آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

جماعات بلا مشروع

المرة الأولى التي أتعرف لصورة عبدالملك الحوثي وجسده المصور كاملا في صحيفة "الشارع" الأمس، وهو يتحدث عن النور القرآني الذي ينبعث في صعدة، وسيعم اليمن.

بدا في الصورة صغير السن أكثر من طاقة الحركة التاريخية القائمة على المجازفة بقيادة لا تملك إلا الحماسة ومشروعية الانتماء لبيت قيادة حركة لا ندري كيف نتصرف معها، ولا يمكنني شخصيا إلا ترقب ما ستقرره بشأن السلاح ومنهج العمل وأداته.

منهجه القرآن كما يقول، والقرآن حمال أوجه، أما الهدف الأول فليس أي نهوض بالبلد، ولا العمل من أجل ترسيخ قانون ولا دولة ولو من قبيل التفوه بعموميات برامجية من النوع المتداول في العالم الثالث. لقد أعلن هدفه الممثل بالولايات المتحدة وعملائها، ولا يمكنني هنا فهم هذه المهمة التاريخية في اليمن؛ المهمة التي تصلح في عراق ما بعد صدام أو في أفغانستان، أما نحن في اليمن فلا أدري من أين سيأتي السيد عبدالملك بالعدد الكافي من عملاء أمريكا لتنشط حركته في مجال ذبحهم، وتقوم بعمل بشر به القائد في لقائه الأخير بالقبائل.

والحاصل أن لا أحد لديه مشروع في أيام ما بعد علي عبدالله صالح، والكل يتكئ على التراث الديني والمناطقي وتأويلاتهما القابلة للطرق والسحب وفقا لمقاس الضعف الذهني لكل الجماعات القوية التي تتأجج وتكاد تسحب التجربة الحزبية لتصبح مثلها جماعات بمسميات مدونة لدى لجنة شؤون الأحزاب، وتعبر عن نفسها من خلال انفعالات المرجعيات بشتى أنواعها.

لا مشروع لدى الحراك ولا المشترك، ولا عند الرئيس الجديد الذي يحيط قوته الرئاسية بضمانات من وصل إلى الرئاسة بانقلاب عسكري، وليس بانتخابات شعبية هي أقوى المشروعيات المتاحة والبديلة للاستقواء بميراث الانتماء المناطقي وذخيرة صراعاته.

يرتفع صوت الماضي، ولا تكاد تسمع صوت الحداثة وجماعات القانون والحقوق المدنية إلا لماماً، وبجهد شخصي لأناس مبهرين بنزاهتهم وانحيازهم لدولة مدنية، لكنهم بدون قوة ضاغطة متموضعة في وجهة من النوع الذي يمكن الرهان عليه في وجود حالة موازية لكل الغباء والغلبة وهما ينخران أدمغتنا، وبما يكفي ليتحول الإنسان لعجوز لا تكف عن طرح شكواها على المارة بشأن قليلي الخير الذين خدعوها، ومع مرور الوقت سيكف الناس عن اكتراثهم لصوتنا المتشاكي، إذ لا أحد سيصغي لك حتى النهاية وأنت تردد "خدعونا".

خدعونا هذه لا تصلح مشروعا، ومجرد استعراض مثالب الغاغة، بقدر ما هي جيدة ومران على ليونة الروح المتهكمة، إلا أنها لا تكفي كمشروع تحديثي يمكن من خلاله دفع من لا يروقوننا رغم أنهم خدعونا، يمكن لمشروعنا دفعهم للشعور ببعض النقص أو العجز.

أما وقد لاذ المدني الحقوقي النزيه بالصمت، فسيتحدث التعصب والعنف، والماضي كله بكل عياله الشعث ذوي الأظافر الخامشة، سيتحدثون بالنيابة عنكم، وبما يكفيهم بالكاد من ادعاء المدنية، يعني من قبيل أن إحنا بعد ثورة، وسيخبرونك عن الديمقراطية وفي ذهنهم الهامش، وأكاد أقسم إن بعض هذه المرجعيات الحزبية، والتي كانت تعلن دوما عدم كفاية الهامش الديمقراطي، أكاد أجزم أنها قلقة بشأن ضخامة الهامش، وأنه أكبر من حاجة اليمنيين.

هذا زمن اللامشروع والعارفين بما يحتاجه اليمنيون وفقا لذهنيتهم التي تختزل مطالب كل يمني وما ينقصه في جملة احتياجات روحية عصبوية تمنحه ما يلبي حاجته للأصالة، وليس للآدمية.

زر الذهاب إلى الأعلى