[esi views ttl="1"]
من الأرشيف

وانقشعت السحابة السوداء عن سماء الخليج

(1)
بقي المواطن الخليجي مشدوداً أمام شاشات التلفزة الخليجية والدولية، ليرى ما سينتج عن اجتماع المجلس الوزاري لدول الخليج العربي في جدة. نتابع التلفزة العالمية، لعلنا نسمع خبراً يطمئن المواطن الخليجي بأنه لم يعد مطارداً من بعض أنظمة الحكم، شكاً في أمره أو ريبة في نياته، ولم تعد بعض حكومات دول مجلس التعاون محل استعداء وشيطنة من البعض الآخر. حقاً نتابع وكالات الإعلام الأجنبية، لأن بعض نخبنا السياسية مغرمة بالتصريح لوسائل الإعلام تلك، بدلاً من إعلام العرب، وهكذا قضى معظم المهتمين منا بأمن الخليج واستقراره، وحبس أنفاسه، طوال يوم السبت الماضي، لعله يسمع خبراً يطمئنه بأن حكامنا حكّموا العقل، ورشدوا قراراتهم.

(2)

انعقد المجلس الوزاري في جدة، في ظروف عربية غاية في السوء، وكان جدول أعماله مزدحماً بالبنود الشائكة، وتوصلت الأطراف الخليجية إلى تفاهماتٍ في شأن العلاقات الخليجية الخليجية، وأزالت كل عوائق سوء الفهم بين الدول الأعضاء.

في نهاية الاجتماعات، داهمتنا تصريحات لوزراء خارجية بعض دول مجلس التعاون، وجعلت الكل في حيرة من أمره فيما سمع، وزير خارجية عُمان، يوسف بن علوي، كان صريحاً، وقال من دون مواربة، إن الخلافات الخليجية الخليجية حلّت، وسيعود السفراء الذين سحبوا من الدوحة، في مارس/آذار الماضي، إلى مقار أعمالهم قريباً. وأضفى حديث وزير الخارجية الكويتي، رئيس الدورة الحالية للمجلس الوزاري، الشيخ خالد الحمد الصباح، في تصريحه الصحافي ضبابية على حل تلك الخلافات، وهكذا عشنا بين سماء بن علوي الصافية الصريحة وسماء الوزير الكويتي، الملبدة بضباب رطوبة مدينة جدة، والتي لا تمنع الرؤية، لكنها تربك البحار في بحر سياسة أهل الخليج.

وجاء وزير الخارجية السعودي، الأمير سعود الفيصل، بالخبر اليقين عندما رد على سؤال أحد الصحافيين عن حل الخلافات بين دولة قطر من جهة والمملكة العربية السعودية ومملكة البحرين ودولة الإمارات، بسؤال إخباري: "وهل تعتقد أني أتحرك بدون نتيجة إيجابية؟"، ومن هنا، نقول انقشعت السحب حالكة السواد عن سماء دول مجلس التعاون، وما برحت هناك سحب ضبابية في طريقها إلى الأفول.

يعود الفضل الأول لحل هذه الخلافات البينية إلى إرادة العاهل السعودي، الملك عبد الله بن عبد العزيز، الذي كلف وفداً من أمراء في القيادة السعودية العليا بأن يقوموا بجولة خليجية، وإيجاد حل لا لبس فيه للخلاف الذي كاد يعصف بأمن المنطقة واستقرارها، والفضل ثانياً يعود إلى أمير دولة قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، الذي تعاون مع الملك عبد الله، في تليين حبل الخلافات، من دون المساس بسيادة أي من الدول الأعضاء.

نحتاج، اليوم، في دول مجلس التعاون إلى فتح صفحة جديدة في العلاقات الخليجية الخليجية، ويأتي، في المقدمة، أن يفهم الجميع مبدأ السيادة، والتي يجب أن تكون حقاً معلوماً لا يمس، وعند اعتماد مبادئ الاتحاد الخليجي التي دعا إليها الملك عبد الله. عندها، لا بد من صياغة مفهوم السيادة بما يناسب جميع الدول الأطراف. فالمواطن الخليجي يحتاج من حكومات الدول الأعضاء ألا ينعكس خلافهم على أمنه وسلامته وحريته ومصالحه مواطناً خليجياً، لأنه، في حالة المساس بحقوق هذا المواطن، يضطرب الأمن، وندخل في دوامةٍ أمنيةٍ لا تنتهي.

