التقيت عدداً من المشاركين في مؤتمر الحوار الوطني في مواقيت ومناسبات متفرقة وعلمت من معظمهم أن ما يطرح خلال جلسات الحوار، لا يتعدى كونه موضوعات فضفاضة وعناوين سطرية مكتوبة بعناية متناهية لكي تصلح أن تكون كلاماً مكتوباً في برنامج الجلسات، وأنه يتم التعامل مع ذلك كما يتم عادة التعامل مع عناوين ومحاور الندوات والفعاليات التي تبعث السأم والملل والتثاؤب..
وقال لي أحد من استفسرت منهم عما يجري في جلساتهم، إنه في حال أراد المتحاورون تنشيط الجلسات هروباً من لملل والسأم، فإنهم يعمدون إلى فتح وطرح الموضوعات الشائكة التي تستحضر الاختلاف والخلاف ومن ثم تقويض الجلسات نتيجة الأصوات المتعالية وصولاً إلى التشاتم والنزاع وأحياناً مد الأيدي والتقاذف بقارورات المياه أو ما توفر وصلح ليكون مقذوفاً..
ظننت هذا مبالغاً فيما حكي لي ولكن أكد كلامه آخرون، ممن يشاركون في هذه الندوات أو حلقات النقاش التي يحتضنها الموفمبيك تحت يافطان وعناوين أبعد ما تكون عما يتطلبه واقع وراهن الوطن وما تمليه المرحلة الحالية من ضرورات وأولويات ملحة وهامة.. وأكدلي أحد الأصدقاء من المشاركين في هذه المعمعمة التي تنعقد عليها آمال الوطن حاضراً ومستقبلاً، أنه في الغالب يجري التحمس للقضايا الخلافية، التي يمكن أن تشق الصف أكثر من كونها توحد الكلمة وتذهب ما بين القوى والأفراد من مشاحنات وخلافات!!
وأضاف لي آخر أن تلك الموضوعات الخلافية أو على الأقل معظمها، لودققت لوجدت أن لا فائدة من مناقشتها ولا مطلب من طرحها سوى إيجاد مسحة الخلاف والاختلاف، وضرب لي أمثلة لتأهيل شبكات الاتصال والانترنت وشبكات الري والمجاري ومعاقبة ومساءلة والكتاب ووسائل الإعلام التي تتناول الحوار ووضع ضوابط لتناولها، وغير ذلك مما يبدو وكأنه ما وصل بالبلاد إلى ما وصلت إليه!!
وحين سألت أحد من جلست إليهم أو تحاورت معهم من المشاركين لماذا تثار في جلساتكم قضايا الأمن وهي من القضايا الملحة والضرورية والتي يجب أن تكون لها أولوية؟! ضحك بسخرية قائلاً هذا الموضوع يثار بشكل شبه دائم في النقاشات، ولكن يبدو لي أنه سرعان مايغيب وذلك ربما لأن فيه إجماعاً وعليه اتفاقاً، والاجماع والاتفاق أبعد ما يمكن أن يرضى عنه المشاركون خصوصاً الذين ينتمون إلى قوى سياسية مختلفة ومتنازعة أو بالأصح ما يمكن أن نسميه طرفي النزاع السياسي.
أخيراً.. هل حقاً هذا ما جرى، ويجري داخل الموفمبيك الذي تتجه إليه أنظار أبناء الوطن من أقصاه إلى أقصاه؟!! إذا كان الأمر كذلك فما ترانا ننتظر من نتائج حوار كهذا، وما الذي يمكن أن تتضمنه توقعاتنا من مخاوف مرتقبة.. علماً أن ما استشهدت به هنا من مواقف ومعلومات نزر يسير من غرائب ونوادر وحكايات تجري بين هذه النخب التي اختيرت لتقرر مصيرنا ومصير وطننا؟!