إذا تابع الرئيس المؤقت عبدربه منصور هادي وقادة الأحزاب التلهي بمخرجات الحوار الوطني والتغني بالإجماع الوطني عليها فإن اليمن سيغرق لا محالة في خليج عدن أسوة بشقيقه الصومالي.
***
في الغالب تفشل مؤتمرات الحوار في جولاتها الأولى. وإذا استطاع مؤتمر للحوار الوطني في أي بلد إنجاز 30% من الأهداف المنشودة منه يكون قد أنجز الكثير.
في ما يخص مؤتمر موفنبيك فالثابت أن أعضاء هذا المؤتمر قرروا سلفا فشله عندما انخرطوا في جلساته قبل تهيئة أسباب نجاحه. بل إن هذا المؤتمر كان خلال العام 2013 الشماعة يعلق عليها هادي وحكومته خطاياهم في إدارة الدولة وتأمين وظائفها.
***
بالقياس إلى حال اليمن قبل عامين، تدهورت الاوضاع بشكل متسارع وخطير حتى أن مشكلة صعدة صارت مشكلة العاصمة ذاتها بعد أن انغمس "الحالمون" في تصورات مثالية لحلها داخل قاعات موفنبيك بالتزامن مع احتشاد المحتربين في دماج وعمران والجوف وصولا إلى مشارف صنعاء.
وبشان القصية الجنوبية تعامى رئيس الأمر الواقع ومستشاروه الأفذاذ عن كل التحذيرات من خطورة النهج الالتفافي على متطلبات حل هذه القضية، التي تستدعي قرارات فورية تحقق الانصاف وتعيد قدرا من الثقة الشعبية لأهل القرار في صنعاء. لكن الرئيس المؤقت (أو من يمكن اعتباره "أوديب اليمني") هرول في الاتجاه المعاكس عندما اختار أن يقارب القضية الجنوبية بروحية لاعب منافس للحراك وليس بروحية رجل الدولة المسؤول. صار هادي وقودا جديدا للفرقة (بضم الفاء وليس بكسرها!) في الجنوب، حتى أنه بات زعيما لـ"حراك 2013" الذي انتحل صفة الحراك الجنوبي ووقع على الوثائق الحوارية بكل استرخاء.
***
ما كان لمؤتمر الحوار الوطني لعام 2013 أن ينجح أبدا. أية ذلك أن المتحاورين أنفسهم هم من يقتتلون خارج موفنبيك منذ الجلسة الافتتاحية وحتى الآن.
ليت ذلك فحسب. الشاهد أن مؤتمر الحوار الوطني بمخرجاته الخرقاء التي يتغنون بها ليل نهار، وفّر - وسيوفر- مصادر إضافية للحروب في اليمن.
لا يمكن قراءة التطورات في عمران وهمدان والجوف خارج سياق الوثيقة النهائية للحوار التي تحفّز في الشمال والجنوب أسبابا للفتنة والتعريفات الحصرية التي لا نهاية لها.
اطلقت مخرجات الحوار سباقا بدائيا بين اليمنيين في كل بقعة. استطاعت نخبة "الخراب الوطني" تعميم النزعات المناطقية والطائفية التي تنطوي عليها، إلى كل أرجاء اليمن، من سقطرى إلى ميدي.
***
الفدرالية لا محل لها في اليمن لأنها حل هروبي احتيالي واعتسافي لقضايا اليمنيين وهمومهم. لكن التبشيريين لا يريدون الإقرار بالحقائق على الأرض، وسيفضلون بدلا من ذلك سياسة "الإنكار" إلى أن يسقط اليمن على رأسه!
***
اليمن يتمزق، والدولة تتداعى في المركز والأطراف، والسلطة بلا شرعية من أي نوع إلا شرعية الوصاية الدولية.
***
كل من يتغنى بالحوار الوطني الناجح، ويبشر بالفدرالية كحل للقضية الجنوبية أو للأزمة الوطنية، ويتغنى بقرار مجلس الأمن الدولي، هو في الواقع يسهم في تعميق "الحفرة" التي سقط فيها اليمن قبل عام ونصف عندما رفض "أوديب اليمني" التهيئة للحوار، وبارك رفضه "الحرس القديم" والمبعوث الدولي وسفراء الدول العشر.
ها إن اليمنيين - كما حذرتُ وحذر كثيرون غيري فبل عام ونصف- بدون تهيئة يتحاورون بالبنادق على خطوط الطول والعرض الطائفية والمناطقية بعد أسابيع من التصويت وقوفا - إذعانا لأوامر الرئيس المؤقت- على وثيقة الحوار الوطني وورقة ضمانات تنفيذها.