كلما ضاقتْ بنا الأرضُ كخاتمِ الخنصَر ؛ فكلانا مرضى قَلْبٍ ، وكلانا مُسَكَّرين ؛ فوافقَ الطَّيرُ الطَّيرَ . ولهذا فإني حينَ أكتبُ ؛ أكتبُ الأشياءَ كما أراها ، وكما هي ، لا كما يريدها أؤلئك ، أو هؤلآء . إذا أمتلكتَ حِرْفَةَ أخلاق الإستغناء ؛ أمتلكتَ القدرةَ على الإختيار ، ومن ثمَّتَّ ، تمتلكُ الإستطاعةَ في اتخاذِ القرارِ ، والموقفِ ، اللَّذَينِ لا يتعارضان مع إيمانك بمبدأٍ ، أو قضيةٍ بعينها . لا مع ما يتعارضُ مع مَنْ يدفع !
وكلُّ واحدٍ.. ولهُ وقته .
ولكلِّ مقامٍ مقال .
ولكلِّ حمارٍ خُرْج !
وله أيضاً بِسْبِاسُهُ ، إذا إستوجبَ الظرفُ ، وتتطلبَ الأمرُ ، واستحكمتِ الضَّرورةُ ، ومستْ الحاجةُ لذلك . وما نحنُ من الساكتين !.. وما تزالُ الجزمةُ في رِجْلِي مع أنِّي ضد مذَهَبِ الطَّبَنجَة !

4
الأطرافُ الثمانية ؛
... والأطرافُ المعنيةُ الثمانية في الحدثِ الثوري - وملفات الحدثِ الثَّوري الخمسة - سواءًً كانَ أصحابها الحقيقيون - الثُّوَّار - الذين حققوا ما غيرهم فيه الآن ؛ وهم مستثنون منه ؛ وسواءًً مِنَ الذين دخلوا للمُدَاحَشَةِ ، والمُحاصصةِ ، أو إستلامِ قيمةِ فواتيرهم الثَّورية بالمُدَاجَفَة ؛ أو أؤلئك الذين يلعبون بأوراقهم بالحَرْبَشَة ؛ لتحقيقِ أهدافهم ومآربهم ، أياً كانت بغيرِ مقايسةٍ ( مشروعةٍ أو غيرِ مشروعة ) - فقد أصبحوا جميعهم حقيقةً ، وواقعاً لا يمكن التجافي منهُ ، أو التغاضي عنه ، أو الإلتفاف حوله . والحقيقةُ - دوماً - يصعبُ على الإنسانِ أنْ يتقبلها ؛ وإنْ تقبلها في الأخير على مضضٍ ، وغضاضةٍ ، وخجلٍ ، فيبتلعها عصيداً مُفَرْعَصَةً مع قصعة ' ببسي ' من حق شاهر عبدالحق ! ..

وهذهِ الإطرافُ - بدون تخوينٍ أو نظرياتٍ تآمريةٍ أو تفسيراتٍ تبريريةٍ لأيٍّ منها - هي؛
1- الإصلاح ، وإن كان تحتَ مظلةِ المشترك ؛ والمشترك كتحالف سياسي ؛
2- والثُّوَّار ؛
3- والحِراك ؛
4- والحَوثيون ؛
5- وبقايا النظام ؛
6- والحكومةُ ، وإنْ كانتْ حُكومة ( نُصْ كُمْ ) بشخصيتها الإعتبارية ؛ بنصفها الأول الذي يمثلُ المشتركَ بمن فيهم الإصلاح ، ونصفها الثاني الذي يمثلُ بقايا النظام ؛
7- ودولُ الخليج ؛ والسعودية على رأسها ؛ بحكمِ نظرتها التاريخية لليمن ، وراعية المبادرة ، والعَرَّاب الإقليمي لها - ولليمن عامةً ؛ وبحكم علاقتها التاريخية باليمنِ وبالأنظمةِ التي توالتْ على اليمن ؛
8- والعالم ؛ ممثلا بالولايات المتحدة الأمريكية ؛ باعتبارها اللاعبُ الأول ، في المجتمعِ الدولي ، والعرَّابُ الدولي الأولُ للمبادرة ، وقاعدةُ العالمِ في التحريكِ السياسي للألعابِ الأولمبية ؛ واللعبة كلها - بكاملِ خيوطها - بجعبتها ، وسفيرها هو المشرفُ الأولُ ، والعينُ المراقبةُ لتنفيذِ المبادرة وآلياتِ المبادرة . ومَنْ قالَ بغيرِ ذلك فهو إما مغالطٌ ، أو جاهلٌ ، أو حمارٌ أصيل !
وَاْذِيْكْ عصيدكمْ وأنتمْ مَتِّنُوها !

5
... ومَنْ يريدُ أنْ يتحدثَ في قضيةِ اليمن اليوم ؛ فيجبُ عليه توخي الصِّدقَ في المُصارحة ، والحرصَ في النقاشِ ، والدِّقَّةَ في الحديثِ ، والسَّعَةَ في الحوارِ ، والرَّحَابةَ في العقل والصَّدر ، والأمانةَ في التحليلِ ، والرضى بالنتائج التي يتفقُ عليها النَّاسُ ؛ إنْ شاء . والقضيةُ اليمنيةُ إنْ لم يُنظرُ لها نظرةً شاملةً ، عميقةً ، تاريخيةً ، بعيدة ؛ ستبقى القضيةُ مشكلةً ؛ وستظلُّ المشكلةُ قضيةً !..

