[esi views ttl="1"]
آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

مزاد الضربة وخطة الثورة

لم تُرهَق ثورة ولا شعب منذ حروب الاستقلال كما جرى للشعب السوري في ثورته الحالية. والسر في ذلك حددناه قديما، وهو أن تحرير قلب الشمال العربي والشام الكبرى وتحويله إلى حكم شعبي مستقل، بإرادة مستقلة، أو حتى السير نحو ذلك يعني الكثير لخصوم هذا الشعب، ولأصحاب المصالح الإقليمية الدولية في المنطقة.

ولطالما ذكرنا أن أمن إسرائيل كان العنصر الحيوي لاستهداف تقدم الثورة السورية، سواء جاءت الضربة العسكرية أو لم تأت، أو قُننت في اتجاه يُحيّد قدر الاستطاعة قوة الثورة التي طالت، واسترداد الشعب حريته التي نهبت.

ومن هنا نفهم ما الذي يجري على الساحة الدولية رغم دقة اشتباكات المصالح وتضارب بعضها، بسبب خلاصة الموقف على الأرض السورية الذي سينتهي إلى يوم سيغيب فيه الأسد عن المشهد، وبالتالي تحرص كل هذه التقاطعات على إنفاذ صفقة متكاملة أو متشاركة لكل منها، لوضع سوريا تحت وصاية أو تقييد لا يسمح لدمشق الحرة أن تستقل بإرادتها الكاملة.

ولذلك انتهى نظام الممانعة -وبتأييد شامل من حزمة القوى الإيرانية، وبرعاية دقيقة من موسكو لا يمكن أن تُفصل عن لقاءات بوتن وأوباما ولا لقاءات كيري ولافروف في سان بطرسبرغ- إلى هذا المشهد في التوافق على تسليم الأسلحة الكيميائية ومخزونها التي طالما نفاها النظام وموسكو.

والقاعدة التي تعاملت بها موسكو والنظام، وما سُمي بمبادرة المالكي هي اللعب على الوتر الرئيس، وهو ضمان أن يضع النظام عهدته الكيميائية تحت أعين تل أبيب.

ومع أن سجل النظام -الذي حرص نتنياهو والمسؤولون الإسرائيليون على التذكير به- يؤكد أن استمرار الأسد أضمن لبقائهم قياسا على هدوء حدوده كليا مع تل أبيب، إلا أنه بقيت مخاوف من أسلحته الكيميائية فلعبت موسكو على تجييرها بذكاء.

لقد تعرضت الثورة السورية والشعب في هذا المنعطف إلى جولة تآمر جديدة، قُرعت لها الكنائس في الفاتيكان، وأقيمت الصلوات لمنع الضربة، في حين لم يُصل الفاتيكان لتأييد هذا الشعب ووقف العدوان عليه.

وبلا شك، فإن إيران التقطت الخيط بتنسيق مع موسكو، وقد فعلت ذلك منذ أن حال بعض العرب دون تسليح الجيش السوري الحر الذي لو تم -وخاصة بمضادات الطائرات- لما وصل العالم وأطفال سوريا لمذبحة الغوطة. وبالتالي أضحى التوافق مع تل أبيب -وبالتالي واشنطن- على تأمين النظام من هذا القصف مهمة مشتركة، وحينها ستُترك له مساحة جديدة وخطيرة.

وقد لا تقف الأمور عند هذا الحد، وإنما يسعى الأميركيون لاستدراج نظام الأسد، ثم بسط وإصدار مشروع قانون جديد يخص سوريا، خاصة بعد ما أشار الرئيس الفرنسي إلى استخدام الفصل السابع لعمل عسكري يهيئ لجنيف2، وهو أمر غير مضمون، فقد تُغيّر موسكو ميزان المعادلة في ذات الوقت الذي يُحقق النظام فيه أكبر تفعيل لأدوات القتل.

وسواء صوت الكونغرس أو لم يصوت بشأن الضربة، فإن هناك برامج وقياسات مختلفة تتعلق بالضربة، حيث يدفع الفاتيكان وموسكو وتل أبيب لتجنبها في ظل مساندة وانحياز للضمير الغربي ضد تحرير سوريا، وإبراز وتضخيم لقضية الأقليات، وكأن الذبح اليومي ليس في صفوف أغلبية لا تزال مع ذلك ترعى أقلياتها المحاصرة من الأسد.

