أرشيف الرأي

لم نعد زيوداً ولا شوافع

في اليمن لم نعد زيوداً ولا شوافع، غلب علينا التدخل الخارجي حتى في المذهب والمعتقد، فالكثير من أتباع المذهب الشافعي السني المعروف بالوسطية والاعتدال والفهم الصحيح للإسلام، أصبحوا سلفيين يغلب عليهم الفقه النجدي الغليظ، الذي يعتبر معظم طقوسنا وأذكارنا بدعة يجب محاربتها، فلم نعد نسمح تلك الأدعية التي كانت تردد في شهر رمضان، كالذكر الذي كنا نردده بعد كل فريضة الذي منه ( أشهد أن لا إله إلا الله, أستغفر الله نسألك الجنة ونعوذ بك من النار، يا تواب تب علينا وارحمنا وانظر إلينا يا تواب، يا تواب تب علينا واغفر لنا ولوالدينا يا تواب، اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنى يا كريم، جزى الله سيدنا محمداً عني خيراً) ومن الأدعية (اللهم يا فارق الفرقان, يا منزل القرآن بالحكمة والبيان, بارك لنا اللهم بشهرنا هذا شهر رمضان، وأعده علينا سنيناً بعد سنين وأعواما بعد أعوام بعافية وستر وأمان لما تحبه وترضاه ياذي الجلال والإكرام) وكثير من الأدعية التي كانت تجعل الواحد منا يعيش مع ملكوت الله وترتفع روحانيته، ويكاد يشعر أنه يلامس الملائكة، كل هذه الأدعية التي تنمي الإيمان وتعلم الجاهل كيف يدعو، أصبحت بنظر البعض بدعاً وأصبحنا لا نسمعها في معظم المساجد.

وفي المقابل أصبح الكثير ممن يدعون أنهم على الذهب الزيدي، هذا المذهب الذي عرف عنه أيضاً الوسطية وحبه لآل البيت ولكل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله مثل المذهب الشافعي ونبغ منه أعلام على مستوى الأمة الإسلامية تفتخر بهم اليمن كالإمام الشوكاني والأمير الصنعاني رحمة الله عليهما، وسمي بالمذهب الزيدي نسبة للإمام زيد رحمة الله عليه، الذي أتى إليه مجموعة من الغلاة وطلبوا منه أن يتبرأ من الشيخين الجليلين أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، فرد عليهم لن أتبرأ من وزيري جدي، فقالوا له إذن نرفضك! فرد عليهم بحزم: إذهبوا فأنتم الرافضة، ومن ذلك الوقت أطلق اسم الرافضة على غلاة الشيعة، اليوم بعض من يدعون أنهم أتباع لهذا المذهب، أصبحوا لا يمتون له بصلة، وأصبح انتماؤهم لقم بإيران وللمذهب الأثنى عشري، وأصبحوا يستخدمون اسم المذهب الزيدي للتقية، والمذهب منهم براء.

ونحن في القرن الواحد والعشرين الذي اصبح فيه احد عبيد الماضي يحكم اكبر دولة في العالم في مجتمع إلى فترة قريبة كانت العنصرية طاغية عليه, ونحن يراد لنا ان نعود لتقبيل الأيدي والركب وتصنيف المجتمع إلى فئات ودرجات متفاوتة بحسب العرق والنسب واعتبار ذلك من صلب الدين والعقيدة، وديننا وعقيدتنا مفترى عليها بهذه الادعاءات التي ما أنزل الله بها من سلطان ، وأصبح الخسران الأول هم أبناء هذا الشعب اليمني الذي تعايش مع بعضه مئات السنين، ولم يشعر بأي فرقة في مجتمعه، يصلون خلف بعضهم، يتزاوجون من بعضهم البعض، تجمعهم جسور من الألفة والمودة، فأصبحت مصيبتنا ممتدة من الخارج إلى أوساط مجتمعنا، ننفذ ما يراد بنا من خصومنا وكل طرف بما لديه فرح.

أصبح البعض يستبيح دم الآخر وعرضه وماله, مدعيا أنه بذلك يخدم الإسلام وأنه سينال الفردوس الأعلى بجرائهمه التي لا يجوز ارتكابها حتى مع الكفار فضلا عن المسلمين، وقد قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع ( إن دماءكم وأعراضكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، إلا هل بلغت.. اللهم فاشهد)، فإلى متى سنظل مرتهنين للخارج حتى في عقيدتنا.

اللهم احفظنا واحفظ بلادنا من الفتن والزلازل والمحن ما ظهر منها وما بطن.

زر الذهاب إلى الأعلى