ب :
والقضيةُ اليمنيةُ قديمة ..
والكبريتُ الأصفرُ هو كُحْلها
والجنبيةُ مِرْوَدُها !
وما نحنُ فيه الآن ما هو إلا نتاجُ تراكماتٍ تاريخيةً للقضيةِ الأصلية . وهي قضيةٌ عمرها يزيدُ على ألفٍ ومأةِ عام . وحينَ أقولُ ذلك فإني أُقصِي عن ذهنِ القارئِ ، وذهني ، التحليلَ المذهبي الضَّيِّق . فلا ترتعدُ فرائصُهُ قبلَ أنْ يقرأَ كلَّ الرِّسالة . ولا يوجدُ أساساً خلافٌ مذهبيٌّ بين الشافعي ، والزيدي عندنا . وإنما هو الحاكمُ السياسي يبررُ به قُصُورَه . والإمامان ليسا في آباطِنَا محبوسين ، ولا في مَشَدَّاتِنَا مكشوحين ، ولا في جيوبنا مخبؤين ، ولا خلف جنبياتنا مَسَاوِيكَ نمضغها متى أردنا ذلك ؛ حتى ينتظرونا لندافعَ عنهم ؛ ويشهدُ بذلك حالةُ التلاطفِ التاريخيةِ بينهما . وإنما أقصدُ حينَ أقولُ ذلك .. ' الحالةَ ' . وحينَ أقولُ في حديثي ' الحالةَ ' ؛ فإني أعني الواقعَ السياسي الحاكم ؛ أما الناسُ هناك في اليمن الجغرافي الأعلى ، فهم مثلنا يمناً جغرافياً أسفل ، وإن كانوا في صعدة ؛ ' بَرَاغلةً ' مثلنا . والبُرغُلي ، هو المظلومُ أيا كانَ في عدن ، أو زبيد ، أو عمران ، أو صعدة ، أو صنعاء ، أو تعز ، أو حجة ، أو مأرب ، أو أي بقعةٍ في اليمن الجغرافي الطبيعي .

.. ولن تفلحَ اليمنُ حتى يعترفَ اليمنُ السياسي الأعلى ، أنَّ هناكَ يمن سياسي أسفل ، قادر على تحقيقِ مشروعِ الدولة ، الذي أخفقَ فيه اليمنُ الأعلى في تجاربِ الدولةِ فيه ، ولمَّا تُتَحِ الفرصةُ لهُ للقيامِ بذلك ؛ إعترافاً أمامَ مرءآةِ نفسهِ ، أولاً وأخيراً، وعن قناعةٍ ، وخيارٍ ، وحرية ( volition ) ؛ وليسَ تعبيراً مُستجيباً لِضرورةٍ (necessity ) ، محليةٍ ، وأقليميةٍ ، ودولية ، أو تحالفاً لزعماء القبائل ، وكبار العسكر ، وبينَ بقايا بياداتِ الجَنْدَرْمَة وتهافتِ بلاطجتهم ..! وإلا نكونُ ، حينَ نمضي فيما نحنُ ماضُونَ فيه ، كَمَنْ يضعُ العربةَ أمامَ الحصان ؛ ولنْ نُكْفَ شَرَّنَا ، حتى ينتهي اليمنُ مِنْ أيدينا ، ونتلاشى ، كما تلاشينا منذُ ثلاثةِ ألفِ عام ! .. وكان أنْ خَتَمَهُ كبيرُ جَنْدَرْمَةِ الجناحين ، بشكلٍ جمهوري ، مُدِسترٍ ، ومُبَرْمَلٍ - من برلمان ، وليس من برميل - التي أخشاها أنْ عادتْ إلى مواقعها ليس في الشُّرِيجَة فحسب .. بل بينَ القرى ، والمدن ، والمحافظات في كل اليمن . والحلُّ هو دولةٌ فدراليةٌ من 22 ولاية !..

6
وحينَ أصنِّفُ يمناً أعلى ، ويمناً أسفل ؛ فإني لا أصنِّفُهُ على أساسٍ مذهبي ، أو أثنيني ؛ وإنما على أساسٍ سياسيٍّ حاكم ، لا ثقافي ، أو إقتصادي ، أو جغرافي ؛ فالظلمُ لا يعرفُ جغرافيا ، ولا إقتصاد، ولا ثقاف؛ ولكن السياسيَّ الحاكم هو الذي يتمترسُ بالظلم . وحينَ أقصدُ اليمنَ الأسفلَ والأعلى ، فإني أقصدُ حُكمَ ، وتاريخَ ألفِ عامٍ كمطاعمَ ، ومطامع . ولا خلافَ في المذاهب ألبتة ، إذا ظلَّتْ بغيرِ تسييسٍ فاسقٍ ، أو تأسيسٍ مارقٍ ، أو تبريرٍ مُنافِق . وهو واقعٌ جَذَّرتهُ ألفٌ من الأعوامِ من توالي الأئمةِ تحقيقاً لسياسة ( فَرَّقْ تَسُدْ ) - مِنْ سَادَ يَسُودُ - العالمية ، التي تأتي تماماً على قياسِ النظريةِ المحليةِ ( فوقْ جيشْ وتحتْ عَيشْ ) ، ليبقَ الحاكم بأمرِ الله ، ويتقاتلُ ( العُكْفِي ) و ( الرَّعْوِي ) ، وتزيدُ بينهم الأضغان ، وهم أبناء اليمن الكبير .

