الاقتصاد اليمني يواجه شبح الانهيار الكلي
كل شيء يتدهور في اليمن.. الاقتصاد والعملة الوطنية، وحتى كيان البلد نفسه. هذا ما يؤكده اليمنيون، ويرون أن السبب فيما حلّ بهم هو الانقلاب على الشرعية الذي قاده الحوثيون وحليفهم الرئيس السابق علي عبد الله صالح، والاستيلاء على السلطة بالقوة، الأمر الذي أدخل البلد في دوامة حرب كارثية.
فالأسبوع الجاري تعرض الريال اليمني لأكبر انخفاض في قيمته أمام الدولار الأميركي، حيث تجاوز سعر الدولار الواحد 300 ريال، ويخشى اقتصاديون تراجع القوة الشرائية للعملة المحلية وتفاقم معاناة المواطنين المعيشية، وانهيارا كاملا للاقتصاد، في بلد يشهد حربا شاملة ومتواصلة منذ أكثر من عام، نهبت فيه معظم مقدرات الدولة، وتوقفت خلاله كافة الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية.
وتحدثت مصادر مصرفية عن طباعة البنك المركزي اليمني نحو 50 مليارا من العملة اليمنية من الأوراق النقدية فئة ألف ريال دون غطاء من النقد الأجنبي أو الذهب، لتغطية رواتب موظفي الدولة، وهو ما ساهم في انخفاض قيمة الريال مقابل الدولار.
وكان وزير المالية اليمني منصر القعيطي تحدث الأسبوع الماضي في تقرير لمجلس الوزراء عن ضلوع البنك المركزي في صنعاء -الخاضع لسيطرة مليشيا الحوثيين- في ممارسات "انقلابية" خارج التفاهمات المعقودة بين السلطة الشرعية، ومن يمسكون بخناق مؤسسات الدولة في صنعاء، وبالتنسيق مع أطراف إقليمية ودولية -أبرزها الولايات المتحدة- أصرت على بقاء البنك المركزي في العاصمة وعدم نقل صلاحياته إلى أي مدينة أخرى.
وكشف القعيطي في تقريره أن البنك المركزي بات خاضعا لأوامر وتوجيهات الحوثيين، وذكر أنه ما زال حتى اليوم يصرف مبلغ 25 مليار ريال (نحو 100 مليون دولار) شهريا إلى مليشيا الحوثيين تحت بند ما يسمونه "المجهود الحربي"، في حين أوقف صرف رواتب كل الموظفين ممن يخالفونهم الرأي في الجهاز المدني والعسكري للدولة.
تدهور سريع
ويؤكد مواطنون ومحللون، أن الريال اليمني ظل صامدا خلال حكومة الوفاق الوطني التي قادها محمد سالم باسندوة عقب نجاح ثورة التغيير عام 2011 في الإطاحة بصالح من الحكم، بعد 33 عاما قضاها على كرسي الرئاسة.
لكن الأوضاع المعيشية والاقتصادية تفاقمت بشكل غير مسبوق عقب الانقلاب على حكومة الوفاق، ومحاولة الإطاحة بالرئيس الانتقالي عبد ربه منصور هادي، والسعي لاغتياله بقصف قصر المعاشيق الرئاسي في عدن.
ويرى الصحفي المختص بالشؤون الاقتصادية صادق الشويع أن هناك سلسلة إجراءات أدت إلى تدهور سعر الريال، أبرزها حالة الخوف والهلع التي تعم البلاد جراء الحرب التي أشعلها الحوثيون وصالح، والتي تسببت في مغادرة رؤوس الأموال إلى الخارج، وتوقف تدفق العملات الصعبة إلى البلاد.
وأضاف الشويع أن إفراغ الحوثيين للخزينة العامة ونهب أموال الدولة، أدى إلى تناقص الاحتياطي الاقتصادي من 4.8 مليارات دولار إلى نحو مليار واحد فقط.
واعتبر أن "إنهاء الانقلاب الحوثي وعودة السلطة الشرعية واستعادة مؤسسات الدولة ونزع السلاح الثقيل والمتوسط، وفقا لما نص عليه قرار مجلس الأمن رقم 2216، هي الخطوة الناجعة لإعادة الأمور إلى نصابها، حيث ستعمل على إيقاف هلع المستثمرين وتساعد في عودة رؤوس الأموال وبدء تدفق العملة الصعبة واستعادة العملة اليمنية عافيتها".
شبح الانهيار
من جانبه، رأى مدير مركز الإعلام الاقتصادي للدراسات مصطفى نصر أن الاقتصاد اليمني دخل مرحلة الانهيار الجزئي عندما توقفت معظم الموارد الاقتصادية عقب الحرب والانقلاب الحوثي، والآن يواجه شبح الانهيار الكلي نظرا للصعوبات في صرف رواتب الموظفين وتدهور الريال اليمني وتفاقم معيشة المواطنين.
وبدوره، اعتبر الخبير الاقتصادي محمد الجماعي أن هناك عدة عوامل خطيرة تهدد البلد بأكمله وليس الريال اليمني فقط، أولها نفاذ الاحتياطي النقدي بالبنك المركزي، وثانيها ارتفاع نسبة العجز، ثم ارتفاع مديونية الحكومة.
وأضاف الجماعي، أن الدين الداخلي على وجه الخصوص سيمثل عقبة لا يمكن تجاوزها في القريب العاجل، وستكون عواقبها وخيمة على رأس المال المحلي المعتمد على السندات والأذون والصكوك، بما في ذلك الصناديق الائتمانية والبنوك التجارية وشركات الصرافة وغيرها.
واعتبر أن عدم الاستقرار السياسي والأمني، وعدم وجود انفراج في الأفق بسبب سيطرة مليشيا الحوثي على مؤسسات الدولة، وغياب الثقة لدى جهات الاعتماد الخارجي لواردات المستثمرين المحليين الذين ما زالوا داخل البلد، كل ذلك سيدفع باتجاه هروب رأس المال المحلي واستمرار تدهور الاقتصاد.