سمعنا وقرأنا وشاهدنا تحليلات حول موضوع النفط الذي ظهر فجأة في محافظة الجوف وتحدث عن الموضوع الصغار قبل الكبار، وكان هذا الموضوع المتصدر في جلسات ورسائل المغتربين، في دول الجوار وخاض فيه الجميع بعلم وبدون علم, وحاولت خلال الفترة الماضية البحث عن الحقيقية التي لابد للجميع أن يعرفها لكن للأسف فإن من طرقت أبوابهم كانوا يقولون نفس الكلام: (سمعنا.. شاهدنا.. قرأنا) فأين هي الحقيقة إذن؟
قبل أشهر قابلت محافظ محافظة الجوف: الشيخ محمد بن سالم بن عبود على هامش ندوة أقيمت في قاعة مستشفى جامعة العلوم والتكنولوجيا عن (الجوف الأرض والإنسان) بعد الندوة جلست مع المحافظ وقلت له ماذا عن موضوع الغاز الذي تم اكتشافه في الجوف -ركزوا كان غاز وليس بترول- قال لي: الموضوع أن هناك مبشرات بخير في أرض الجوف وهناك معلومات عن وجود مخزون كبير من الغاز في الجوف. بعدها انتقلت معه إلى مواضيع أخرى تنموية ومشاكل المحافظة التي تعانيها الجوف وطلب مني أن أنزل لأجري تقارير تلفزيونية عن الجوف فوعدته خيرا.
المواقع والصحف التي نقلت الخبر كثيرة فعلى سبيل المثال فقد نقل موقع مأرب برس عن المحافظ قوله "إن الجوف تمتلك أكبر احتياطي من النفط والغاز على مستوى اليمن إن لم يكن على مستوى شبه الجزيرة العربية، حسبما تشير إليه المسوحات في هذا الجانب، إلى جانب امتلاكها ثروة زراعية بفعل تربتها الخصبة ومميزات مياهها الجوفية الذي سيجعل المحافظة تتربع عرش المحافظات اليمنية المنتجة اقتصاديا، ويجعل منها المحافظة الأولى في رفد البلاد باحتياجاتها من السلع الغذائية، وركيزة أساسية من مرتكزات الاقتصاد الوطني.
بعدها قفز الموضوع إلى الصحف أن الجوف تمتلك ثالث مخزون نفطي في العالم وآخرون قالوا تمتلك بحيرة نفطية والبعض قال: أن اليمن سيودع كل مشاكله خلال الفترة القادمة لكن أين هي الحقيقة؟
تتواصل الإشاعات والتحليلات الغير مؤكدة التي تتحدث أن مخزون اليمن من النفط سيقفز إلى 34% من المخزون العالمي كما نقل موقع يمن برس.
كما نقل الموقع ذاته عن "سكاي نيوز" محطة التلفزيون الأميركية، أن اكبر منبع نفط في العالم يصل إلى مخزون نفطي تحت الأرض هو في اليمن، ويمتد قسم منه إلى السعودية بجزء بسيط على عمق 1800 متر، إلا أن المخزون الكبير هو تحت أرض اليمن.
صحيفة المصري اليوم تنقل عن أحد خبراء النفط في اليمن، حول إنتاج حقل الجوف في بلاده، الذي يبلغ 5 ملايين برميل يوميا يتم سحبه بطريقة أفقية إلى الأراضي السعودية، مؤكداً أن محافظة (الجوف) تعد أغنى المناطق العربية بحقولها النفطية والغازية.
يمن برس ينقل أخبار وإشاعات عن نفط الجوف وعن تسابق الدول الي دفع مليارات مقابل الحصول علي حق الامتياز وتقول إشاعات غير مؤكدة، أن السعودية عرضت على اليمن، أن تدفع لها سنوياً 10 مليارات دولار، مقابل إعطائها امتياز استخراج النفط من اليمن على 50 سنة، إلا أن اليمن لم توافق.
