مؤسف جدا أن تحاول بعض القوى السياسية المتصارعة استمالة واستدراج المؤسسة العسكرية وكسب تأييدها للتدخل فيما يدور بينها من صدام سياسي لا نهاية له، أو أن تُرمى بالأوصاف المقذعة من قبل آخرين وهي تؤدي واجباتها الدينية والوطنية والقومية على هذا التراب، لكنها لن تقف مكتوفة الأيدي متى ما بلغ حال الصراع السياسي بين تلك القوى مرحلة المواجهة المسلحة، إذ سيكون لزاما عليها، وبأمر قيادتها العليا، الضرب دون هوادة على يد كل من يعبث بأمن البلاد واستقراره، أو من يحاول منازعتها أو استلابها هذه الوظيفة الأصيلة التي أنشئت لأجلها.
مدعى هذا الأسف، أنه بلغت الجرأة لدى بعض الساسة، والصحافيين، والكتاب، وكذا الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، الترويج بأن أبناءهذه المؤسسة- قياداتٍ أو أفرادا- يقفون مع طرف سياسي ضد آخر، وهذا -دون ريب-محض افتراء وعمل خبيث مدروس، لا يقف عند هدف الاستمالة والاستدراج فحسب، بل إنه يرمي إلى تزييف وعي الجماهير اليمنية وإيهامها بأن قواتهم المسلحة قوة مسيسة، أو قوة مذهبية، أو طائفية، أو جهوية، أو عنصرية، تنحاز إلى أي من القوى السياسية المتصارعة على أي هوية ضيقة، بما يفقد تلك الجماهير الثقة بحيادية هذا الجيش، وبحقيقة تماسكه، بل والنيل من هويته الوطنية.
ما يراه اليمنيون في وجوه رجال هذه المؤسسة الوطنية، أنهم الحصن المنيع لليمن ولكل اليمنيين، وأنهم أصدقاء مخلصون لكل مواطن غيور على بلاده، ولكل من يجل هذا الوطن ويناضل من أجله، وأنهم صمام أمان هذه البلاد وحراس أوفياء لترابها ولوحدتها، وحماة لنظامها الجمهوري.. كما أن كل اليمنيين يرون في هذه المؤسسة، أنها لن تداهن من يشهر السلاح في وجهها أو من يهدم ما تبنيه أو تذود عنه، مهما كان توجهه السياسي ومهما كانت عباءته الدينية أو السلالية، كما أنها لن تعبأ بمن يسوّق الأراجيف المضللة التي تنال من رجالها الشرفاء.
يخطئ أولئك المرجفون، وهم يمنّون أنفسهم من خلال تصرفات نفر قليل ممن لا يحترمون شرف الجندية، إذ يعمّمون مثل تلك التصرفات على كل أبناء القوات المسلحة، الذين عهدناهم عند عهودهم، بأنهم لن يكونوا أداة قسر بيد أي طرف، أو أن يكونوا فرس رهان في حساب أي مغامر أو مكابر؛ فلقد تعلموا الكثير من دروس وعبر السنوات الماضية، وما آلت إليه بعض الجيوش العربية من التمزق والشتات المذهبي والجهوي والفكري، التي كانت مضرب مثل في القوة والانضباط والربط العسكري.
كما أن الجيش اليمني يعلم أعداءه جيدا، ويعلم من يخطط للإيقاع به، ويعلم مدى حساسية ودقة المرحلة التي يمر بها بلاده، والمآلات الخطرة التي قد يؤخذ إليها اليمن في حالة تفرق ولاء هذا الجيش أو تشتت هويته، لكن مهما يقال ومهما يكال من مزايدات؛ فإن أبناء القوات المسلحة يعرفون أنفسهم معرفة الواثق بنفسه، ولذلك فلن يضيرهم ما يقوله فيهم ذووا الأفواه المسمومة والألسن الحداد.
يا رجال الجيش اليمني العظيم.. كونوا كما عهدناكم، حصنا منيعا لليمن وأبنائه؛ فنحن نكنّ لكم الحب والوفاء والتقدير.. أنتم أبناؤنا، وأصدقاؤنا، وأنتم رأس مال وطننا الذي يراد له الضياع.. فلا تدَعوا المتسللين من مرضى الضمائر والنفوس يخترقون صفوفكم أو يشقون عصاكم، ولا تدَعوا الولاءات الضيقة تنال من ولائكم الأول، لله، ثم لليمن، وللوحدة، وللنظام الجمهوري، ولا تدعوا الشائعات تغتال تماسككم، وثقوا بأنكم ما دمتم مع هذا الشعب؛ فإنه معكم ولن يخذلكم ما دمتم على العهد.