مرضى السرطان يواجهون الموت في اليمن
عجز الوالد عن توفير الدواء لصغيرته البالغة من العمر أربعة أعوام، كذلك عجز عن حملها إلى صنعاء لتخضع لجلسات علاجية، فتوفيت بعد انتكاسة. هي سميرة غالب، وكانت مصابة بمرض السرطان.
يخبر الوالد أنّ "طفلتي وصلت إلى مراحل متقدّمة من المرض، بعدما كان الأطباء قد طمأنونا سابقاً بأنّ احتمالات تجاوزها المرض مرتفعة. فانعدام الدواء وعدم خضوعها إلى جلسات العلاج، أدّيا إلى تدهور صحتها ومن ثم إلى وفاتها".
ومعاناة مرضى السرطان في اليمن تزداد خطورة مذ أبلغ المركز الوطني لعلاج السرطان في صنعاء مرضاه بعدم توفّر أصناف كثيرة من الأدوية الأساسيّة وأخرى تساعد على بقاء المرضى على قيد الحياة، في بداية شهر مايو/أيار الماضي.
وتتفاقم معاناة عشرات آلاف المصابين بالسرطان مع استمرار تدهور الأوضاع الاقتصادية في البلاد من جرّاء عدم شراء شركات الأدوية هذه العقاقير، على خلفية تقلبات الأسعار الحادة، وكذلك مشاكل تتعلق بصعوبة التوريد، بالإضافة إلى تباطؤ سلطات الأمر الواقع في توفير هذه الأدوية الهامة. فيلجأ مرضى السرطان إلى توفير الأدوية الأقل جودة وبأسعار باهظة، أو تناول عقاقير منتهية الصلاحية قد تؤدّي إلى الوفاة.
يضيف والد سميرة، أنّه "كثيراً ما كنت أعجز عن توفير الأدوية الخاصة بها، وأعتمد على ما تقدمه وزارة الصحة أو بعض فاعلي الخير"، لافتاً من جهة أخرى إلى أنّ "انعدام الوقود من الأسباب التي حالت دون انتقاله من منطقته في محافظة الحديدة (غربا) إلى العاصمة صنعاء حتى تستكمل علاجها". ويحمّل مسؤولية وفاة طفلته "للحكومة التي لا توفّر احتياجات المرضى".
في هذا السياق، يؤكد رئيس رابطة مرضى السرطان في اليمن، حميد اليادعي، أنّ "الخدمات الصحية التي تساعد مرضى السرطان أغلبها غير متوفّر مثل الأدوية والمحاليل وجلسات العلاج الكيميائي والنووي وغيرها". يضيف أنّ "المشكلة الأكبر هي عدم توفّر الدواء في المراكز الحكومية".
ويضطر اليادعي وكثيرون غيره من مرضى السرطان، إلى تناول الأدوية المقلدة على الرغم من ضررها، فهي متوفّرة في الأسواق وبأسعار مرتفعة جداً تصل إلى نحو 300 دولار أميركي في الشهر الواحد. ويتحدّث عن "حالات وفاة نتيجة تناول أدوية منتهية الصلاحية استخدمت لأكثر من ثلاثة أشهر بسبب عدم توفّر الأدوية الصالحة في السوق". يضيف، أنّه "كثيراً ما عجز شخصياً عن توفير ثمن الدواء الذي كان من المفترض أن تقدّمه لنا الدولة، فنمدّ أيدينا للغير".
كذلك، يلفت اليادعي إلى أنّ "أبرز الأعباء التي يواجهها مرضى السرطان هي متابعة الجهات الحكومية بأنفسهم لإقناعهم بإنجاز مناقصات شراء الأدوية وعدم تأخيرها". ويتابع أنّه "في حين يفترض على مريض السرطان أن يرتاح، فإنّنا في اليمن نحمل عبئاً إضافياً إلى جانب همّ المرض، وهو الضغط على الجهات المعنية".
ويوضح أنّ "الظروف الاقتصادية التي تعيشها البلاد تسبّبت في عدم قدرة الدولة على الإيفاء بالتزاماتها تجاه مرضى السرطان. فوزارة المالية لم تصرف في عام 2015 إلا نصف موازنة المركز الوطني لعلاج السرطان، علماً أنّ الموازنة كاملة تبلغ نحو مليارين وأربعمائة مليون ريال يمني (أكثر من تسعة ملايين و500 ألف دولار)".
وينبّه اليادعي إلى أنّ "أكثر من 800 مصاب بسرطان الدم معرّضون إلى الموت، بعدما أعلمهم القائمون على مركز علاج الأورام بعدم توفّر الدواء"، شارحاً أنّ "بقاء المصاب بهذا المرض لأكثر من ثلاثة أو أربعة أشهر من دون دواء يعني الموت المحتّم".
من جهته، يقول مدير الخدمات الطبية في المؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان، الدكتور رداد الحزمي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "أخطر ما يواجه مريض السرطان في اليمن هو عدم قدرته على توفير الأدوية، وهي أدوية نوعية، ثمنها في السوق باهظ ولا تستورد بكثرة في الظروف الطبيعية".
وينتقد "الإجراءات الروتينية لوزارة الصحة التي تؤخّر عملية توفير الدواء، بالتالي تؤدّي إلى الوفاة"، مشدداً على أنّ "في الظروف العادية خارج الحرب، تستمرّ عمليات المناقصات وفتح المظاريف الخاصة بشراء الأدوية من ثلاثة إلى أربعة أشهر، لكنّها اليوم تمتدّ لأشهر طويلة جداً، حتى ينتهي مخزون الأدوية المتوفّر، مع ما يرافق ذلك من خطر على المرضى".
ويطالب الحزمي الجهات الرسمية "بتجاوز الإجراءات الروتينية الطويلة لاستثنائية أوضاع مرضى السرطان". ويسأل: "هل من المنطق والعقل أن تضيّع الجهات الحكومية وقتاً طويلاً من أجل مناقصات وإجراءات روتينية تكون في نهاية المطاف سبباً في موت كثيرين لعدم توفر الدواء؟".
ويتوجّه إلى "منظمات المجتمع المدني وفاعلي الخير للوقوف وقفة إنسانية إلى جانب مرضى السرطان ودعمهم في توفير الأدوية والمستلزمات التي تساعدهم في البقاء على قيد الحياة".
تجدر الإشارة إلى أنّ عدد مرضى السرطان في اليمن يتجاوز 70 ألف شخص، 30 ألفاً منهم فقط ما زالوا يتلقون العلاج في المركز الوطني لعلاج الأورام وفروعه في المحافظات اليمنية.