ب :
.. وبغيرِ الأعترافِ بذلك ؛ ستظلُّ اليمنُ كما هيَ عليه ؛ وسيطالبُ الجنوبُ بانفصاله ، وسيصبح نضالاً لا يتوقف ، حتى يصلَ القطارُ إلى محطته ؛ والهديُ إلى محله ؛ وتصبح اليمنُ مجرد إماراتٍ ، ومشيخاتٍ ، ولورداتِ حروبٍ ، تتقاتلُ فيما بينها على براميلِ الحدود وبراميلِ النفط ، وعلى الأراضي ؛ أطرافاً لمن غلبَ ، ومعَ مَنْ سلب !
وليسَ ذلك فحسب .. بلْ ستتجهُ مناطقُ أخرى لتكوينِ زواياها المنفرجةِ والحادة ، في موكبِ الجنون ، وحفلِ الختان ، وصولةِ الدَّرَاويش . الحلُّ هو الولاياتُ المتحدةُ اليمنية ، بنفسِ عددِ المحافظاتِ الآن ؛ كيلا نجهدَ أنفسنا بما لا داعيَ له . الولاياتُ المتحدة اليمنية من 22 ولاية .. وكل واحد يَبْتَرِعْ فوق كِهْمَتُهْ !

ج :
وسيظلُ الحوثيون هناكَ ، في طرحِ فكرةِ ( الحكم الذاتي ) . إنَّ مجردَ التفكير في إمكانيةِ قيامِ دولةٍ في شمالِ الشمال ، هو ضربٌ في الوَدَعِ ، شاطحاً صاحبه في هوسٍ مُدَرْوَش ؛ وصوتٌ في دَسْتٍ لا يسمعهُ إلا مَنْ يصيحُ بداخله ورأسُهُ حانبٌ فيه ؛ وشيءٌ من الإستحالة ، تضربُ بصاحبه بخيالٍ واهمٍ يُريدُ براقاً ليسري به . وهم يدركون ذلك .

وهو عكسُ دولةِ جنوبِ الجنوب ، التي تتوافرُ شروطُ الدولةِ لها ، ضِمْنَ ظروفٍ معينَّنَةٍ ، لاستردادها - قد لا تكونُ متوفرةً الآن ! .. والجنوبيونَ يدركون ذلك . وربما تحققَ لهم أكثرُ مما يمكنُ أنْ يتحققَ للحوثيين ؛ إذا - وإذا فقط - تحققَ ذلك . وإلا فليسعوا إلى الفَدْرَلَةِ كاملةِ الصَّلاحيات ، فذلك أدنى للواقع ، وأقربُ للمارسة ، وأرفقُ في القُبُول ، وأرضى للعقل ، وفي متناولِ اليد . وهذا ما يجبُ أنْ يعملَ لتحقيقهِ كلاهما - الحَوثيون ، والحِراكيون .
نصيحة !..

.. ويبقى نمطَ الفَدْرَلَةِ ، في التجربةِ الإمريكيةِ ، هو النمطُ المكافئُ لحالتنا في اليمن ، وللمشكلة ، والقضية ؛ وهي الحل : دولةُ الولاياتِ المتحدةِ اليمنية .. على هيئةِ الممالك اليمنيةِ القديمةِ ، التي تكافئتْ قبائلها المتفرقةُ المصالح والمطامع ، في قمةِ صورها السياسيةِ الراقيةِ ، في برلمانٍ طرحَ الجميعَ في موازينِ المواطنةِ المتكافئةِ ، في الدولةِ الفدراليةِ اليمنيةُ القديمة ، في شورى وازنتْ للجميع واجباتهم وحقوقهم ، على نظامِ جِبَايةٍ وافقَ النمطُ فيه الزَّمَنَ ، والمكانَ .
تاريخنا غنيٌّ
.. وذكيٌّ
ونحنُ فقراء ، وأغبياء !

د :
.. الحراكيونَ اليومَ في دعوتهم ، باستعادةِ دولتهم ، هم في حقيقةِ الامرِ لا يقومون بشيءٍ ، يمكنُ أنْ نعيبهُ فيهم أو نلومهم عليه ، سوى أنهم يرفضون إعادةَ طبعِ نسخةِ نظريةِ " قَاتْ " للملكة أروى ( QAT- Queen Arwa Theory ) في مبدأِ استخراجِ النِّفْطِ ، ونظريةِ ' الرَّعْوِي والعُكْفِي ' ، التي سادَتْ بها الأئمِةُ ، فارضةً النَّصَّ المُحَكْوِل للرَّعوِي والعُكْفِي على حدٍّ سواء : ( فوق جيش ، وتحت عيشْ ) ؛ والتي فُرِضتْ على 'وسطُ الشمالِ' ، و'جنوبِ الشمال' كَ ( رَعْوِي ) ، وعلى 'شمالِ الشِّمال' كَ ( جناحي عُكْفَة ) .. في حين أنقذَ اللهُ 'جنوبَ جنوبِ الشِّمال' بالكابتن هينز ، وعمتي ورد !

ه :
فَمَنْ سيقنعهم - أقصدُ الحِراكيين - بغيرِ ذلك ؛ يَكُنْ بطلاً تاريخياً ، وأسطورةً سيخلدها التاريخُ اليمني ، وأغنيةً فلكلوريةً يتغناها اليمنيون في الطريق . الخوفُ مِنَ المجهول يدفعكَ - غالباً - لخوضِ حياضِه مهما تكنِ النتائج ؛ لإنكَ ربما تدركُ أنَّ النتائجَ لن تكونَ أسوأ مما كنتَ عليه ؛ لإنَّ الإحساسَ بالخطرِ - غالباً - ما يمنحكَ الإدرينالين الكافي للمخاطرةِ نفسها ، كي تستبقَ الخطرَ نفسَه !
أزعمُ ذلك.
ولقد إستحييتُ أنْ ألومهم ؛ وهُمْ يملكونَ مظالمهم ، برهانَهم فوقَ ظهورهم - أمامنا - منذ 2006 ولم نفعل شيئا . مِنَ الكياسةِ أنْ يسكتَ المرءُ ؛ عِوَضَ أنْ يدهورَ الأُمورَ كلها .. أو أنْ يقبلَ بنصفِ الخبزةِ عِوَضَ أنْ تَيّبَس كلها ؛ فلا تُؤكَل !

