[esi views ttl="1"]
آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

النهب والنهب الآخر في الجنوب!

هل حصول مواطن يمني على قطعة أرض أو أكثر من الدولة يعد نهبا لأراضي الجنوب أو في أي منطقة أخرى؟

هذا الخاطر جال في ذهني وأنا أقرأ كثيرا عما يسمى عمليات نهب لأراضي الجنوب وممتلكاته.. والحق أن مفهوم مصطلح نهب يمكن أن يكون صحيحا لو أن (الناهب) بسط ملكيته على (سنتيمتر واحد) بالقوة واغتصبها من ملكية مواطن آخر.. أما أن الدولة (الرئيس أو غيره) منحها إياه فهذا لا يسمى (نهبا).. ولكن يمكن أن يسمى فساداً يتحمل مسؤوليته الآمر بالتمليك! ولعله من المهم التذكير هنا أن عمليات تمليك الأراضي وممتلكات الدولة في الجنوب بدأت قبيل شهور من إعلان الوحدة، وكان أبرز ما تم تمليك المنتفعين بالمساكن المؤممة لمنازلهم (ومنهم بالطبع قادة النظام المالكين لمساكن فخمة) التي يسكنون فيها؛ رغم أنها ملك لمواطنين آخرين، أو ملك للدولة ورثتها من العهد الاستعماري، وتمت مصادرتها منهم بقانون التأميم الشهير عام 1972.

وكنت لاحظت أثناء قراءة قوائم نشرت في الصحف العام الماضي عن المنهوبات في (عدن) أن معظمها (إن لم يكن كلها) هي من ممتلكات الدولة وليست من ممتلكات المواطنين (بعض ممن كانوا يسمون بالزمرة فقدوا منازلهم بعد أحداث 1986 واستولى عليها الطغمة.. وبعد هزيمة الطغمة جاء الزمرة واستعادوا منازلهم.. فهل هذه تعد عمليات نهب؟ إن كانت نهبا؛ فماذا عما حدث عام 1986.. وما قبلها.. فالمعلوم أن معظم قيادات الدولة بعد 1967 سكنوا في منازل يفترض فيها أنها آلت للدولة بعد رحيل الإنجليز.. فبأي حق تملكوا ذلك وهي صارت في ملكية الشعب؟ إن كان يحق لهم ذلك فهم قد أعطوا للذين جاءوا بعدهم حق منح ممتلكات الدولة لمن شاءوا.

وعندما نشرت بعض القوائم عمن أسموا ناهبي الأراضي في عدن؛ وجدت من بينهم شخصا أعرفه وأعرف أنه أول مستثمر في عدن بعد الوحدة، وأعطيت له الأرض التي أقام عليها مشروعا سياحيا ما يزال موجودا حتى الآن، وعندما انتهت مدة الإيجار رفضت السلطة المحلية المؤتمرية آنذاك تجديد العقد له نكاية في كونه محسوباً على المعارضة، ولجأ المستثمر إلى القضاء لتجديد العقد له أو الحصول على تعويضات! المفاجأة أن هذا المستثمر من أبناء عدن وليس شمالياً أو من أبناء المحافظات الجنوبية الأخرى حتى يقال إنه جاء غازيا لنهب عدن!

مستثمر آخر ظهر اسم شركته في قائمة نشرت في عدة صحف من بينها الصحوة، ولأنه يعلم علاقتي بها فقد شكا لي بمرارة أن يحدث ذلك وفي الصحوة مؤكدا أن أرض المشروع تم شراؤها شراء وبالملايين وليست نهبا، فنصحته بإرسال تصحيح إلى الصحيفة!
•••

بداية نؤكد أننا نرفض أي ممارسة فساد في كل ما يتعلق بممتلكات المواطنين والدولة في عدن وغيرها، للأسف فقد تم استغلال الموضوع وتجييره لتقوية الدعوة إلى الانفصال؛ مع أن نهب ممتلكات المواطنين في الجنوب باسم التأميم والإصلاح الزراعي ممارسة مشهورة، وما يزال المتضررون يعانون منها حتى الآن.. وقد مات الآلاف من المواطنين قبل أن يستردوا أملاكهم، وما زالت في يد غيرهم حتى الآن!

