[esi views ttl="1"]
آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

مؤتمر الحوار في اليمن بين الواقعية والسراب

يعتبر مؤتمر الحوار في اليمن نقلة نوعية، خاصة أن هناك جهات عديدة جادة في الحوار، وعلى رأسها دول مجلس التعاون الخليجي، ومبعوث الأمم المتحدة جمال بن عمر، حرصاً على استقرار اليمن الذي هو مهم للمنطقة كلها، أضافة إلى صدق الرئيس عبد ربه منصور هادي للوصول إلى استقرار البلاد والخروج بها من الاحتقان، وأعرف عن الرجل وحدويته وصدقه، فهو رجل جاد ولا يعرف الألاعيب السياسية، لكن هناك قضايا مهمة يجب أن تساعد على إنجاح الحوار، وهي الثوابت ومستقبل اليمن بعيداً عن أهواء الساسة وأصحاب المصالح الحزبية الضيقة، فقد رأينا في أثناء الحوار آعمالاً بشعة من تفجيرات آخرها ما حصل في صنعاء لأناس أبرياء، وكذلك أعمال العنف في صعدة وغيرها، فهناك ثلاث جهات لا تؤمن بالحوار، وإنما تزايد عليه، وهي في أجندتها الوصول إلى حرب أهلية باليمن، وهي مجموعات صعدة ومجموعة أبين وغيرها المتطرفة الدينية وكذلك متطرفو الحراك الاشتراكيون، هؤلاء جميعاً يريدون تنفيذ أجندة إيران وغيرها لجر اليمن لحرب أهلية والحوار ليس في صالحهم، ولن ينفع معهم أي شيء وهم مصممون على ذلك ويستبيحون دماء الناس.

هنا يجب أن نقف بصراحة أمام مسؤولية وطنية أهم من جلسات الحوار لإنجاحه، وهي ميثاق الشرف الوطني لسيادة البلاد، وهي مسؤولية الدول والأمم المتحدة والقوى الوطنية من حكومة وشيوخ قبائل وعلماء ورجالات البلاد أن يتخذوا قرارا حاسما مجمعا عليه بأن قضايا الخلافات تبحث في المؤتمر، أما حمل السلاح والقتل والإرهاب، فالكل يجب أن يقف صفاً واحداً، بقرار واحد لمقاومته واتخاذ إجراءات صارمة وعقوبات شرعية على مرتكبي القتل، إذ أن التعاون مع هؤلاء وحملة السلاح لن يوصل اليمن لبر الأمان، وستظل في صراع وعدم استقرار، ولن يساعد ذلك في بناء الدول أو خروج اليمن من نفقها، إن عدم اتخاذ قرار جماعي ضد حملة السلاح والعصابات المسلحة لا يمكن أن يساعد في إنجاح أي حوار أو دولة ديمقراطية ومستقرة، وعدم بسط الدولة لنفوذها على إرجالها كذلك وهو أهم من كل شيء، وأمر سام، ويجب حسمه مهما كلف الثمن، ولكن بإجماع داخلي ودعم خارجي.

إننا اليوم أمام تحد ومحك، أضف إلى الدعوات المناطقية والطائفية الغربية على اليمن وهؤلاء اليوم الذين يريدون الوصول للسلطة على هذا الأساس هم دعاة الفشل وليس لهم أي رصيد شعبي أو هوية، فهم ظلوا سنوات يتغنون بالوحدة والأمة واليوم يدعون لتمزيقها، ومهما كانت النتيجة، ويعرف هؤلاء نتيجة ذلك إذ أنهم لم يعودوا اللاعب الرئيسي كما كان في التسعينيات، وما قبلها، وهناك لاعبون جدد وهناك فئات كثيرة ستحمل السلاح لحروب القبيلة.

صحيح أن الوحدة كانت أخطر قرار اتخذ، وهو ناتج عن ضغوط دولية لإخراج روسيا من عدن، وظل منذ فكرة الحمدي إلى الغشمي إلى عهد علي عبدالله صالح، إذ أن الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة ضغطت بهذا الاتجاه من خلال الحمدي والغشمي وعلي صالح، وكذلك سالم ربيع وعلي ناصر وغيرهم، وكان هناك صراع روسي أمريكي في هذا الجزء من العالم العربي، وهناك أشياء خفية لم تعلن حتى الآن حول هذا الموضوع، وإن هؤلاء الذين هربوا إلى الوحدة ومنهم علي سالم البيض والعطاس وغيره حتى لا تطرده أمريكا، فوجدوا الوحدة حماية لهم، وقامت الوحدة بعجل شديد، وتضررت البلاد من جراء سحب ميزانية دولة الجنوب سابقاً واعتمادها على ميزانية صنعاء التي أثقلت البلاد بديون والممارسات الخاطئة كانت من الطرفين وليس من طرف واحد بصراحة.

يجب أن تراجع الأخطاء وتصححها، لكن لابد من التسامح والعفو، وهو منهج الإسلام وأخلاق العرب والإنسانية جمعاء، أما ثقافة الحقد والكراهية فلا فائدة فيها.

يجب أن يكون هناك توجه ديني وإعلامي وثقافي في إطار مؤتمر الحوار، يدعو للمحبة والأخوة والتسامح والوحدة الوطنية بعيداً عن أهواء الذين يريدون الوصول للسلطة والزعامة على جماجم ودماء الفقراء، ولا يريدون الاعتبار بما جرى لغيرهم، اليمن يحتاج لمناقشة الأولويات، والأخ الرئيس عبد ربه منصور مسؤول أمام الله لسماع وجهات النظر المعتدلة، ومن يريد أن يساهم في النصيحة وتقديم المشورة الصادقة المخلصة، وقد جرت محاولة لذلك ولكن حيل بين أصحابها ورئيس الجمهورية من قبل معاونيه وحجابه، الذين لم يوفق الرئيس في اختيارهم، وكان أولى أن يعين أناسا ذوي تجارب يعرفون قيمة الرجال ويوصلون إليه الآراء ولا يحجبون الناس ويستفيد من أخطاء سلفه، ولو لا ثقتنا بصدق وإخلاص ووطنية الرئيس وحبنا له، ما نصحناه بأن عليه أن يختار طاقما ذا تجربة ومستشارين يقدمون له النصح ويساعدون لإنقاذ السفينة حتى يكتب الله له في الميزان يوم القيامة أنه حفظ دماء المسلمين، وإنه نبي السلام، وأنه صنع الحب والأمان، ويسجل له التاريخ مواقف نبيلة، وكلي أمل بذلك، وندعو له بالتوفيق، ولمن يريدون جمع الشمل وحفظ الأرواح وإنقاذ الناس.

زر الذهاب إلى الأعلى