[esi views ttl="1"]
آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

الحرب اليمنية المقدسة!

لن نحارب إيران ولا اسرائيل .. اليمن البلد المنهك من حروبه العبثية ، ولا يتحمل اليوم أي حروب مجنونة ، وان كنا مصرين على الحرب فلتكن حربا حقيقية ضد التخلف والفقر، كما ان معركتنا التي علينا ان نحارب من اجلها هي معركة بناء الدولة التي ماتزال مستمرة منذ 60 عاما.

عملية التحول من مجتمع رعوي متخلف إلى مجتمع حضاري تحتاج إلى تكاتفنا جميعا بكل تنوعنا المزعوم!، لا يوجد شعب متجانس متداخل متشابه مثل شعبنا ،الا اننا نقول عن انفسنا متنوعين، و إلى الآن لم نر تحركا شعبيا واسعا بناء على التنوع أو على الانسجام باتجاه معركة بناء الدولة، وكل ما نراه إلى الآن محاولات مقتصرة على حكومة ومؤتمر حوار، اما اندفاع الجماهير في الثورة فقد توقف الآن، لأن البناء مسألة معقدة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وهذا فوق مستوى وعي الجماهير التي كانت مندفعة في الثورة ، ولذا فإن دور المجتمع المدني من منظمات واحزاب مازال مقصورا على النخبة ، وهذه النخبة مازالت “مخزنة في الديوان” ولم تخرج إلى واقع بناء الدولة.
كما ان اهتمام شعبنا بالسياسة الذي يفخر به البعض - ويقول: ان الشعب اليمني افضل من الشعب الأمريكي في هذه المسألة-يقتصر على نقاشات فارغة المحتوى، واصوات تتع إلى من هنا وهناك مع أو ضد ولم تتحول إلى فهم عميق للسياسة ،لأنها نقاشات غير مؤسسية وغير موثقة ويضيع فيها الرأي الصائب مع الرأي الخاطئ معا وكله نقاش لأجل النقاش.

من عجائب بلدنا اننا لم نكن دولة الا في عهد الرسوليين قبل 500 سنة وفي ظل غياب الدولة الآن تجدنا واحداً اعور جنوب والثاني اعور شمال ،وبينهما اعور فيدرالية واعور اندماجية واعور مركزية واعور لا مركزية وكلها اشكال للدولة غير الموجودة اصلا ، وبدلا عن العمل معا لبناء دولة مؤسسات مازلنا نتصارع على “مربط البقري” بدون وجود فعلي للبقري ،ولا حتى للحبل الذي سنربطها به وكلها خيالات للبقري واداة و مكان ربطها.

جربنا التمزق الفاشل ولم ننجح لا هنا ولا هناك، وكنا كغبيين ذهبا إلى السوق كل واحد خلسة عن الثاني ، وفي السوق كل واحد “عامل نفسه مش شايف الاخر” مع ان اهل السوق يرون خيبتنا معا . وجربنا الاندماج على اساس اغبى من رحلة السوق الآنفة ،وهذه المرة “قسمنا الحب نصين” ،وعند القسمة حضرت المشاحنة :انا امير وانت امير طيب من اللي سيرعى الحمير ؟ وتم تغييب الشعب نهائيا ، الا من الرقص والفرح بهذا الانجاز الذي سكبنا له المدائح والاغاني، وفي النهاية بيتكم خلف بيتنا وخالتي وخالتك واتفرقوا الخالات ، وخصام على حقنا وحقكم .

ولو نظرنا إلى الشعب فإنه لم ينل شيئا من حقوقه وكل الخلاف على مجموعة اراضٍ واموال وعقارات تقاسمها “بنو قينقاع” وحدهم وفي النهاية اختلفوا على القسمة يقسموا.

طيب يا فيدرالية كلنا غنينا لك مقاطع من اغنيات شوق بدون نهايات ، لم يلاحظ احدنا اننا لم نستطع ان نبني دولة واحدة ، وان وزاراتنا نصفهن ايجار ،ومؤسساتنا الاسمية نصفهن ايجار ،وان ميزانيتنا التشغيلية لا تكفي لربع سنة، فكيف سنبني ست دول لكل دولة برلمان وحكومة ووزارات ومؤسسات ،طيب حد يسلفنا يا جماعة “ثمان طعشرمئة مليار !” عداً ونقداً إلى حين ميسرة، لنبني دولنا المدنية الست “وعاصمتها القدس الشريف!”.
هل فكرنا عندما نقسم البلد إلى اقاليم فيدرالية من الذي سيصرف على حكومات الاقاليم ؟ومن اين ستاتي الميزانيات والنفقات التشغيلية ؟وما هي المشاريع الاقتصادية التي تناسب كل اقليم ؟وما العلاقة بين حكومات الاقاليم؟ وماذا عن المواطنين هل يستطيعون التنقل بمشروعاتهم من اقليم إلى آخر؟ وكيف سيكون التعامل معهم وما هي نسبة الضرائب والجمارك في كل اقليم؟.
هل هناك دراسات اقتصادية لهذه الاقاليم والا كذه نقسمها وكل اقليم يدبر نفسه ؟ وماذا عن القانون في كل الاقاليم هل سيكون قانوناً موحداً والا كل اقليم يقنن لنفسه ؟ وماذا عن انظمة الصحة والتعليم والاعلام وغيرها؟.

في تصوري الفيدرالية ليست مجرد تقسيم وحدود وميناء بحري بل مشروع وطني بحاجة إلى دراسات مستفيضة تحقق نموا اقتصاديا لترفد خزائن الاقاليم وخزينة الدولة العامة بميزانيات تساهم في احداث نهضة خاصة للأقاليم ونهضة عامة للبلد.
ما يهمنا هو حربنا اليمنية المقدسة في اهم معركة كونية يمنية وهي معركة بناء الدولة، وعلينا التفكير في مستقبلنا في هذه الفترة الاستثنائية التي انتجتها ثورة التغيير، وهي فرصة لن تتكرر خاصة وان العالم اظهر لأول مرة اهتمامه بنا كشعب.
بدلا من البحث عن معارك لم يخضها سيف بن ذي يزن الحميري، وعنترة العبسي والزير سالم، وابو زيد الهلالي، وعلي صالح الحميري وعلي سالم البيض، وعبده الحوثي الهاشمي، والعولقي والوحيشي ، علينا ان نكبر عن قصص الاطفال وخيالات المراهقة السياسية اليمنية التي يعشها كل فرد بداخله والتي ضيعت شعبنا لأجل الزعامة الفارغة.

باختصار : معركة بناء الدولة بالنسبة لنا كشعب يمني هي معركة وجود ،وليست صراع زعامات و حدود.

زر الذهاب إلى الأعلى