قبل أيام ذهبت مع مجموعة من الزملاء إلى محافظة عمران تلبية لدعوة أحد زملائنا للمشاركة في عرس أخيه الذي أقيم في منطقة بني قادم من مديرية عيال سريح والتي تبعد عن العاصمة صنعاء قرابة 50 كيلو متر مربع.
على زخات المطر غادرنا العاصمة صنعاء، وعلى غزارته كذلك وصلنا منطقة العرس وتحديدا عند الساعة الثانية ظهرا، تناولنا وجبة الغداء بعدها ذهبنا إلى المخيم الذي يتواجد فيه العريس الذي كان يجلس إلى جواره عريسان هما شقيقان وجميعهم ينتمي إلى نفس الأسرة (بني قادم).
على أنغام الفرح، وترانيم السرور، وأهازيج الزفاف، وأصوات المنشد الذي كان يطرب الحاضرين بصوته الشجي الذي كان يتجول في لحن الانشاد تارة، والغناء والطرب تارة أخرى، جلسنا لتناول القات في ذلك المخيم الذي تحول إلى أشبه بحمام من شدة الحر الذي كان يتصاعد منه بفعل ازدحام الناس حينا، وشرب السجائر التي كانت تزين شفاه الكثير من الحاضرين أحايين كثيرة، رغم برودة الجو بفعل هطول الأمطار التي تدفق بعضا منها إلى داخل المخيم.
مر الوقت سريعا، ولم نكن نريد أن نغادر ذلك المكان ونحن نجلس بجوار أناس يسكن الطيب قلوبهم، والحب والإخاء والتعاون أفئدتهم، يجلس بعضهم إلا بعض وكأن على رؤوسهم الطير، يتبادلون الضحكات، ويوزعون الابتسامات، يحملون قلب رجل واحد رغم اختلاف انتماءاتهم الحزبية ووظائفهم الموزعة بين المدنية والعسكرية، ليس بينهم من يثير الضغينة، ويزرع الأحقاد، نسيجهم الاجتماعي محافظ عليه من أي تصدعات أو تشققات، لم نرى أحدا منهم يحمل سلاحا سوى شخص عرفت فيما بعد أنه أخو العريس وينتمي إلى صفوف القوات المسلحة، وهذا ما جعلننا نشعر بالأنس والسعادة في مجتمع يربطهم الإخاء والحب والتعاون كهذا.
كانت الساعة تشير إلى الخامسة مساء،حينها قررنا العودة إلى العاصمة صنعاء، استوقفنا أحد الشباب من تلك المنطقة والذي أراد أن يسافر معنا إلى صنعاء، وأثناء عودتنا مررنا بإحدى القرى التي لا تبعد عن المنطقة التي وصلنا اليها سوى مسافة ليست بالبعيدة، في تلك القرية رأينا شعارات الموت موزعة على جدران المنازل والمساجد والمدارس التي تم تغيير حتى اسمها، وكلمات السيد عبد الملك والسيد حسين منقوشة على جدران بعض المنازل وكأنها احدى المعلقات الست على جدران الكعبة.
وعند مرورنا في وسط تلك القرية وجدنا عدد من السيارات يقفن على قارعة الطريق، ومخيم كبير ومكبرات صوت قد وضعت على سطح إحدى المدارس المجاورة لمنزل السيد والتي قد تحولت بحكم قربها من منزله إلى أشبه بثكنة عسكرية يقطنها أنصاره الذين يتناوبون على حراسته صباح مساء، كما شاهدنا بجوار المخيم شباب مدججين بالأسلحة يرقبون السيارات التي تمر من جوارهم بنظرات تبعث على النفس الخوف والرعب، عرفت حينها أنه عرس لأحد أنصار الحوثي، والذي كانت تصدح من داخل ذلك المخيم صيحات الولاء للإمام علي رضي الله عنه على شكل أهازيج كربلائية، وكأنهم في يوم عاشوراء وليس في حفل زفاف وفرح اجتماعي.
سألت ذلك الشاب الذي سافر معنا من أبناء تلك المنطقة لماذا هذه الشعارات موزعة بكثافة على هذه القرية، فأجاب هؤلاء حوثيون ويقومون بعمل هذه الشعارات على منازل الناس بقوة السلاح، بل ويهددون من يقوم بمحاولة طمسها أو محوها.
