احكام الاعدام التي اصدرتها محكمة جنايات المنيا في حق 528 متهما من انصار الرئيس محمد مرسي جاءت بمثابة رصاصة رحمة للثورة المصرية، وكل الآمال المعقودة عليها بالحريات والعدالة والقضاء العادل المستقل.
واذا اخذنا هذه الاحكام كمعيار لاحكام قادمة، فان هناك اكثر من 16 الف معتقل في السجون المصرية بينهم الرئيس مرسي نفسه وقادة الصفين الاول والثاني في حركة الاخوان المسلمين، وهؤلاء فرادى كانوا أو مجتمعين قد يواجهون الحكم نفسه.
فاصدار القاضي هذه الاحكام الجائرة في غضون يومين من بدء المحاكمة وبطريقة تتواضع امامها المحاكم العسكرية، ويحيل الاوراق إلى المفتي للتصديق عليه، فان هذا يعني ان هناك نوايا جدية لتنفيذ حكم الاعدام شنقا بهؤلاء أو معظمهم.
عندما حاول الرئيس مرسي التدخل في القضاء المصري، وتغيير قضاة المحكمة الدستورية وتعديل نظامها الاساسي كنا اول من تصدى له، معترضين انطلاق من ثقتنا بالحد الادنى من مصداقية هذا القضاء، ويبدو اننا اخطأنا، مثل الكثيرين غيرنا، وكانت هذه الثقة في غير محلها للأسف، خاصة بعد ان قبل رئيس المحكمة الدستورية العليا السيد عدلي منصور ان يكون رئيسا انتقاليا، بعد عزل رئيس منتخب من الشعب في انتخابات حرة نزيهة، فلم يخطر في بالنا مطلقا ان يقبل رأس هرم السلطة التشريعية ان يكون شاهد زور وواجهة لحكم عسكري، بعد ثورة عظيمة انطلقت من اجل التغيير الديمقراطي وحكم المؤسسات والانحياز للمظلومين.
***
نحن لا نتحدث هنا عن الاحكام الجائرة هذه فقط فربما تلغيها محكمة النقض وهذا احتمال نظري، وترد القضية للنظر فيها مجددا، ولكننا نتحدث عن مستقبل مصر، والصورة التي ستكون عليها مؤسساتها واي انتخابات رئاسية أو برلمانية بعد انتهاء المرحلة الانتقالية، فيبدو ان خريطة الطريق التي يتم الحديث عنها بكثرة هذه الايام ستقود إلى اعادة الحكم الديكتاتوري بوجود اخرى، هذا ان لم يكن قد عاد فعلا.
مثل هذه الممارسات المخجلة، وما تعكسه من نوايا مبيته بالانتقام، تشكل استفزازا لشريحة عريضة من الشعب المصري، وتدفعها دفعا للاحتكام إلى السلاح للرد على المظالم التي تتعرض لها، وهو امر لا نتمناه لمصر وشعبها الذي عرف دائما بطبيعته المسالمة، ومعارضته لاشكال العنف كافة، سواء جاءت من قبل الدولة أو المعارضة.
ففي الوقت الذي توجه فيه اتهامات لاكثر من 700 شخص سيمثلون غدا الثلاثاء امام المحكمة بتهمة القتل، والشروع في القتل واستخدام القوة والعنف ضد موظفين عموميين، وتخريب منشآت الدولة، وحيازة اسلحة بدون ترخيص، واعمال عنف ادت إلى مقتل شرطيين اثنين في محافظة المنيا، وهي التهم نفسها التي صدرت احكام بصددها باعدام 528 شخصا اليوم، في هذا الوقت يتمتع المتورطون في مقتل اكثر من الف انسان اعزل في ميدان رابعة العدوية، وامام بوابة الحرس الجمهوري بحرية كاملة، وربما بامتيازات مادية ومعيشية فارهة مكافأة لهم على مجازرهم هذه الموثقة بالصوت والصورة.
***
مصر مقبلة على عهد المشانق لا عهد الاستقرار والحريات التي سقط المئات من الشباب وضحوا بارواحهم من اجل الوصول اليها وتكريسه واغلاق صفحة الديكتاتورية والفساد إلى الابد.
انه قضاء فاسد، واحكامه مهزلة، ومعظم قضاته بلا ضمير، ولا يعرفون معنى العدالة، وهؤلاء يسيئون لمصر، ويعملون على تكريس الظلم فيها، وجرها إلى الصدامات الدموية التي قد تحصد ارواح الابرياء في المستقبل، لاشفاء غليل بعض من تسيطر عليه نزعات الحقد والضغائن.
اكرهوا “الاخوان المسلمين” مثلما شئتم، ولكن لا تكرهوا مصر، ولا تدمروا صورتها ومؤسساتها وثورتها، وتفتحوا ابوابها للفتن واصحابها الذين لا يريدون الخير لها وشعبها الطيب المسحوق.
مصر تحتاج فعلا إلى رجل قوي شجاع يقودها إلى بر الامان ويضع حدا لكل هذه المهازل، وينهي حالة الانقسام الراهنة ويحقق المصالحة الوطنية، رجل يترفع على الاحقاد والثأرات والنزعات الانتقامية، يعتمد الحوار وسيلة لحل المشاكل والازمات ويلغي سياسات العزل والاقصاء والاجتثاث لشريحة عريضة من الشعب، ومن المحزن، والمؤلم، ان هذا الرجل غير موجود في الوقت الراهن، ولهذا لا نستطيع ان ننظر إلى مستقبل مصر بعين متفائلة للاسف الشديد.