7
وإذا أدركَ الحوثيونَ إستحالةَ تكوينِ دولةٍ مستقلة ؛ ناهيكَ عن جيبٍ ذاتي الحكم ( conclave ) ، أو على أدناه ، عن تمريرِ ، وتطبيقِ التجربةِ اللبنانيةِ في اليمن ، على نظريةِ حزبِ الله ، في المشاركةِ في العمليةِ السياسية ، أو خارجها ... إذا أدركوا إستحالةَ ذلك ؛ يكونوا في طريقهم النضالي الصحيح ، قد حققوا لليمنِ ، واليمنيين ، نصراً حقيقياً ، معقولاً على الأرض ، كقوةٍ سياسيةٍ يستفيدُ من نضالاتهم جميعنا ، لا كقوةٍ مذهبيةٍ ، ضيقةٍ ، مغلقةٍ على نفسها بمتاريس، ومتقوقعةٍ على ذاتها بتضاريس ، تجرُّ معاركَ غابرةٍ ، وتجلدُ مَنْ تشاء ، على أساسٍ من طائفةٍ تقتلُ في طريقها نفسها فقط .
فلا علياًً ولا معاويةَ إنتصر !..
ونحنُ أنصارُ النبي ، ونؤمنُ بالله .. بغيرِ حزبِ الله ؛ وُمَحْناشْ ناقصينْ جُنَانْ ؛ ويكفينا ما عندنا من جُنُونٍ صناعة يمنية !.. والحلُّ هو الولايات المتحدة اليمنية !
ولم نَعُدْ نؤمِنُ بمذهبِ الطَّبَنجَة .

ب :
أنْ تجعلَ خلافَك مع الآخرين ، هو التبريرُ ، الذي تعتقدهُ منطقياً ، لبقائِك على الأرض ؛ فتلك كذبةٌ كبيرةٌ ، لا يحتملها المناخُ الذي يجلس فيه صاحبها ، وأحبالها قصيرة لا تربطُ قارباً على مرفأٍ ؛ وإنْ طالتْ فستلتفُ حولَ صاحبها . وكلُّ ذلك يحدثُ نتيجةً لوجودِ براميلِ النِّفْطِ ، على مرمى حجرٍ باليد ؛ وهو ما لا يرضي الإمريكان - ويغضبهم كثيراً - حين يبلغُ الأمرُ الزُّبَى في تهديدِ مصادرِ طاقتهم ، ووسائلِ رزقِهم ، وطريقةِ معيشتهم ، وأسلوبِ حياتهم ، في أيِّ مكانٍ في العالم . ذلك ما يؤمنون به ، ويرونهُ صائباً - على الأقل - بغضِّ النظر عما نراهُ نحن . وهوَ التاريخُ حينَ يمليهِ المنتصرون ، كما كتبناهُ نحنُ ذاتَ يومٍ ، يومَ كُنَّا كِبَارَاً !
ج :
.. قرارُ إستخراجِ النِّفْطِ في العالم ، وفي أقصى بقعةٍ في الأرض ، هو قرارٌ إمريكي صِرْف - رضينا أم أبينا . وقرارُ تحديدِ مَدِّ أنابيبه ، هو قرارٌ أمريكي صِرْفٌ أيضاً - رضينا أم أبينا ! .. فقرارُ غزوِ العراق كان قراراً إمريكياً ، صمَّمَهُ كارتل النفط Oil Cartle ؛ وقرارُ غزوِ أفغانستان كانَ قراراً إمريكياً ، صممهُ كارتل الحشيش والمخدرات Drug Cartle .

8
في كلِّ بلادِ العالم رأسُ المالِ هو الذي يحركُ السياسةَ والسَّاسة ؛ إلا في بلادنا فإنَّ السياسةَ هي التي تحركُ رأسَ المال . وإلا ما اشتكى بيت هائل سعيد ؛ حينَ طلبَ الرئيسُ منهم ثلاثين مليون دولار ، لإتمامِ مسجدِ السبعين . وَمَنْ قتل چون فرانك كنيدي سوى رأسماله ؛ حينَ حاولَ المساسَ باستراتيجيات تلك الكارتلات !

ب :
وربما كانَ حميد الأحمر - ولو متأخراً نتيجةً لترابطِ المصالحِ مع النظام السَّابق ولظروفٍ سياسيةٍ أخرى ليس مقامُها هنا - مِنْ أوائل مَنْ فَهِمَ ذلكَ ، وعرفَ سحرَ المُسَالِ ، وسِرَّ المال . وربَّما كانَ علي مُحِقَّاً حين اتهمهُ بتمويل الثورة . ًوإنْ كانَ فيهِ شيءٌ من الصدق ؛ فإنَّ في ذلك - أيضاً - إجحافاً في حقِّ مَنْ خرجَ لإخراجه طواعيةً ، تعبيراً عن إرادةٍ تريدُ إسقاطَ نظامٍ ظلمَ في الأرضِ ، وعاثَ فيها فساداً .
وحينَ عرفتُ قناةَ سهيل ، وعرفتُ صاحبها ، عرفتُ أنَّ حميداً قد فهمَ مبكراً لعبةَ المالِ ، والسياسةِ ، والإعلامِ ، ودورها في التغيير ، وعلاقتها بالمال ، وبالإعلامِ ، وبالصورة - ( Media Outlets ) !..