حاولت أن أعرف منه تفاصيل أكثر عن هذه القرية التي أضحى جزء منها يدينون بالولاء لعصابة السيد عبد الملك فقلت له هل هؤلاء كانوا حوثيين من قبل أم لا ؟ فرد علي لا هؤلاء كانوا من قيادات المؤتمر وبعدها "تحوثوا" فجأة. فقلت له وما هو سر تحولهم إلى الحوثيين فقال إنهم قاموا بالاستعانة ببعض القيادات الميدانية لجماعة الحوثي التي كانت تتواجد في مدينة عمران، وتم بناء منزل له في تلك القرية وأصبح سيد القرية يأتيه البيض والسمن من منازل المواطنين صباح كل يوم، وأشار لي بذلك المنزل الذي تم بناءه للسيد والذي أضحت خيام الأعراس لإتباعه تنصب إلى جواره، ومن ثم مررنا بمكان أخر فأشار لي ذلك الشاب بديوان طويل يتم بنائه حديثا سألت الشاب عنه فرد علي أن هذا ديوان يتم بنائه للحوثيين بأمر من ذلك السيد حتى يكون بمثابة مكان عام يجتمع فيه انصارهم ليكون المنطلق لمناقشة قضاياهم وكسب أنصارهم.
وأردف ذلك الشاب وهو يتحدث بأسى وحسرة أن هذا السيد الذي أصبح القائد الميداني للحوثيين في تلك القرية يقوم كل جمعة بجمع أموال من المواطنين ويقوم بشراء (3) أوالي كلاشينكوف وتخزينها وتوزيعها على الشباب الذين يدينون بالولاء والطاعة له وتجميعها ليوم الحسم كما يقول ناهيك عن الأسلحة المخزنة بمنزلة بمختلف أنواعها الخفيفة والثقيلة، وجزء من هذه المبالغ التي يقوم بتجميعها يقوم بتوزيعها على الشباب لكسب ولائهم خاصة من أولئك الذين ليس لديهم مصدر دخل خاصة من الطبقة الفقيرة والذي يستغل الحوثي فقرهم وحاجتهم لكسبهم إليه.
ويضيف ذلك الشاب وهو يتحدث عن الخلافات والمشاكل التي ظهرت بين المواطنين من بعد دخول هذه الجماعة إلى القرية، وكيف أصبح نسيجها الاجتماعي مفكك ولم يعد أحد يأمن على نفسه، وأسرته بفعل المشاكل التي ظهرت منذ تواجد هذه الجماعة في تلك القرية التي عاشت منذ زمن وهي تتمتع بروح الأخوة السائدة بين المواطنين، إذ أوضح هذا الشاب أنه حتى المساجد لم تسلم بعد من أذى الحوثيين الذين حولوها إلى ساحة صراع مذهبي بفعل صيحات الصرخة التي كان الحوثيون يرددونها عقب كل صلاة والتي أدت في يوم من الأيام إلى حصول مشادة كلامية ونشوب معركة حامية الوطيس بين المواطنين وأتباع السيد، وكانت نتيجة تلك المعركة إغلاق المسجد لمدة (20) يوم والتي قام الحوثيون بعدها باقتحامه بقوة السلاح وأصبح تحت سيطرتهم، ترفع فيها شعارات الصرخة كما يقولون عقب كل صلاة، وأصبح الناس كما يقول الشاب مفرقين في القرية حتى في الصلاة فالمواطنين يصلون في مسجد، والحوثيون يصلون في مسجد أخر !
أصبت بالحسرة على تلك القرية التي أضحت مفرقة بفعل الأحقاد والضغينة التي يتم زرعها في كل زوايا القرية، تارة باسم الدين، وأخرى باسم الحفاظ على القرية من التدخل الأمريكي، وحينا بالدعاء بالويل والثبور والموت لأمريكا واسرائيل وأحايين أخرى باسم الدفاع عن آل البيت الذي يطعن فيهم الحوثيون صباح مساء وعلى رأسهم أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأبو بكر وعمر وعثمان وغيرهم من الصحابة الكرام، وإذا كان الحوثيون قد فرقوا بين صحابة رسول الله فكيف سيعملون على توحيد الناس وعدم تفريقهم، بل كيف سيحافظون على نسيجهم الاجتماعي بعد تفريقهم لنسيج الجيل الاول من الصحابة والتابعين.