ملخص الموقف هو حزمة من التداخلات الدولية والإقليمية المؤيدة للأسد، والانحياز الغربي ضد استقلال الثورة وتحرير سوريا، وعليه فما تحتاجه الثورة اليوم هو الاعتماد على خطتها وتصوراتها ورؤيتها وتنظيم قدراتها وصفوفها.

وهذا لا يعني عدم التعامل على الأرض في الواقع الميداني للثورة مع الضربة المزعومة -وهو ما أعلنته قيادة الجيش السوري الحر- لكن المطلوب الحذر الشديد من هذا الموسم المتأرجح، ومن حساباته التفصيلية وتوافقاته السرية، وعليه فإن حزمة خطوات الوعي المطلوبة من الثورة تتلخص في الآتي:

1- المخطط الدولي قد يسعى إلى تحويل الميدان لحسابات خاصة، وليس المطلوب أن يُواجه لكن أن يُحيد لمصلحة خطة الثورة، وهذا أمر ممكن.

2- خطة الثورة يجب ألا تَبقى مرهونة بحسابات الضربة وموعدها، فحينها تكون خسائر الترقب أكبر ومفاجآتها شرسة على الشعب والثورة معا.

3- ما أعلنته رئاسة هيئة الأركان من تواصل مع القيادات العسكرية الغربية يجب ألا يُحمل على الثقة المطلقة وإنما الحذر الذكي.

4- من المهم أن تستحضر الثورة السورية قرار الناتو برفض دخول قوات الثوار الليبيين إلى طرابلس، وخطة عبد الحكيم الحاج وثوارها في تخطي هذا الإنذار الذي أسقط القذافي ووضع الناتو أمام الأمر الواقع بعد تنفيذ عدد من الضربات، وسمح للثوار بتحويل مسار الحرب عسكريا وسياسيا.

5- في كل الأحوال الثورة يجب أن تحافظ على برنامج التوافق الذي نُفّذ بين الجيش السوري الحر وفصائل إسلامية أخرى، ومشروعهم المهم بتوحيد غرفة العمليات.

6- من المهم أيضا ألا تقف هذه الاستعدادات عند برنامج الترقب والمبادرة لإعداد الخطة البديلة لمواجهة تغول النظام حين تنجز الصفقة، خاصة أن كل مفردات الغرب في التحرك تنطلق من خلفية استخدام السلاح الكيميائي خشية من استخدامه ضد إسرائيل، وكأنها تشرع القتل بالبراميل والمُدى الذي قَتل أكثر من مائة ألف من أبناء هذا الشعب.

7- رغم أن الخيارات محدودة لكن وحدة الفصائل قد تنقل المعركة البديلة في الكفاح إلى مستوى كسر الموقف العسكري والتقدم الإستراتيجي، وهو يعتمد على كمية تسريب السلاح من تركيا ونوعيته.

8- لو فطنت القدرات الشعبية في العالم العربي إلى فكرة النفير المنظم -لا عاطفيا بل سياسيا ولوجستيا- وساهمت في دعم غرفة العمليات الموحدة بتكثيف الدعم لها وعبرها فسيكون لذلك تأثير كبير.

9- خطة الغرب بقصف مواقع لجبهة النصرة ليست قدرا، وبإمكان قيادتها التنسيق مرحليا ومصلحيا لأجل هذا الشعب لتحييد أي مواجهات تخلط الأوراق، ويستفيد منها الأسد والمحور الروسي الإيراني وتل أبيب.

10- هناك مشاكل كبيرة وتجاوزات وتعديات من فصيل دولة العراق والشام المتفرع عن القاعدة أو المنشق منها، لكن ربما تقييمهم للمواقف بعدم إعطاء فرصة للقوات الغربية لقصف مواقعهم المكشوفة التي لا تملك أي مضادات، قد يدفعهم للانسحاب الذي هو من مصلحة سوريا ومستقبلها، وأن يعود هؤلاء المقاتلون سالمون بدل أن يدخلوا في مواجهات عنيفة تخدم التحالف المعادي لثورة سوريا واستقلالها.

أمام الثوار تحديات صعبة في ساعات حرجة، غير أن التسليم بأن تصورات المعركة في يد ملف سان بطرسبرغ السري ليس قدرا، ويبقى الميدان كما هو حال كل الثورات هو من يحمل كلمة السر النهائية.

المهم هو عدم التفرق، وتعزيز القدرات الذاتية، وحساب كل منعطف في هذه الأيام والإعداد له، لتنتصر خطة الثورة على الأسد، وتَعبُر من مخطط الفتنة ومؤامرات المجازر من كل المحاور.

زر الذهاب إلى الأعلى