هل التنادي المتشح بالقلق والخوف على سكان المدن، من تواجد بعض وحدات القوات المسلحة داخل هذه المدن؛ تنادٍ بريء، وصائب، ويمثل ضرورة أمنية ملحة في الوقت الراهن؟ هذا هو السؤال الذي يجب أن يطرح بالتزامن مع ما وقع من انفجارات مجهولة اليد والوجه داخل مقر الفرقة الأولى المدرعة.
يخيل لي أن بلدا كاليمن، يعيش اليوم حالة مشابهة لحالة ما يسمى: الدولة العميقة التي تسيرها قوى بالغة التأثير تضاهي في سطوتها قوة الحكومة المركزية؛ ليست مشكلته الراهنة إخراج الوحدات العسكرية من المواقع التي تتموضع فيها الآن، وأن التنادي الحاصل يثار بعاطفة وجلة، بريئة وجاهلة من قبل البعض، ويسوّق له البعض الآخر بصورة موجهة، لمقاصد سياسية لا تخفى أبعادها على أبسط فلاح في هذا البلد.
سألني أحدهم عن رأيي الشخصي في مسألة هذا التواجد، وكان-وهو كذلك- قد أخذته تأثيرات الصياح الإعلامي الذي ترسب في مخيلته منذ سنوات، في هذا الشأن، واتقد جمره هذا اليوم، ثم ضرب لي أمثلة لذلك: كالدعوة التي أطلقت إبان الصراع السياسي الذي سبق حرب صيف 1994م، أو في الأحداث والوقائع العسكرية والأمنية التي تلت ذلك.
عندما شرعت في الإجابة على سؤاله، ابتدرته بسؤال آخر؛ سألته عن حجم الأسلحة التي يمتلكها مجموعة من الأشخاص المعروفين داخل اليمن ، والتي يكتنزونها في دورهم الواقعة داخل العاصمة وفي المدن اليمنية الأخرى، وعن الأخطار الجسيمة التي تشكلها تلك الأسلحة على المواطنين وعلى الدولة عموما، فكان أن قاطعني بقوله: وما علاقة ذلك بهذا الأمر؟
لصديقي العزيز، ولهؤلاء، أقول: قبل إخراج هذا المعسكرات من المدن الرئيسة أو الثانوية؛ أخرجوا أسلحة رجال الدولة العميقة من بيوتهم المعسكرة والمسلحة بصنوف الأسلحة الفتاكة، التي أثبتت الأحداث أنها كادت أن تحول العاصمة صنعاء والمدن اليمنية الأخرى التي شهدت أعمال مواجهات مسلحة؛ إلى مدن اقتتال ودماء ودمار؛ ليس مثلها سوى كابول ومقديشو!!
ستكون الدعوة لإخراج المعسكرات من المدن دعوة إيجابية واجبة؛ عندما لا نرى أحدا يتجول داخل العاصمة ببندقيته الآلية الكلاشنكوفية، وعندما يتحرك المسئولون في هذه المدن دون مرافقة كتائب من العسكر والمدنيين المسلحين والأطقم الآلية المسلحة، وعندما تنزع أسلحة الجماعات القبلية والدينية المسلحة، التي تهيئ لحروب مختلفة الهويات والتوجهات، وعندما نشعر في المقام الأول، أن أجهزة الأمن قوية ومؤهلة بالقدر الذي يجعلها قادرة على مقارعة الخارجين عن النظام والقانون وتوفير الحماية لكل المواطنين.
بقي نقطة أخرى، وهي: لماذا يجري التحريض اليوم لإخراج الفرقة الأولى المدرعة من العاصمة دون الحديث عن إخراج الوحدات العسكرية الأخرى المتمركزة في مداخل المدن وأحيائها؟ ثم لماذا ينظر البعض من المثقفين إلى هذه القضية بعينين غير متكافئتين؛ إحداهما عوراء والأخرى مبصرة؟! حقا؛ إنه لقبيح أن يتحول فيه أولئك إلى محرضين، وأن تتحول معها أقلامهم إلى عِصي تضرب الضحية وتترك الجلاد!!
* باحث في شئون النزاعات المسلحة