موقع أخر اسمه الحوار برس يقول: أن نفط المملكة هو من الجوف، "كشف خبير اقتصادي مطلع بصنعاء الذي طلب عدم الكشف عن هويتها ولأول مرة عن قيام المملكة العربية السعودية بإنتاج خمسة ملايين برميل نفط يوميا من الحدود السعودية المتاخمة لمحافظة الجوف اليمنية".
ركزوا أن كل الخبراء يطلبون عدم ذكر أسمائهم في معظم الأخبار المتعلقة في نفط الجوف ولم يتجرأ أحد من الخبراء الأفاضل أن يتكرموا ويقدموا خدمة جليلة وكبيرة للشعب المسكين الذي عاش طيلة ثلاثة عقود من حكم صالح على الأحلام والآمال التي لم تتحقق فماذا يا ترى..؟
ما أخاف منه هو أن يصدم الشعب مرة أخرى وتكون أخبار النفط في الجوف مجرد إشاعات وآمال وأحلام وردية سرعان ما يتم نفيها.
حتى الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان نشرت في صفحتها على الفيس بوك عن الموضوع حيث قالت: تقول التقارير أن في محافظة الجوف اليمنية حقل نفطي كبير ، قريبا سترون اليمن دولة نفطية وصناعية عظمى، الحلم سيتحقق بوقت قياسي، هنا شعب عظيم وبلدة طيبة فرتبوا أوضاعكم معه بطريقة إيجابية يا معشر الجيران والأشقاء والأصدقاء ، راهنوا على أن تنالوا رضاه ووده فهم أرق أفئدة وألين قلوبا).
أنا كنت أكثر المتحمسين وأكثر من ينقل هذه الأخبار والبشارات التي أفرحت قلوب كل من سمعها وكم تلقيت من اتصالات ورسائل من إخواني المغتربين في السعودية ودول أخرى كلها تبحث عن الحقيقة التي لا أعلم أين أجدها.
وزارة النفط المعنية بالأمر لم يصدر عنها أي بيان بخصوص البحيرة النفطية في الجوف واكتفت بالقول أن اليمن لم يكتشف غير20% من الثروات وأن اليمن يمتلك مناجم ذهب وكثير من الثروات التي لكم نكن نعلم بها.
أزمة بين اليمن والسعودية
تداولات بعض الصحف أخباراً عن حدوث أزمة سياسية بين اليمن والسعودية بسبب نفط الجوف وأن هناك حشوداً على الحدود وأن الجيش السعودي تقدم عشرين كيلو وأنه استولى على مناطق كبيرة وأن هناك حرب بين القبائل وحرس الحدود السعودي وعقب ذلك صدر قرار بطرد العمالة اليمنية التي تزيد عن 2مليون يمني في المملكة بسبب نفط الجوف. والحقيقة أن القرار صدر في وقت سابق لكن عملية تطبيقه كانت غير مناسبة وخدمت من يقولون بحدوث أزمة بين البلدين وزادت المهاترات الإعلامية واستغلت من قبل بعض القوى المدعومة من إيران حيث تم الزج بالعمالة في أتون الصراع وكانت الترحيلات التي حدثت بحق اليمنيين والتي بلغت بحسب إحصائيات غير رسمية إلى أحد عشر ألف مرَّحل، فكانت ووجبة دسمة لمن روجوا للحديث عن أزمة بسبب نفط الجوف.
إعلام البلدين لم يصدر منهما أي بيان رسمي بخصوص أي أزمة أو تدهور للعلاقة أو اتهامات باختراق مناطق حدودية بل إن الملك عبدالله بن عبدالعزيز أصدر أمراً بتأخير تطبيق القانون الجديد الخاص بالعمالة إلى بعد ثلاثة أشهر.
أياً كان قانون العمل مجحف بحق العمالة اليمنية لكنه كان قرار على الجميع وعلى المملكة العربية السعودية أن تُراعي العمالة اليمنية لعدة أسباب منها: الجوار والقربى والدين والعلاقات التاريخية التي تجمع البلدين، لكن الاستغلال كان واضحا في تأجيج الكراهية ومحاولة الإضرار بالعمالة اليمنية التي تعيل نحو عشرة ملايين في أبناء اليمن ومحاولة الزج بهم في صراعات سياسية هم في عنى عنها.
