أرشيف الرأي

يحدث في حكم العسكر

يختطف الرئيس المنتخب بعد الانقلاب عليه ويعزل عن أهله والعالم، ويتحول القضاء لمسوغ لجرائم الأمن ويصبح إعلام الدولة بوقا يمتدح الحاكم ويقذف المعارضين بأبشع الأوصاف، وتفتح السجون لطلاب الحرية، وتجهز المقابر للرافضين الخنوع والطاعة للاستبداد.

في حكم العسكر تغلق القنوات وتكمم الأفواه وتعتقل قيادات الأحزاب السياسية ويقتل المتظاهرون في الشوارع والميادين وتلفق التهم للمعارضين وتصادر الأموال وتعدم الحرية.

يخيم الخوف وينعدم الأمن ويجرم كل عمل سلمي، ويبقى عرضة للاقتحام لتحوله لخطر يهدد الأمن القومي للبلاد، ويدار العباد بسيف القوة ويصبح الرجل في بيته ويمسي بالسجن وتدفن الديمقراطية في مقبرة الاستبداد للأبد.

يزداد حملة مباخر النفاق وقائلي قصائد المديح للحاكم الجديد، وتخرس ألسن منظمات حقوق الإنسان، ويصبح للدم أكثر من لون، وتسخر الطائرات لتصوير حشود التطبيل وتوزيع الهدايا، وسيارات الشرطة تعطي المؤيدين قنينات المياة، ويجد مناوئيهم منها إلقاء منشورات الوعيد، وآليات رشاشة وجند يصوبون رصاصاتهم نحو صدور عارية.

تتغير المفاهيم المجمع عليها، بحيث يصير الانقلاب العسكري، ثورة شعبية، والمظاهرات السلمية أعمال إرهابية، ويتحول الخصوم السياسيين إلى محتلين ومارقين، وتضيع كلمة حقوق الإنسان في بورصة الأسعار، وتوأد الثورة الأم، وتستبدل بأخرى من صنع هوليود.

في حكم العسكر، يصير المدافعين عن الديمقراطية أقلية شاذة لا تدرك متغيرات الواقع الجديد، ويصبح مظهر تحرك المدرعات والدبابات في الشوارع مشهداً عادياً بعد استباحة الحياة المدنية والسياسية، وتصفية مقوماتها وهدم أركانها.

إن شاركت في مسيرة أو اعتصمت في ميدان أو رفعت لافتة تطالب باحترام إرادتك، فإن مصيرك السجن أو القتل أو غياهب المجهول، وما عليك إلا أن تسبح بحمد الحاكم العسكري وتدور في فلكه إن أردت إطالة عمرك في الحياة، ما لم فإن تذكرة سفرك للآخرة جاهزة.

ليس غريباً أن تجد مؤيدا للانقلاب العسكري يدين القتل إن فتح فمه، لكنك ستكتشف اختراعاً جديداً مفاده أن من دعا للتظاهر أو يشرف على الاعتصام هو المسئول وليس ذاك الذي أطلق النار، حتى أن المسئولية السياسية لأي نظام في مثل هكذا حالات معدومة هنا.

باختصار تصبح البلاد في حكم العسكر عبارة عن معسكرات والعباد مجرد جنود طائعون ومن يخالف عقابه السجن أو القتل.

زر الذهاب إلى الأعلى