كنا أطفالاً وكان "أيلول" هو عيدنا الـ3 إن لم يكن هو الأول على مستوى المعنويات. كانت أرواحنا الوطنية أكثر براءةً مما هي عليه الآن، أو أنها لم تكن قد لطخت بصور وطنية خبيثة كالتي قابلناها مصادفةً، في شوط الـ3 عقود. أتذكر تلك الفرحة التي كانت ترتسم علي محيانا مع دخول اول أيام سبتمبر.
كنا قبل أيام من ذكرى 26 سبتمبر، نتسابق على جمع إطارات السيارات، لنحرقها في أعلى قمة محيطة بقريتنا الجبيلة، وقبل ان تنتهي نركلها باتجاه الوادي، ونستمتع والشظايا تتطاير ملتهبة، وتتوزع على المدرجات الزراعية، وكنا نتسبب بمشاكل أحياناً، لكن رغم الشقاء والشطط، كنا نفرح باستمرار، وكنا نغني لليمن وللثورة ونردد أشعار الزبيري، ولم يحدث أن نسينا حقيقة دافئة نمت وماتزال معنا، ومفادها أن تلك الليلة الفرائحية المكررة سنوياً، كانت وما تزال من الليالي المجيدة في هذه الحياة اليمنية المحاصرة المنغصات وبالأوغاد.
لم ولن ننسى سبتمبر مهما كبرنا ومهما تصاعبت أمامنا المصائب وتناثرت مشهيات النسيان. لأن المشاريع الوطنية العظيمة بمقدورها أن تولد كل يوم، وبقدورها أن تكبر ولا تشيخ، وأن تثمر مشاريع أخرى أكثر تفريخاً وتوليداً للأحلام والطموحات. لمثل هذه المشاريع الإنسانية النبيلة رونق دائم يتجدد يومياً في قلوب وعقول وضمائر كل الأجيال المتعاقبة.
لا ننكر نحن اليمنيون أن لدينا مشاريع كثيرة ما تزال تضيء في عتمة أيامنا الحالكة الآن. ورغم العتمة الآنية الحاصلة في واقعنا اليمني فإن ثورة 26 سبتمبر المجيدة، وهي أهم مشاريعنا التي نعتد بها رغم أخطاء كثيرة تلت مراحل اندلاعها في مثل هذا اليوم قبل 52 عاماً، فهي ما يزال في أعماق كل منا فرحة بمولود يمني لم يشيخ بعد، ولم يتهالك رغم كل الظروف والمحبطات، رغم كل التعاسة والتآمر، فأنه ما يزال يكبر معنا، ويكبر في أعماقنا، ويكبر في قلوب المحبين، ويتمدد في حدقات أعين كل الخيرين في هذه البلاد السعيدة.
وليس هناك من شك في القول الصريح بأن "أيلول" يكاد يكون الوحيد الذي يكبر معنا يكبر ولا يشيخ. يكبر في قلوب وضمائر الأجيال. ويكبر ويصعب أمام الطامحين بعودة الإمامة. وأمام المتربصين بخيرات توالت بصعوبة في مراحل ما بعد سبتمبر المجيد.