9
.. وربما ظَنَّ الحوثيون أنْ يتركَ الأمريكيون لهم ، مجالاً ضيقاً للتنفس ، في تلكَ الزاوية في محاولةٍ لتطبيقِ نظرية ( الزَّنْقَلَةْ ) - وهو ما يسميه المتخصص ( Nuisance Value Theory ) ، ضرورةَ الإستحلاب ، المُتَسَبَّب من ضرورةِ الإحساسِ بالخوفِ في الحدود الجنوبية للملكة ، لحاجةِ الحمايةِ لمصافي النفط ، وبراميلِ تصديره في الموانئ ، وضمانِ تدفق الخوف ! .. وهذه الطَّامةُ الكبرى ، والمعادلةُ الصعبةُ ، التي ستحل - لو كانت !
إلا أنني أستبعدُ ذلك الإحتمال الواهي . فعليهم أنْ يستبعدوه من أچندتهم ؛ فسهمُ إيران في العراق قد كفى الإمريكيين ذلك ، وحقق لها حتى معادلاتهم في لبنان ، وسوريا !

.. ويبدو لي أنَّ الإمريكيين ، غالباً ، ما ينفذون سياسياتهم بدرجةٍ فائقةٍ مِنَ البساطة ، ونحللها نحنُ بدرجةٍ بالغةٍ مِنَ التعقيد ؛ فينجحوا ، ونفشل !

10
يا صديقي ..
التاريخُ واضح !
ولا يحتاجُ أنْ يرهقَ المرءُ نفسَه ، ويجهدَ روحه ، ليعرفَ هذه الامور . ولا يتجرأُ كاتبٌ ما - ولن يتجرأَ - أنْ يناقشَ قضيةَ الحراك ، من تلك الزاوية - التي ذكرتها - ألبتة . الحراكُ في الحقيقة هو من حركَ هذه الثورة برمتها ، منذ كان في 2006 . ولأنَّ كاتباً ما .. يدركُ هذه الحقيقةَ القاتلة ، فلن يتوقفَ عن دعواهُ ، وزيادةِ الأذى ؛ لأنَّهُ إذا توقف ؛ فإنَّ الصُّنبورَ يتوقف - ناهيكَ أنَّهُ لنْ يتجرأَ أنْ يناقشَ أيَّ قضيةٍ أخرى !
ولكنْ على الحراك أنْ يرَ قضيته ضِمْنَ - وليسَ بمعزلٍ عن - الإمكان المحلي ، والدورين الإقليمي والدولي ؛ وقوتهما ، من ضعفهما ، باتجاه مبتغاه ؛ وأنْ يطلبَ ما يُسْتَطَاع ، إذا أرادَ أنْ يُطَاع !

ب :
تلك هي مأساةُ اليمن !
.. فإذا قبلَ اليمنُ السياسي الأعلى الحاكم ، عن قناعةٍ تامةٍ أنَّ اليمنَ السياسي الأسفل - بالتوصيف الذي ذكرتُه - يجبُ أنْ يأخذَ حقَّهُ في الدورِ في الحكم ، وإدارةِ الدولةِ ، التي أخفقَ فيها اليمنُ السياسي الأعلى ، على إمتدادِ فترتهِ التاريخية ، بالتوصيف الذي ذكرته ؛ فصدقني أنَّ الأمورَ ستتغير . ولكنْ يجبُ أنْ تكونَ صادرةٍ عن قناعةٍ ، وخيارٍ هو راضٍ فيهِ عن ذلك ، وليسَ مناورةً وقتيةً ؛ وليسَ عن ضرورةٍ ؛ لأنَّ قرارَ الضرورةِ ؛ يُزالُ حينَ يزولُ الضَّرر !

وذلك ما أدركهُ ذلك الرجل .
وذلك أيضاً كانَ السَّببَ الأوَّلَ عنده - إبراهيم الحمدي - والأساسَ في الرَّصاصةِ التي اغتالتْه ؛ لأنَّهُ أدركَ ذلك ؛ وآمنَ أَنَّ مشروعَ الدولة ، لن يقومَ إلا إذا إِستُنْهِضَ اليمنُ السياسي الأسفلُ ، ورُفِعَتْ مظالمه ، واكتملتْ مواطنته ، لتتفجرَ طاقاتُه ؛ فلم يُمهَلْ لتسليم الدَّور ، ونقلِ الأمانة .. فقتلتهُ القبيلةُ ، والتحالفُ المقيت ، وحقدُ القاصرينَ على المتفوقين ، وعقدةُ الخصيانِ في المخصيين !

11
... ومؤتمرُ الحوارِ الوطني ، الذي يتحدثُ عنه الناس ، إذا لم يجعل تلك المحَاوِرَ ، محاوِرَ أساسيةً لحلِّ القضيةِ اليمنية - تاريخياً منذ سقوط السد حتى سقوط هذا النظام في 21 فبراير - فهو مؤتمرٌ واهمٌ وَهْمَ كَمَنْ يُطفئُ بإصبعه ناراً ، أو يحرثُ بحراً ، أو يحلبُ ثوراً ؛ ولن ينجحَ إلا في مضاعفةِ القضيةِ تعقيداً ، على المدىين القصير ، والطويل .