ثانياً: اتسمت إثارة مشكلة الأراضي ببعد سياسي؛ فحسب الكشوفات التي نشرت (والله أعلم بصحتها) فمعظم الحالات المنشورة لم تكن عمليات نهب كما وصفت، بل كانت وفق وثائق رسمية.. وفي هذه الحالة فأقصى ما يمكن أن يقال فيها إنها عملية غير سليمة قانونياً إن كان هناك قانون يمنع صرف أي بقعة أرض من ممتلكات الدولة.. لكن الثابت أن مثل هذا القانون غير موجود، وكبار مسؤولي الدولة من النظام السابق في الجنوب كانوا يصرفون البقع لمن شاءوا، وعلي سالم البيض كان يفعل ذلك يقينا عندما كان نائباً لرئيس مجلس الرئاسة، وأشهر اسم ارتبط بالأراضي وصرف البقع في عدن هو اسم القيادي الاشتراكي الراحل أحمد سلمان وزير الإسكان، وابتكر أهل عدن نكتا عديدة عنه في هذا الشأن بسبب ما كان يصاحب الصرف من اختلالات ووساطات ومجاملات حزبية ومناطقية.. وأعرف يقينا أن السلطة المحلية في عدن صرفت أراض للموظفين ربما دون استثناء.. وشخصياً عرضت علي فرصة الحصول على قطعة أرض ما بين عدن وأبين مقابل عشرة الآف ريال فقط مقدما (وألفي ريال قسط شهري للدولة) أدفعها لصاحبها العامل في شركة بحرية مقابل تنازله لي عن البقعة، كما طلب مني صديق من عدن أن أتقدم بطلب إلى مسؤول جنوبي ليصرف لي قطعة أرض في عدن كغيري (ليطمئن أصحاب الكشوفات أن الموضوعين لم يتما لأنني من الأشخاص الذين لا يحبون وجع الدماغ)!

ثالثاً: هناك أسماء في الكشوفات لأشخاص من أبناء الجنوب؛ بمعنى أن الأمر ليس «احتلالا شمالياً»، وقد آلمني حقا أن يذكر أسماء بعضهم ممن عانوا وتشردوا وطردوا من بيوتهم قبل الوحدة في الوقت الذي كان المهللون لهذه القوائم ناهبين لممتلكات مواطنين باسم العامل والفلاح!

فهل يعقل أن يسمى حصول مواطن من الجنوب بطريقة رسمية على قطعة أرض في عدن عملية نهب؟

إن قالوا إنها نهب طالما أن المواطنين كلهم لم يحصلوا على مثلها.. فالأصل أن كل من حصل حتى على زريبة غنم منذ 1967 فهو ناهب سارق سواء بسواء مثل الذين جاءوا بعدهم! مع أن الثابت أن هؤلاء أو معظمهم حصلوا عليها بطريقة رسمية.
•••
هذا الحديث يقودنا إلى حديث آخر متصل بشأن التصرف في أملاك الدولة والمواطنين؛ فمن المعلوم الثابت أن النظام في عدن قبل الوحدة كان يستضيف مجموعات كبيرة من التقدميين والشيوعيين اليمنيين الشماليين والعرب وغير العرب في عدن.. وهؤلاء كلهم كانوا بالضرورة يسكنون في منازل وليس في خيام البدو الرحل (مثل الإرهابي العالمي كارلوس ونائبه الألماني هاينز) فبأي حق أعطوا هذه الممتلكات المؤممة من أملاك المواطنين؛ في الوقت الذي كان سكان عدن وعامة الجنوبيين يعيشون أزمة سكن قاتلة لا يعلم مآسيها إلا الله.. وأعرف حالات عديدة بالاسم منهم أقارب لي؛ اضطروا للنزوح إلى الشمال لبدء حياة إنسانية لهم بعد أن عجزوا أن يسكنوا في منزل مع عائلاتهم!

وفي السياق نفسه منح النظام الحاكم في عدن قبل الوحدة بعض ممتلكات الشعب لأجانب يديرونها ويستثمرونها مثل بعض المنتزهات في التواهي وخورمكسر التي منحت للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والحزب الشيوعي اللبناني ليستثمروها لحسابهم، ولا نظنهم كانوا يشغلونها لحساب الدولة.. وما خفي كان أعظم!

فهل هذا العمل يعد نهباً أو تملكاً جائزاً.. أم أنه حتى النهب اليمني ينقسم إلى قسمين:

نهب حق.. ونهب مرق؟!

•••

خلاصة الكلام: إن أردتم العدل.. فكل من تملك من أملاك الدولة أو المواطنين في الجنوب صغرت مساحته أو كبرت، ومنذ يوم الاستقلال حتى الآن فعليه أن يعيد ما تملكه أو يدفع قيمته إن لم يكن قد دفع شيئا.. أو يوفي الثمن إن كان تملكه باللف والدوران على الطريقة الإفسادية اليمنية الشهيرة وخاصة بعد 1990!

ملاحظة أخيرة: تعود الرئيس السابق بعد انفراده بالسلطة عام 1997 أن يمنح الوزراء الجدد في كل حكومة مبلغاً يصل إلى أربعين وقيل ستين مليوناً من الريالات (خلو رجل أو خلو ضمير!).. فهل هذا يدخل أيضا في إطار الفساد ونهب أموال الدولة أم أنه حلال بلال؟

سؤال للذين صحت ضمائرهم متأخرة، ويزعمون أنهم يكرهون سرقة الثورة الشبابية!

زر الذهاب إلى الأعلى