[esi views ttl="1"]
من الأرشيف

الترب.. عندما يوجد الرجل المسؤول يتعامل معه الأشقاء كذلك

قبل أيام وقف وزير الداخلية اللواء عبده حسين الترب في البرلمان، وقال باعتباره مسؤول ‏‏المؤسسة الأمنية المكلفة بأن تفرض الأمن وتحمل هي السلاح لتأمين المواطنين، إن هناك ‏‏ثلاثة تهديدات "رئيسية" للأمن في اليمن من الجماعات المسلحة، لخصها، بتنظيم القاعدة ‏الإرهابي ‏وجماعة الحوثيين المسلحة، والفصائل المسلحة في الحراك. ‏

من يعرف الترب وتابع إجراءاته وجهوده الفترة الماضية يعلم أنه قال ذلك باعتباره الحقيقة التي يحمل همها كمسؤول، وقالها لأجل الأمن وليس لأجل السياسة.. خالف ‏‏قاعدة الانتقائية والكيل بمكيالين والتصنيف حسب الهوية، التي اعتاد عليها الكثيرون في ‏‏المرحلة السابقة، وتحدث كمسؤول، بلا حزبية ولا مكايدات سياسية بين مؤتمر أو إصلاح أو ‏‏غيره، هناك ثلاث جماعات مسلحة تقوم بأعمال "منظمة" ضد الدولة أو تنازع الدولة ‏‏سيطرتها. تختلف بالأمس مع المؤتمر، أو اليوم مع الإصلاح أو غيره..

الأمر لا يحتاج أن يكون مع أي طرف، فلو جاء "مسؤول" من أي دولة لا يعرف شيئاً عن ‏‏التصنيفات السياسية والمذهبية في اليمن وعُرض عليه تقرير أمني، لرتب التهديدات كذلك، فالشاهد في ‏‏تصنيف أي مجموعة مسلحة ليس هويتها ولا موقفها الديني أو السياسي، بل هو السلاح وما تقوم به. ‏‏وجماعة الحوثي المسلحة التي غضب الكثيرون بسبب ذكرها، خاضت خلال عام مضى وأكثر - منذ انطلاق ما يسمى "الحوار" -، الكثير ‏‏من الحروب، قتل فيها مئات المواطنين.. والمجموعات الانفصالية المسلحة أصدرت ‏‏بيانات بنفسها في أحيان واعترفت بأعمال عنف. ‏فضلاً عن أن بيده التحقيقات وبدهي أنه يعلم عن أعمال غير معلنة!

بالطبع، جن جنون ممثلي الجماعات المسلحة وعناصرها، وكذلك بعض الأصوات السياسية ‏‏الخارجة من أطروحات ونقاشات الفنادق، لأن من الطبيعي جداً أن لا ترضى أي جماعة ‏ عن وزير داخلية مكلف بضبط الأمن. فإما أن يسكت عليها ويفرط بمهمته، وإما أن ‏‏يصطدم بعدم رضاها، أو تترك سلاحها وتصبح كالآخرين. ‏

‏**‏
ولأنه يتصرف كرجل دولة؛ فقد كان أول مسؤول يمني منذ فترة يقوم بزيارة إلى السعودية ويعود ‏‏بخطوة تخص المغتربين، المشكلة التي أرقت الكثيرين منذ أكثر من عام، دون أن تنجح ‏‏دبلوماسية السلطات في تحقيق شيء في هذا الجانب. بل إن السلطات السعودية رفضت استقبال ‏‏بعض الوفود بسبب توجه السلطة في صنعاء لشرعنة الجماعات المسلحة والانقلاب على المبادرة.

هذه الخطوة في أول زيارة للوزير الترب إلى الرياض، يمكن قراءتها من عدة جوانب، أولها، ‏‏أن من يحترم بلده ويتعامل كمسؤول دولة، يحترمه الآخرون ويتعاملون معه كمسؤول في هذه ‏‏الدولة يحمل هموم ناسها ولا يناقش أمراً أمنياً أو حكومياً مباشراً فقط، بل فيما يخص ‏‏المواطنين.. وهو أمر اعتيادي في مراحل أخرى، ولكنه استثنائي في هذه المرحلة. ‏

ثانيها، أن هذه الخطوة، بعد حديثه أمام البرلمان، تعزز الموقف الذي يدحض الشائعات بأن ‏‏السعودية تتعايش مع الجماعات المسلحة في اليمن رغم ما تمثله من مشاريع وأجندة إقليمية ‏‏ودولية، أو أن لجيران اليمن أولوية بقوى أخرى، كما يحاول أن يصور إعلام بعض الأحزاب ‏‏التي لا تقرأ الصورة بدقة، لتحقيق مكاسب سياسية في بلد يمر في ظروف صعبة ‏‏وشديدة الحساسية. فعلى من يحاولون التقرب من الخليج بخوض معارك بالقياس مع دول ‏‏أخرى أن يعفوا أنفسهم ويعيدوا النظر في التهديدات على الأقل.

إن تعايش الدولة مع الجماعات المسلحة التي تهدد أمن جيرانها، واتجاهها إلى التقسيم، هو ما ‏‏يقلق الأشقاء الذين جاء في البند الأول من مبادرتهم التأكيد على أن أي حل يجب أن يؤدي ‏‏للحفاظ على وحدة اليمن!. ولا علاقة للمبادرة بما جرى بعد ذلك من مسار يهدد ‏‏الأمن القومي الخليجي والعربي والدولي. ‏

عززت الرياض رسالتها بهذا الخصوص أمس، مع صدور حكم بالسجن 20 عاماً لمتهم ‏‏بتمويل "الحوثيين". وهو أمر يرسل رسالة إلى السلطات اليمنية، بأن من يتغنى بهم بعض من في ‏‏السلطة في صنعاء، ليسوا طرفاً مأموناً لجيران اليمن. ‏

‏**‏
وحتى لا يقول البعض إننا نناقض موقفنا بهذا التأييد لمسؤول في الدولة، فإن كل ‏‏انتقادنا للسلطة هو أولاً وأخيراً دفاعاً عن الدولة كمؤسسة وقيمة تتعرض لمختلف أنواع الطعن، ونتيجة التقرب من الجماعات المسلحة على حسابها. وبسبب القفز إلى ‏‏المجهول، وليس بسبب موقف من أحد. ولذلك عندما يوجد الرجل الذي يحترم الدولة، يجب أن ‏‏نقدم له التحية.‏

لقد قام الترب بخطوات مهمة وجريئة في محاولة إعادة هيبة وتماسك المؤسسة الأمنية ‏‏والحفاظ على الأمن. قال كلمة مسؤولة في وسط ومرحلة معقدة قبل أيام. ولأنه كان صادقاً ‏‏ووفياً مع مهنته فمهما كانت الأصوات المنتقدة. فلا يبقى في النهاية إلا الصحيح. ‏

لا يمكن إرضاء الجماعات المسلحة بأي حال من الأحوال بالتنازل عن القانون، وليس على ‏‏الوزير أن ينتظر رضاها. بالطبع هي مرحلة صعبة، لا يستطيع التحكم فيها بدون تنسيق مع بقية ‏‏أجهزة الدولة وبدون أن تكون في سياسة وخطة واحدة، لكنه استطاع رغم كل ذلك أن يتحرك ‏‏ويعمل ولا يزال أمامه الكثير. ‏

زر الذهاب إلى الأعلى