ب :
على أني أختلفُ مع الجميع في قضيةِ الفدرالية ، فيما يخص مسألةَ عددِ الأقاليم ، والهيكلية العامة .فهي - أولاً - ليست أقاليم ، وأنما أسميها ولايات ؛ الولايات المتحدة اليمنية ؛ أو ما شئتَ قُلْ . وأرى أنْ تكونَ بعددِ المحافظات 22 ولاية ؛ مع الأخذِ بعينِ الأعتبار أنَّ المدنَ التاريخيةَ ، والمدنَ الكبيرةَ ، وعواصمَ الولايات ؛ يجبُ أنْ تكونَ تحتَ إدارةِ حكومةٍ مستقلةٍ ( independent city ) ؛ لها برلمانها ، ولها كلُّ الهياكل التي ستكون لكلِّ ولايةٍ من الولاياتِ الكاملةِ الصلاحيات . والحكومةُ الفدرالية هي الدولةُ التي ينضوي تحتَها كلُّ تلكَ الولاياتِ كاملةِ الصلاحيات ، تحتَ العلمِ الفدرالي . كما أنَّ كلَّ ولايةٍ لها علمها أيضاً ؛ على أنْ تبقَ الجُزُرُ جميعاً تحت إدارةٍ فدراليةٍ - تتألفُ مُنْ كنتُوناتٍ شبهَ الكنتونات السويسرية - مستقلةً ، تُعّنَى بها . بمعنى آخر .. نظام الولايات المتحدة الأمريكية ، مع إدخالِ التوفيقاتِ اللازمةِ لليمن ، كحالةٍ خاصة . ولو سعى الحراكُ ، والحوثيون ، في هذا الإتجاه لتحققَ ما كانَ في الإستطاعة ، والإمكان ، ما لا تحققهُ البندقيةُ ، ولا الإبحارُ في قاربٍ مخزوق ، ولا مَذهَبُ الطَّبَنجَة !

12
وما زالَ لي إصرارٌ عَصِيٌّ ، فيما أطلقتُ عليه 'مجلسَ الخمسةِ ألف' ؛ وهو الوحدةُ الأساسيةُ في كل تلك المعادلةِ الفدرالية . ومجلسُ الخمسةِ ألف ، هو الوحدةُ الإتحاديةُ لعددٍ من القرى ، يكونُ تعدادها ما بينَ الخمسةِ ، والعشرةِ ألف . وهو العددُ العلمي الإحصائي ، الذي حَدَّدَتْهُ كثيرٌ من الدراساتِ الإجتماعيةِ والتي يمكنها أنْ تكوِّنَ ديناميكيةً حثيثةً ، يتواصلُ فيها الناسُ مع الحاكمِ في مكتبهِ دونَ وساطة . وهذا المجلسُ الإتحادي لهذه القرى ، هو وحدةٌ سياسيةٌ شبه كاملة الصلاحيات ، وإداريةٌ شبه كاملةُ الصلاحيات ، ولها مجلسها البرلماني الصغير ، في ساحةٍ واسعةٍ مَنْ ساحات القُرى ، الذي يركز على تطويرِ تلك الوحدة الإدارية ، وحلَّ مشاكلها ، وإيصالِ صوتها ، وقراراتها إلى المجلس الإتحادي للقضاء ( County ) ، ومن ثم لبرلمانِ الولايةِ الذي بدوره ينظرُ في ذلك ، ويبتُّ فيه .

ب :
ذلك سيتيحُ لهذه النظرية ، التي أزعُمُها ، والتي تدورُ حولَ فكرةِ ( التطوير يبدأ من القرية ) ، أنْ يبدأَ مِنَ القرى - التي هي اللَّبنةُ الأولى في التكوينِ البشري لأي إجتماعٍ إنساني - سيتيحُ ذلكَ تحقيقَ التسارعِ في تطويرِ القُرَى التي حُرُمَتْ لمئاتِ السنين ، ثم يتجهُ هذا التطورُ باتجاهِ الدوائرِ المتواليةِ الخارجةِ منه ؛ .. وهكذا دواليك . كما أنَّ ذلك - وهو الأهم - سيعجِّل ببرامج الدولةِ الزراعية في التمددِ الرأسي ، والأفقي ، والتحكم ببدائل زراعةِ القات على مدى خطةٍ ، علميةٍ ، مدروسةٍ ، مُقَدَّمةً للنادي الدولي لأصدقاءِ اليمن ، ودولِ العشرين ، والهيئاتِ الدَّوليةِ الخاصة.

ج :
ويحقُّ لكلِّ ولايةٍ أنْ تسعى للتوحدِ الإقتصادي مع ما تريدُ من الولايات ، حتى وإنْ كانتِ الجغرافيا ، وتضاريس الأرضِ متباعدة . ويحققُ هذا التصورُ العديدَ من المسائل ، لعل من أهمها ؛ إبراز روح التنافس ، والإبداع ، والإنتاج ، والتكامل ، وإثراء الثقافة المحلية ( subculture ) للولايات ،التي تثري بدورها غيرها ، تحتَ مبدأِ الوحدةِ النفسيةِ للشعبِ اليمني .
الوحدةُ حالةٌ إقتصادية ، ترفدها وحدةٌ نفسية . الوحدةُ ليست قضية سياسية ، أو قرار سياسي فوقي ، أو تقسيم نِفطي ! .. ولهذا حينما توحدت إمريكا ، قامتْ بعد الوحدة ، الحواراتُ ، والنقاشاتُ التي كيَّفتْ الوحدة لهذه الولايات إقتصادياً ، ونفسياً . وحواراتُ 'الآباء المؤسسين' للإمريكيين ، كلها تدورُ في هذا الفلك . وما زالتْ هذه الدولةُ إلى الإن تُطَوِّر تصوراتها، وتتطورُ مع مشاكلها . وهي قضيةٌ إنسانيةٌ لن تتوقف . منطقٌ إنسانيٌّ واضحٌ ، ونظيف !

