حساباتٌ عدة تدفع الحوثيين لمحاولة زحزحة صخرة العصيمات التي تحول بينهم ومشارف صنعاء، وهو أمر لا يدركه إلا من قرأ جيداً تاريخ اليمن وخبر أساليب المشروع الإمامي العنصري السلالي الكهنوتي الذي لديه خبرة طولها ألف عام في محاولات الوصول إلى صنعاء.
يدرك أصحاب هذا المشروع الشرير المعادي لليمن أرضاً وعقيدةً وإنساناً أن الجمهورية كانت هي مفتاح الانعتاق لهذا الشعب من ربقة هذا المشروع المدمر، ويدركون أن القبائل اليمنية وفي مقدمتها حاشد كانت هي الرافعة الحقيقية للجمهورية التي أسقطت دولة الإمامة. ومن ثم يوقن هؤلاء أن الطريق إلى إسقاط الجمهورية في صنعاء يبدأ بإسقاط حاشد، وإسقاط حاشد يبدأ من فك تحالفاتها مع القبائل، بل وشقها من الداخل قدر الإمكان، وهذا كان برنامجهم طيلة العقود الماضية.
وقد أحرزوا بعض النجاح في هذا البرنامج وشعروا اليوم أن اللحظة مواتية لإسناد برنامج إضعاف حاشد القائم على الدس والوقيعة والهجوم الإعلامي الشرس على القبيلة وبيت الأحمر، بعمل عسكري ميداني لإزاحة صخرة حاشد.
لكن السؤال يبقى: هل هذه هي الدلالات الوحيدة لاختيار الحوثيين هذا التوقيت بالذات للهجوم على العصيمات؟ أم أن هناك دلالات أخرى لا تقل أهمية؟. والجواب يكمن في موفمبيك ولجنة ال(8/8) التي أعادت اليمنيين إلى أجواء ما قبل 90. وهي اللجنة التي انبثقت عن مؤتمر حوار مشبوه تم جعله كفرنٍ يتم فيه صهر كافة القوى السياسية طيلة 6 أشهر للقبول بنتائج كارثية. ولكن مخرجي هذا السيناريو ظلوا متوجسين وخائفين من الشخصيات الكبيرة التي تبرأت من هذا المؤتمر المشبوه وانسحبت منه في وقت مبكر. وعلى رأس هؤلاء يأتي الشيخ حميد بن عبدالله بن حسين الأحمر، الذي لم يتم تخديره في منتجع موفمبيك. وظل يراقب الأحداث عن كثب وبمستطاعه أن يقلب الطاولة على الجميع حينما يتأكد له كارثية المخرجات التي أقل ما يمكن أن توصف به أنها خيانة.
لهذا كان لابد من إشغال الشيخ حميد الأحمر وحاشد والعصيمات بعدوان لم يحسبوا حسابه ولم يستعدوا له حتى لا يسهموا في ايقاف عجلة السقوط المريعة في مؤتمر الحوار.
وهناك تهيئة سبقت مثل هذا الأمر حتى لا يحدث نوع من التضافر الإعلامي المستحق مع المعتدى عليهم في حاشد والعصيمات. فتم توجيه السهام من وقت مبكر للقبيلة وتصويرها على النقيض من الدولة المدنية، كما تم تصويب السهام لما اصطلح على تسميته "القوى التقليدية" التي يصنف "آل الأحمر" ضمنها، وذلك لإزالة كافة العراقيل أمام مشروع التجزئة. بحيث يتم تثوير الشعب على حواجز الصد الخاصة به ولا يبقى في الأخير سوى صنمهم "السيد" المدجج بالخرافة والسلاح وبكل المفاهيم الغاشمة التي ثارت عليها جميع الشعوب الحرة. و إلى ذلك تم استثمار التوترات التي حدثت داخل الصف الجمهوري في 2011 ومحاولة جعلها تصب في خدمة التمدد الإمامي الذي يستهدف الجميع في حقيقة الأمر.
إن الأسابيع السابقة منذ عدوان ميليشيات الحوثي على العصيمات لم تؤتِ أكلها لأصحاب هذا السيناريو الشرير كما كانوا يهدفون. بل مثل جرس إنذار لكل القوى الحية لهذا البلد قبل فوات الأوان. ولقد أصبح واضحا في ذهن كل القوى الحية والحرة في اليمن أن العدوان على العصيمات هو عدوان على أحد أهم أسوار الجمهورية التي نحتفل بذكراها الحادية والخمسين بعد أيام، وبالتالي هو عدوان على كل اليمن وكل اليمنيين.
ونختم بهذه الأبيات لابن صعدة الأستاذ غائب حواس قالها في أغسطس 2010:
صنعاءُ يا رأساً تُباع يمينُهُ والساعدُ
باعدْتِ ما بين الأقارب فاحتواك أباعِدُ
ورميتِهم صيدَ الأعادي فاشتهاكِ الصائدُ
صنعاءُ ثعبانُ السلالة في سريرك راصدُ
والقومُ أيقاظٌ حواليك وليثُك راقدُ
صنعاءُ بارودُ الإمامة في وريدك راكدُ
وأتى مُبيداً بعدما قلنا "إمامٌ بائدُ"
يا بطن صنعاء المرهّل إن ظهرك "حاشدُ"