من وراء الإشاعات
تتبعت الخيوط التي تلعب على الوتر الحساس وهو النفط والثروة والعمالة اليمنية في السعودية وهو ثالوث استطاع الحوثيون من جهة والقوي اللبرالية والقومية، وبعض من يحملون حساسية من المملكة استطاعوا أن ينشروا إشاعاتهم من خلال وسائل إعلامية ومواقع الكترونية وقنوات تتبعهم فتصدرت صحيفة الشارع للموضوع وكانت وأختها في الرضاعة صحيفة الأولى من أكثر الوسائل الصحفية تأجيجاً ونشراً للإشاعات والأخبار الملفقة، وكانت ومازالت هذه الصحف تسعى وراء الكسب الرخيص للمال من خلال العناوين العريضة والرنانة والجاذبة للقراء، وكذلك إرضاء للأسياد الذين يتبعونهم، وكانت أيضاً قناة المسيرة التابعة للحوثي أكثر القنوات ترويجاً للحرب بين القبائل وحرس الحدود السعودي، وساندتها قناة الساحات التابعة لسلطان السامعي وأحمد حاشد ونشرت الكثير من وسائل الإعلام المحلية التقارير التي كانت تنشر في الصحف المذكورة.
أين الحقيقة...؟
الحقيقة التي لابد أن يعلمها الجميع أولا أني لا أدافع عن السعودية، بقدر دفاعي عن الحقيقة التي يحاول البعض أن يستغلها لأغراض شخصية، وإذا صح أن القوات السعودية اعتدت على أرض يمنية فأنا أعلنها صريحة إني ضدها وضد أي انتهاك لحرمة التراب اليمني، وكذلك فأنا ضد أن يتم استغلال الحدود الكبيرة بين البلدين لتهريب الأسلحة والمخدرات والإرهابيين والممنوعات وأنا مع أن تقوم المملكة بحماية أرضيها ضد ما ذكرت وعلى السعودية أن تحسن التعامل مع العمالة اليمنية لما بيننا من علاقات وجوار.
وفي خضم الحديث عن اكتشاف بحيرات نفطية، وكذلك مخزون غازي فعلى الحكومة اليمنية والجهات المختصة في وزارة النفط والغاز أن تعلن على الملأ من خلال مؤتمر صحفي صحة الأخبار أو نفيها لقطع الطريق أمام الأخبار المضللة التي يحاول البعض استغلالها في إثارة حروب وبلابل ومشاكل حدودية مع الجيران.
في الأخير
إذا كانت الأخبار التي نشرتها صحيفة الشارع والأولى دون غيرهما عن نشوب حرب واعتداء على أراضي يمنية من قبل قوات سعودية ولم تتحرك وزارة الدفاع ورئاسة الجمهورية لحماية الأراضي اليمنية فهذه خيانة عظمى يعاقب عليها القانون.
لكن إن كانت الأخبار كاذبة فعلى نقابة الصحفيين أن تجد حلاُ مع الصحف ومع وسائل الإعلام التي لم تلتزم بالمهنية والحياد في نقل الأحداث.
فهل يعقل أن تحدث حرب حدودية وتدخلات ومحاولة للبسط على أرض يمنية وكل الجهات الحكومية لم تعلن هذا وما علمت به إلا صحيفة الشارع وأخواتها من الرضاعة فهذا قمة الاستخفاف بالجهات الحكومية.
وعلى البلدين أن يعلنا أن لا وجود لأي مشاكل بينهما لكيلا يوثر ذلك على العمالة اليمنية في المملكة.
شخصيا أتمني أن يأتيَ يوم وكل شبر في اليمن يحتوي على ثروة ونفط وغاز ليعيش الشعب المسكين كباقي الشعوب وتنتهي معاناتنا..