وتبقى الأمورُ السياديةُ للدولةِ الفدرالية . ويقومُ النظام الضرائبي محلَ إناطةٍ لدخلِ الدولةِ الفدرالية التي تقرُّ السياساتِ العامةَ العليا لتوزيعِ الحصص على الولايات بحسبِ الحاجة ، والإجماعِ البرلماني لمجلسي رؤوساءِ الولايات ، وممثلي الأمة على ما يشابهُ النمطَ الأمريكي مع التوفيق قدر الأمكان باتجاهِ يَمْنَنَةِ التجربة الأمريكية ، وشيءٍ من التجربةُ السويسرية . وهو مشروعُ آملٍ ؛ لهذا أطلقتُ عليه في مقالةٍ قديمة ( مشروع أمَل : يَمْنَنَةُِ التَّجربةِ السويسرية ) .
هذا ما يسمحُ به الوقت حين يستحضرُ المرءُ قضيةً كقضيةِ اليمن ؛ والموضوعُ بحاجةٍ إلى المصارحة - قبل المصالحة - والحوارُ والمشاركةُ لإثرائه ، ضرورةٌ مُلِحَّةٌ لا بد منها .

13
دأبتْ عينُ الهَرَم ، ودولُ العالمِ الصناعيةِ الكبرى ، ورأسُ المالِ الذي يسيطر عليها من خلال مدينة 'دافوس' - منذُ القرن الثامن عشر وبداية التاسع عشر - على التركيز في قضيةٍ أساسيةٍ وهي السَّعيُ الحثيثُ لتشكيلِ الحكومةِ العالمية ، التي ستتألفُ مِن ألْف إقليم مستقل ، عِوَضاً عنِ الدُّوَل .
وهذه الأقاليم لن تصِلَ إلى مرحلةِ التوازنِ الديمقراطي - الديمغرافي الصحيح - في تصورهم - حتى يصبحَ كلٌّ منها إقليماً مستقلاً بذاته ؛ ضِمْنَ ثقافتهِ التي ستكونُ المُعْطَى الأصل في تصنيفهِ كأقليمٍ مستقل .

ب :
وهناك أربعةُ محَاوِرَ للجدال ، والنقاش ربما تقودنا إلى الخُلاصةِ التي ذكرتاها آنفاً . وهذهِ المَحَاوِرُ الأربعة هي :
أوَّلاً : طبيعة وحدود أي إجتماعٍ مَدني في حكومةٍ إنسانية ، وشكل هذه الحكومة .
ثانياً : التَّعادلية ، والتوازن بين الأقاليم في العالم .
ثالثاً : إعتبارات التخطيط المدني الأقليمي .
رابعاً : الدَّعم اللازم للكثافة السُّكانية ، وضبطها ، وتطوير تنوع الثقافات الإنسانية .

أوَّلاً :
فيما يخصُّ طبيعة وحدود أي إجتماعٍ مَدَني في حكومةٍ إنسانية ، فإنَّ هناك حدودٌ طبيعية ٌ لحجمِ أيَّةِ مجتمعاتٍ مَدَنية التي مَنْ خلاله تستطيعُ أنْ تحكمَ نفسها بطريقةٍ إنسانية . وفي كتابه ( أنْ نكون حجماً صحيحاً ) - On Being the Right Size - يؤكد عالم البيولوچيا ' هالدن ' - J.B.S. Haldane - يكتب ( .. وكما أنَّ هناكَ حجماً أفضل لكلِّ حيوان ، فإنَّ هناكَ ، أيضاً ، حجماً أفضل لكل مؤسسة إنسانية . في النَّمَطِ الأغريقي للديمقراطية كانَ طبيعياً أنَّ كلَّ مواطَن بستطيعُ سماعَ كل النَّقاشاتِ والحوارات ، ويُصَوِّتُ مباشرةً في القضايا التشريعية . ولذلك إلتزم فلاسفتهم رأياً يُقَرِّرُ أنَّ ' مدينةً صغيرةً هي الحجم الأكبر المثالي لأية مؤسسة ديمقراطية ' ) !..