ما وددت أن أخلص اليه من خلال ما سردته آنفا هو المخاطر التي أضحت هذه الجماعة تصدره حيثما تواجدت، و التي أصبحت تمثل خطرا مباشرا لا يستهدف ديننا وعقيدتنا فقط بل أصبحت خطرا يهدد نسيجنا الاجتماعي، وما هذه المنطقة التي سردت في هذه السطور جزء من بعض فصول معاناتها سوى حلقة من حلقات الخوف والانقسام بين مكونات أبناء المجتمع في بعض القرى أو الحارات التي يتواجد فيها الحوثيون، حيث أصبح الخوف والرعب وتصدير الموت قرين الحوثي أينما حل وأرتحل بل أستطيع أن أقول أنه " حيثما وجد الفكر الحوثي في منطقة ما..وجد فيها الخوف والفرقة والشتات بين المواطنين " وما الفرق بين تلك القرية التي نزلنا ضيوفا فيها، وتلك القرية المجاورة التي تواجد فيها الحوثيون إلا خير دليل على ذلك.
رغم مشاركة الحوثيين في مؤتمر الحوار الوطني ب (35) عضوا، إلا أنهم يستغلون هذه المرحلة لتوسعهم وتمددهم في كثير من المناطق، بل ويعملون على شراء الاسلحة وتوزيعها على أنصارهم، مستغلين بذلك انشغال القوى السياسية بمؤتمر الحوار الوطني وحرصهم الكبير على نجاحه، وبمساعدة الكثير من بعض قيادات المؤتمر التي فقدت مصالحها بفعل الثورة الشبابية التي وأدت أحلامهم، وكذلك البعض من قبل بعض القوى اليسارية والقومية والذين استغلهم الحوثي فأصبحوا الأداة التي يحركها الحوثي كيفما شاء لتحقيق مصالحة وتوسيع نفوذه كما هو الحال في محافظة تعز التي أصبحت مرتعا خصبا للحوثيين نتيجة التواجد النسبي للقوى اليسارية والقومية التي سهلت لجماعة الحوثي توسعها وتمددها، حقدا على بعض القوى السياسية التي كان لها شرف المساهمة في اسقاط نظام صالح حليف الحوثيين الاستراتيجي قديما وحديثا.
لا نزال لم نفهم بعد لماذا يقوم الحوثيون بتربية أفرادهم على ثقافة العنف، وحمل السلاح التي غدت سمه حوثية لا يستطيع التخلي عنها رغم الحرص الذي يبدونه على الدولة المدنية التي يقولون إنهم يعملون من خلال هذه الثورة على تحقيقها، وكيف يجمعون بين النقيضين دولة مدنية خالية من السلاح. وسلاح يعملون على استيراده عن طريق البر والبحر كما هو حال السفينة الإيرانية جيهان1 التي تم القبض عليها في خليج عدن في فبراير الماضي، بل ويقومون هذه الأيام بالعمل على الانتهاء من تجهيز مدارج مطار صعدة لتسهيل وصول الطائرات المحملة بالأسلحة القادمة من إيران في ظل سلطة محلية تدين بالولاء المطلق للحوثي فيما لا تزال الدولة لم تضع لإرجاع صعدة أي قائمة في سلم اولوياتها..
وهنا نبعث رسالة إلى الرئيس عبد ربه منصور هادي ورئيس الوزراء واللجنة العسكرية وأعضاء مؤتمر الحوار الوطني العمل على بسط نفوذ الدولة حتى لا يأتي يوم ولا تستطيع الدولة ذلك، كيف وقد أصبحت هذه المحافظة قنبلة موقوتة في أيدي مليشيات ترى قتل المواطنين وتمزيق نسيجهم الاجتماعي قربة يتقربون بهم إلى الله زلفى، عندها نندم ولكن بعد فوات الأوان فهل من مجيب! نامل ذلك.. وكفى!