(3)

دعا الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى تحالف إقليمي لمواجهة الإرهاب الجامح في المنطقة، وراح يحذر الدول الغربية من شرور هذا الإرهاب، عندما يستشري في المنطقة، والذي علينا التصدي له بكل الوسائل. هنا، أقول لكي يتحقق هذا التحالف الإقليمي، لا بد من الأخذ في الاعتبار الدور التركي، والذي لا يمكن تجاهله، وتركيا ومصر والسعودية، تشكل معاً ثقلاً استراتيجياً يصعب هزيمته. وللملك عبد الله دالة على القيادات السياسية في كل من تركيا ومصر والأردن واليمن، وكذلك دول مجلس التعاون، ويعينه على تنفيذ إرادته السامية في تشكيل ذلك التحالف الإقليمي (الأمراء سعود الفيصل، وزير الخارجية، وخالد بن بندر، رئيس جهاز الاستخبارات، ومحمد بن نايف وزير الداخلية)، ومن هنا نبدأ مسرعين لتشكيل ذلك التحالف ضد الإرهاب.

وتقتضي منا مواجهة الإرهاب والقضاء عليه، أولاً، القضاء على أسباب ومسببات الإرهاب الذي اجتاح بلاد الشام والعراق. ويعود السبب الجوهري في ذلك إلى نظامي الاستبداد في كل من دمشق وبغداد. الطائفية أنشبت أظفارها في القطرين الشقيقين، مثخنة جراحهما، والإرهاب فيهما نشأ تحت ذريعة استعادة حقوق شعب بكامله وحريته وكرامته، فهل نذهب لاجتثاث الإرهاب، بالقضاء على أسباب نشأته وتكوينه؟ ذلك هو المطلوب.

(4)

دعا الرئيس الأميركي، باراك أوباما، إلى تشكيل تحالف دولي لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، وسيبعث وزيري خارجيته ودفاعه إلى حلفائه الأوروبيين، للتشاور معهم بشأن الموضوع المشار إليه، والانتقال إلى الشرق العربي، ليكملا جهودهما في تشكيل الحلف.

وتقول وزارة الدفاع الأميركية إن طلعاتها الجوية لتمكين قوات البشمركة الكردية، وميليشيات التحالف الشيعي في بغداد، تهدف إلى مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية، وتكلف الخزينة الأميركية 7.5 مليون دولار في اليوم. ونستنتج من ذكر هذه التكلفة أن الولايات المتحدة الأميركية لا تستطيع، ولا يتوفر لها، أن تتحمل تلك التكاليف بمفردها، وإن أكثر الدول تضرراً من الدولة الإسلامية وتمددها هي دول المنطقة، ومن هنا، عليها أن تتحمل التكاليف دفاعاً عن سلامة هذه الدول العربية التي انفجر فيها تنظيم الدولة وتضخّم.

(5)

أذكّر حكامنا الميامين في دول مجلس التعاون الخليجي، بأن أميركا سبق أن مارست معهم الممارسة نفسها، بمعنى أنها استخدمتنا ممولين في كل حروبها، دفاعاً عن مصالحها، بدءاً من أفغانستان إلى العراق، وأخيراً مكّنت إيران في العراق على حسابنا، وقال الأمير سعود الفيصل الكثير في نقد السياسة الخارجية الأميركية تجاه إيران وما تفعل في العراق، تحت سمع الإدارة الأميركية وبصرها. واليوم، يأتي وزيرا الخارجية والدفاع الأميركيان إلى المنطقة، لتشكيل التحالف الدولي ضد الدولة الإسلامية والحركات الإسلامية السنية الأخرى. ولا أرى مانعاً لتشكيل ذلك التحالف الدولي، وبأن نكون جزءاً منه، لكن يجب ألا نكون ممولين فقط، كما حدث في الحرب على العراق وأفغانستان. يجب أن يكون لنا دورنا في رسم سياسة ذلك التحالف، وتوجيه بوصلته، ومن المهم جداً أن نجني ثماره.

آخر القول: أدعوكم قادتنا ألا تسمحوا للقوى الأجنبية باستخدامنا لنكسر بعضنا بعضاً، كما يحصل اليوم، وكما حصل في العراق سابقاً، فهل أنتم مدركون؟

زر الذهاب إلى الأعلى