[esi views ttl="1"]
أرشيف الرأي

لجنة تحديد الأقاليم.. نسخة مشوهة من مؤتمر الحوار

تم هندسة، وبرمجة مؤتمر الحوار في اليمن من قبل الرئيس هادي، وجمال بن عمر، ‏والدكتور ياسين سعيد نعمان بطريقة ذكية جدا ضمنت لهم التحكم بسير عمل المؤتمر ‏والتوصل للنتائج التي وضعوها للمؤتمر بشكل مسبق. وقد تمت تلك الهندسة من خلال ‏إضعاف وتهميش القوى المعارضة لتوجهاتهم، وتقوية القوى التابعة لهم وتمكينها من السيطرة ‏على مفاصل المؤتمر. وتم كل ذلك عبر رئاسة المؤتمر، والأمانة العامة التي كانت بمثابة اليد ‏الخفية التي أدارت المؤتمر بشكل فعلي، بمساعدة الخبراء الأجانب.‏

وقد تم تغطية تلك الهندسة عبر تعيين قادة سياسيين من كبار السن والمرضى في هيئة رئاسة ‏المؤتمر، وهم القادة التي انتهت صلاحياتهم السياسية، ولم يعد بإمكانهم اكتشاف الحيل الفنية، ‏وفك ألغاز الخبراء الأجانب وطلامسهم. إلى جانب ذلك؛ تم تزيين مؤتمر الحوار بشخصيات ‏هامشية ضمن ما سُمي مكونات الشباب والمرأة وقوى المجتمع المدني. وكانت المحصلة لذلك ‏إيهام اليمنيين والعالم الخارجي بأن هناك مؤتمر حوار حقيقي يمثل جميع فئات المجتمع ‏اليمني، وقواه السياسية، فيما الحقيقة، التي تجلت حين تم حسم وسلق وثائق المؤتمر في دقائق ‏معدودة، قد كشفت عن مؤتمر شبيه بالمؤتمرات الشعبية في جماهيرية ألقذافي العظمى. ففي ‏تلك الجلسة (الفضيحة) تم تمرير ألاف القرارات بالتهريج والصراخ دون أدنى اعتبار للنظام ‏الأساسي أو غيرها من القواعد التي يتم العمل بها في إدارة جلسات ورش العمل. ‏

وبطريقة أكثر هزلاً من طريقة تشكيل مؤتمر الحوار؛ تم تشكيل لجنة تحديد الأقاليم من ‏رئيس الجمهورية، من الموميات السياسية اليمنية المعروفة، ومن شخصيات هامشية، تأتمر ‏بأمر الرئيس وتسبح بحمده، وتم تطعيمها بعدد محدود من الأشخاص المعارضين لما يدور في ‏ذهن الرئيس، كي يتم إيهام الناس بأن هناك تنوع واختلاف.‏

وعلى غرار مؤتمر الحوار؛ يتم الإعلان عن استماع اللجنة لدراسات علمية وأراء الخبراء ‏حول الأقاليم، وهي نفس الحيلة والآلية التي تم بها خداع الناس، حين تم عقد ندوات وورش ‏عمل موازية في خارج المؤتمر، واستقدام خبراء أجانب في القضايا التي كان يناقشها المؤتمر، ‏وغيرها من الفعاليات التي كان يراد لها أن توحي بأن مخرجات المؤتمر كانت خلاصة لأفكار ‏طيف واسع من المجتمع والخبراء المحليين والأجانب، وهم الخبراء الذي كان يتم اختيارهم ‏بعناية فائقة ومن لون واحد في المجمل؛ ففي موضوع شكل الدولة مثلا، تم استقدام معظم ‏الخبراء الأجانب من المؤيدين للفدرالية، ولم يتم استدعاء خبراء محليين أو أجانب، إلا فيما ‏ندر، من المعارضين للفدرالية.‏

قبل مؤتمر الحوار وأثنائه لم يفصح الرئيس هادي، وجمال بن عمر عن خططهما المسبقة ‏لمخرجات المؤتمر، حتى اللحظات الحرجة والمشهد الأخير، أما فيما يخص لجنة تحديد الأقاليم ‏فقد أفصح الرئيس بشكل واضح عن أهدافه وتوجهاته وما ستقرره اللجنة قبل أن يتم تشكيلها. ‏ففي الفترة الماضية أعلن الرئيس ووسائل إعلامه عن تقسيم اليمن إلى ستة أقاليم أثنين في ‏الجنوب وأربعة في الشمال، وتم تحديد المحافظات التي ستتشكل منها هذه الأقاليم. ووفقا لذلك؛ ‏فإن لجنة تحديد الأقاليم لن تفاجئنا بأي قرارات مخالفة لما قد قرره الرئيس، وهو ما يجعلها ‏لجنة صورية، وديكور لتنفيذ مشيئة الرئيس ورغبته في تقسيم اليمن. ‏

وفي نفس السياق والتوجه يبدو أن الأمور تتجه في المرحلة المقبلة لتشكيل لجنة صياغة ‏الدستور بنفس الطريقة، وربما أسوا، حيث من المتوقع أن يتم تشكيل هذه اللجنة من أشخاص ‏غالبيتهم منفذين لرغبة الرئيس هادي وفريقه.‏

من المفارقات أن يتم تقرير مصير اليمن من قبل أشخاص ومؤسسات غير شرعية، فالرئيس ‏هادي هو رئيس ناقص الشرعية، حيث أنه لم ينتخب في انتخابات حقيقية تنافسية، فقد قُدم ‏للناخبين بصفته رئيس مؤقت، وتوافقي لإدارة المرحلة الانتقالية. وأعضاء مؤتمر الحوار الذي ‏تم تعيينهم من هذا الرئيس، فوضوا الرئيس بشكل مطلق ونهائي (بالتهريج والصياح فوضناك ‏‏.. فوضناك) لتشكيل لجنة لتقسيم اليمن. والرئيس هادي وفق ذلك التفويض الغير شرعي شكل ‏لجنة تحديد الأقاليم وهذه اللجنة غير الشرعية ستُقسم اليمن وتقرر مصيره. هذه العملية برمتها ‏لا تمتلك شرعية أو مشروعية سياسية، ومن ثم فإن كل مخرجاتها تعد باطلة لأنها قامت على ‏أسس غير صحيحة. ولو كان هناك محكمة دستورية مستقلة لأوقفت هذا العبث كله. ‏

يتم كل هذا العبث بالدولة اليمنية في ظل غياب وتغييب للنخبة السياسية الفاعلة، والتي هي ‏إما مغيبة ومقيدة الحركة، أو أنها تتصارع فيما بينها وتصفي حساباتها على خلفية أحداث ‏‏2011. ولكون ما تم قد تم عبر الحيلة والخداع؛ فإن كل مقررات مؤتمر الحوار، ولجنة تحديد ‏الأقاليم لن يكتب لها النجاح.‏

لقد شأت أقدار اليمن أن يصبح مصيرها في يد رئيس لم يكن مهيئا لهذا المنصب، وموظف ‏دولي من الدرجة الثانية لا يملك الدراية بخفايا ودهاليز السياسة اليمنية، التي عجز أبنائها ‏العارفين باكتشاف تعرجاتها وشعابها.‏

زر الذهاب إلى الأعلى