ج :
وأزعمُ أنهُ ليسَ مِنَ الصَّعب أنْ يلحظَ الإنسانُ كيف أنَّ حكومةَ أي إقليمٍ ، تصبحُ أقل كفاءة في إدارة شؤونها ، كلما زاد الحجم . تلك قضية منطقية مِنَ السهلِ ملاحظتها . إذا كانَ تعدادُ سكان الأقليم ( س ) ؛ فإنَّ ( س x س ) تمثل حلقة التواصل المباشرة ، وجهاً لوجه ، بين أفراد ذلك التجمع المَدَني التي تؤهلهم لفتح قنواتِ إتصالٍ بكفاءة . فمثلاً إذا كان عددُ السُّكَّان س = 100 فرد ؛ فإنَّ قنوات الإتصال الطبيعية بكفاءةٍ عالية يكون عددها س x س = 100 مضروباً في 100 = 10000 قناة إتصال يجب أنْ تكونَ مفتوحة ، للتواصلِ الطبيعي بين ذلك العدد . وعندما تصلُ ( س ) إلى قيمةٍ معينة . تصبحُ هناك قنواتُ التواصل مزدحمةً ، ومسدودة . وهي القنوات ذات الكفاءة ، التي يحتاجها الأفرادُ لممارسةِ الديمقراطية ، وتطبيقِ العدالة ، ونقلِ المعلومة . ويصبحُ الأمرُ معقداً أكثر ؛ فتظهر البيروقراطية ، التي تعطلُ الحركة الطبيعية الإنسانية . وتظهر إيضاً تراتبية السُّلطة ، بمستوياتٍ هرمية مقلقة ، ومجهدة لقضاءِ إحتياجات التجمع المَدَني الإنساني . وفي الدنمارك يستطيعُ أيُّ مواطنٍ عادي الوصولَ - مثلاً - لوزيرِ التربية ، بدون جهدٍ يُذكَر ، نتيجةَ تقليصِ البيروقراطية ، والتراتُبية الهرمية لمستويات التواصل ، وقنوات الإلتقاء .

د :
أكتفي إلى هنا ، لإنَّ العناصرَ الثلاثة الباقية المذكورة آنفاً ، تدخلُ مباشرةً في إشكاليات تخطيط المدن . ولقد أسهبتُ في العنصرِ الأول ، لأنهُ يدخلُ مباشرةً في صلبِ ما دعوتُ إليه في إشكاليةِ عددِ الأقاليم التي أراها في تكوينِ فدراليةِ الولاياتِ المتحدةِ اليمنية .

14
توم آند جيري
فوقَ الرِّمالِ المتحركة !

المشهدُ متأزم ، ونَفَسُهُ صعب ..
والأطرافُ الثمانية ما زالوا في غرفهم المغلقة ؛ والموقفُ غائمٌ ، وغير واضح الملامح ، ومعقد . هكذا يبدو لي ، وربما للجميع بعدما رأينا عددَ اللاعبين في الحَلَبة . ويبدو لي إننا جميعاً كَمَنْ هُم في حالةِ إسهالٍ شديدٍ ، واقفين أمامَ بابِ الحمام ، في طابورٍ طويل ؛ وبابُ الحمامِ مغلق ، والعمالُ فيه جاهدين ، يفتحون إنسدادَ مرحاضه !
تخيلْ - معي إذنْ - ماذا يمكنُ أنْ يحدثَ إذا لم يمسك كلٌّ مِنَّا مؤخِّرَتَه بيده ! وكيف تكونُ الصورة ، مع كلِّ ذلك ، إذا تخيلتَ أبناءَ صالح ، وإبناءَ أخيهِ ، وأخوتهُ .. مازالت بنادقهم فوقَ رأسك ؛ ونحنُ ممسكون بسراويلنا ، خشيةَ الإسهال !..

ب :
ونحنُ غالباً نستذكرُ الحلقاتِ الكرتونية ل ( توم آند جيري ) - Tom and Jerry . فمهما شاهدتَ حلقاتهما ، وتوقعتَ أنْ تنتهي معاركهما ، فشلتَ .
وإذا فكرتَ - للحظة فقط - أنَّ مشكلتهما ومعاركهما قد تنتهي ؛ لانتهى المسلسل ، وماتَ المخرج مِنَ الجوع ، وماتَ المنتجُ والمصورُ مِنَ الطَّفَر ، وماتَ المشاهدون جميعاً- كما قالَ ' الواد سيد الشَّغَّال ' .
فهل هو قدرنا أنْ نبقَ إلا إذا بقيتْ معاركنا !
وإذا كانَ الأمرُ كذلك ، وبقينا كذلك ؛ فإنَّ الجزمة لا تزال في رِجْلِيْ !

15
يُحكى أنَّ رجلاً شرًبَ خمراً فسكر ؛ وأمسكَ بغلامٍ أمرد ، وذهبَ إلى أحدِ القُضاة ، وقالَ له :
" إعقدْ لي على هذا الولد " !
قالَ القاضِي :
" كيف هذا ؟ لا يجوز " !
فأخرجَ السكرانُ ' طبنجةً ' ، وقالَ للقاضِي :
" إعقدْ لي على هذا الغلام ، وإلا فأنتَ ترى الطبنجةَ ، سأقتله بها ، وأقتلك ، وأقتلُ نفسي ؛ فتكون مسؤولاً عن ثلاثِ أنفس " !
فقالَ القاضي :
" مُد يدك ، بسمِ الله .. "
وأوهمهُ بالعقد .
فخرجَ السكرانُ فرحاً ، وهو يقولُ ؛
" قد عَقَدَ لي القاضي على هذا الولد "
فدخلَ رجلٌ على القاضي ، وقالَ له :
" على أي مذهبٍ عقدتَ له " ؟
فقال القاضي :
" على مذهب ' الطَّبَنجَة ' " !

16
وما على الرَّئيس هادي ، ورئيسِ الوزراء باسندوة ، إلا أنْ يختما حياتهما - بعد عُمرٍ طويل قبلَ أنْ يأتي أحمرُ العين - بمِسْكِ ختامٍ مُطَيَّبٍ ، وجليلٍ ، يمنحهما الدخولَ في التاريخِ من أعظمِ أبوابه ، حينَ يقدمون للشعبِ الصَّابرِ المسكين أقصى ما هو بالإمكان !
وفقهما الله .

وسامحونا .

عبدالكريم عبدالله عبدالوهاب نعمان .
في 20 فبراير 2012

زر الذهاب إلى الأعلى